عانى قطاع السياحة فى مصر من تراجع كبير فى سنوات ما بعد الثورة على كافة المستويات سواء من حيث عدد السياح الوافدين، أو الإيرادات السياحية المتحققة، ولكن يبدو ان الوضع بدأ يتغير تدريجيا، وهو ما يتحتم علينا الاستعداد لاستقبال السياحة العائدة من جديد، ووضع خارطة طريق مستقبلية للقطاع.
وأطلق المركز المصرى للدراسات الاقتصادية، اليوم الاثنين، خارطة طريق جديدة للقطاع السياحى فى مصر بالصور والإنفوجراف وهو استكمال للمرصد الذى أطلقه المركز فى وقت سابق، يتضمن تحديد وضع مصر التنافسى مع الدول الأخرى فى القطاع السياحى، والمستهدف الوصول إليه حتى عام 2020، وتحديد الاستراتيجيات التى يجب اتباعها للوصول إلى هذه الأهداف، وهى دراسة تم إعدادها بالتعاون مع القطاع الخاص السياحى.
واستهدفت الدراسة جذب 9.038 مليون سائح فى 2018، ويرتفع العدد المستهدف إلى 16.695 مليون سائح فى 2020، كما تستهدف الخارطة تحقيق إيرادات سياحية قيمتها 4.5 مليار دولار عام 2018، ترتفع إلى 8.3 مليار دولار فى 2020، بالإضافة إلى زيادة معدل نمو المساهمة فى الناتج المحلى الإجمالى إلى 6.1%، ومعدل نمو المساهمة فى خلق فرص العمل إلى 4.6%، ومعدل نمو المساهمة فى الصادرات بواقع 10%.
وجاءت هذه المستهدفات بناء على الأرقام التى تحققت فعليا خلال عامى 2010 الذى شهد أكبر حركة سياحية فى مصر على مدار 20 عاما، وعام 2016 الذى يمثل أحدث البيانات المتاحة، حيث استقبلت مصر 14 مليون سائح عام 2010، محققة إيرادات سياحية قيمتها 12.5 مليار دولار فى نفس السنة، أما عام 2016 فقد بلغ عدد السياح الوافدين فيه حوالى 5.4 مليون سائح، بإيرادات سياحية قيمتها 2.7 مليار دولار فقط.
وأشارت الدراسة إلى وضع مصر التنافسى المتأخر طبقا لنتائج مؤشر التنافسية للسفر والسياحة الصادر عام 2017، حيث احتلت مصر المرتبة 74 من بين 136 دولة فى المؤشر، ورغم ذلك لديها فرصا لجذب المزيد من السياحة الثقافية والشاطئية، ولكن فى المقابل تراجعت السياحة الثقافية فى العالم لتمثل حوالى 15% فقط من السياحة العالمية.
واقترحت الدراسة، التى عرضتها الدكتورة عبلة عبد اللطيف المدير التنفيذى ومدير البحوث بالمركز، عددا من الاستراتيجيات اللازمة لتحقيق الأهداف المطلوبة، أهمها ما يتعلق بالإطار المؤسسى لقطاع السياحة، مطالبة بتعيين نائبا لرئيس الوزراء معنيا بالإشراف والتنسيق بين وزارات الآثار والطيران والسياحة، مع وضع رؤية شاملة للقطاع، على أن تبعه وحدة للمعلومات تهتم بتجميع وتحليل دراسات السوق والإشراف عليها، بجانب مكتب لسياحة المؤتمرات يتولى كل ما يخص سياحة المعارض والمؤتمرات والحوافز.
وطالبت بوجود ممثلين فى اللجان الاستشارية من القطاع الخاص من ذوى الخبرة فى التخصص وفقا للمعايير العالمية، وإعادة هيكلة وزارات السياحة والطيران والآثار والهيئات والشركات التابعة لهم بما يتفق مع رؤية قطاع السياحة ككل.
وشددت على ضرورة استقلال اتحاد الغرف السياحية عن وزارة السياحة، إلا فى بعض الأنشطة التى تقدم فيها الوزارة الدعم المباشر لبعض الجهات، بالإضافة إلى ضمان توفير بيانات محدثة خاصة بالقطاع ككل وقطاعاته الفرعية، متاحة بشفافية وانتظام لمجتمع الأعمال السياحى.
وأكدت الدراسة أهمية إضفاء طابع المرونة على استكمال منظومة التأشيرة الإليكترونية، وهى مبادرة الرئيس عبد الفتاح السيسى، وإضفاء طابع المرونة على إجراءات إصدار التأشيرة المصرية، كأن تمنح فوريا للحاصلين على تأشيرة شنجن أو تأشيرة الولايات المتحدة الأمريكية، أو إقامة فى إحدى الدول العربية، أو كبار السن من ذوى الأعمار الأكبر من ستين عاما، كما طالبت الدراسة بميكنة كافة النوافذ البرية والبحرية القائمة لكافة الأنشطة السياحية.
وأوضحت عبلة عبد اللطيف، أن مسئولية تنفيذ هذه الخطة لا يجب أن تقتصر على وزارة بعينها أو قطاع بعينه، مقترحة تشكيل لجنة مكونة من نائب رئيس الوزراء المنوط بالتنسيق والإشراف والمتابعة بالإضافة إلى ممثلين من الجهات الحكومية ذات الصلة، ورئيس اتحاد الغرف السياحية، ورؤساء جمعيات المستثمرين ورجال الأعمال فى المحافظات السياحية، وممثلين عن الغرف السياحية من ذوى الخبرة، وممثلين عن قطاع التسويق، مشددة على ضرورة الفصل بين وضع السياسات، وتنفيذ السياسات، ومتابعة أداء القطاعات، وهو ما يحتاج إلى تطوير مؤسسى يحقق الفصل الواضح بين هذه المهام الثلاثة.
من جانبه، دعا هيثم نصار، المدير العالم لفندق هيلتون بيراميدز جولف ريزورت – أحد المشاركين فى إعداد الدراسة – إلى إنشاء شركات متخصصة والاستعانة بالخبرات الموجودة من القطاع الخاص لإدارة المناطق السياحية الهامة والمطارات بطريقة تليق بمصر، وإنشاء آلية للتواصل مع السياح المستهدفين، وإعادة الاهتمام بالتدريب الذى تم إهماله منذ عام 2011، حيث خسر القطاع حوالى 40% من العمالة الماهرة خلال العام الماضى، وهو ما يستدعى ضرورة الاستعداد لعودة السياحة بتدريب كوادر جديدة.
وأكد نصار على أهمية تحديث معايير الجودة لتقييم الفنادق المصرية، مع الرغبة فى عودة استهداف جذب السائحين الأعلى إنفاقا، وهو ما يتطلب الارتقاء بجودة المنتج السياحى المقدم.
فيما طالب إلهامى الزيات، رئيس مجلس إدارة شركة إمكو ترافل للسياحة والمشارك فى إعداد الدراسة، بضرورة السماح بشراء اتوبيسات سياحية جديدة "على الزيرو" ولكن موديلات عامين أو ثلاثة سابقين، وليس موديل السنة كما تشترط اللوائح المصرية، فى ظل تعثر الكثير من المستثمرين السياحيين وصعوبة التمويل، وارتفاع أسعار الأتوبيسات من 600 ألف جنيه للواحد، إلى 3.5 مليون جنيه للأتوبيس المستورد بعد التعويم، فى حين لا يمكن شراء الأتوبيس المصرى لأنه موجه بالكامل إلى التصدير وبالتالى لا يتوفر للقطاع.
وقال الزيات: "نحتاج 5 آلاف أتوبيس لنقل السياح داخليا لا يتوفر منها سوى 500 فقط.. إذا بدأ الموسم السياحى لن نجد حافلات لنقل السياح".
وطالب الزيات بعودة التدريب الذى توقف منذ حوالى عامين تماما، منتقدا فى الوقت نفسه إغلاق مكتب التسويق فى مدينة نيويورك مما أوقف خطط شركات السياحة الأمريكية لإرسال رحلات إلى مصر لعامى 2019 و2020 لأنها لم تجد من تتحدث معه.
من جانبها، أعلنت سحر طلعت مصطفى، رئيس لجنة السياحة بمجلس النواب، عن تأسيس شركة جديدة للخدمات السياحية يجرى تشكيلها حاليا، مع وجود توجه بمشاركة القطاع الخاص فى إدارة المقاصد السياحية الهامة خلال الفترة المقبلة.
وقالت خلال الندوة، إن منطقة الأهرامات التى قررت اللجنة فى اجتماعها الأخير أن تكون مقصدا سياحيا يحتذى به، يجرى تطويرها حاليا ومن المقرر أن ينتهى العمل بها فى يونيو المقبل، داعيا إلى ان تحتل مصر مكانتها فى العالمية كمقصد هام للسياحة الثقافية رغم انحسارها فى العالم، ولكن مصر لديها المقومات التى يجعلها من أهم مقاصد السياحة الثقافية.