قراءة فى المشهد الإيرانى بعد الانتخابات التشريعية وانتخابات مجلس الخبراء التى جرت فى 26 فبراير الماضى، تشير إلى استياء المتشددين مما حققه التيار الإصلاحى من انتصار حسب لهم رغم أنه لا يمكن أن يطلق عليهم الأغلبية إلا أن استحواذ هذا التيار على مقاعد العاصمة وعددها 30 داخل البرلمان الإيرانى وهو سلطة تشريعية، وحصوله على أعلى الأصوات تعنى سيطرته على الثقل السياسى، لأن نواب العاصمة هم من يحددون الاتجاه السياسى للبرلمان.
ظهر استياء بعض النواب المتشددين الحاليين من نتائج الانتخابات، حتى ظهر النائب المتشدد قاضى بور بتصريحات مثيرة حول دخول النساء فى البرلمان، قائلا، البرلمان ليس مكاناً للنساء، لأنكم إذا أرسلتموهن للبرلمان سيتعرضن إلى بلاء يفضحكم".
المتشددون بعد هزيمتهم فى طهران.. مدينة الطلاق والإدمان تختار الإصلاحيين
ووفقا لوسائل إعلام إيرانية قام بعض الأصوليين بتشويه العاصمة فى وسائل إعلامهم، بسبب تصويت سكانها للإصلاحيين، وأطلق موقع للأصوليين على العاصمة اسم "مدينة الطلاق" وعلق هزيمة التيار الأصولى فى العاصمة طهران وفشله فى عدم الحصول على مقعد واحد فيها على الحياة الاجتماعية والثقافية، مشيرا إلى أنه من الطبيعى فى مدينة ارتفعت فيها الجرائم الاجتماعية والطلاق والإدمان أن تختار أشخاصا بعيدين عن المعايير الإسلامية والثورية فى إشارة إلى الإصلاحيين.
واعتبرت الانتخابات التى جرت الجمعة 26 فبراير الماضى الأهم فى تاريخ هذا البلد، حيث قد يلعب فى مجلس الخبراء خلال هذه فترة أهم أدواره فى اختيار مرشد أعلى جديد لمنصب الولى الفقيه نظرا لمرض الحالى على خامنئى البالغ من العمر 76 عاما.
وتميزت بسخونة المنافسة عن سابقتها إذ تمكن التيار الاصلاحى من خوضها هذه المرة بعد أن قاطع الانتخابات السابقة وعزف عن المشاركة فى ظل حكم المتشدد أحمدى نجاد الرئيس السابق، ورغم استبعاد الكثير من الشخصيات الإصلاحية لخوض الانتخابات، إلا أن هذا التيار تمكن من ترتيب أوراقه وخطط لاستخدام لأول مرة نظام القوائم، وشكل قائمة أوميد أى "الأمل" التى ضمت الشخصيات الإصلاحية والمعتدلة والأصوليين المعتدلين.
وحاول التيار الإصلاحى التركيز على استقطاب أصوات الشباب خاصة الكتلة التصويتية من شباب العاصمة الأكثر انفتاحا وثقافة، أما القرى والمدن الصغيرة فيعتمد فيها التصويت على التصويت القبلى أو العائلى وهى أعراف وتقاليد اجتماعية قديمة، فيما سعى التيار المحافظ على اللعب بوتر تشويه قيادات التيار المنافس، إلا أن هذا الأسلوب لم يكن قادرا على اقناع الجيل الثالث من الثورة أى الفئات العمرية الواقعة بين 16 إلى 30 الذى أصبح الكثير منهم لا يثق حتى فى إعلام المتشددين، وهى الفئة التى تم قمعها فى انتفاضة الحركة الخضراء عام 2009.
دعم شخصيات إصلاحية كبيرة لقائمة أميد "الأمل" الإصلاحية من أمثال رفسنجانى وروحانى والرئيس الأسبق محمد خاتمى جعل القائمة تحصد أصوات عديدة فى العاصمة، وإن كانت تتضمن أشخاصا اصلاحيين غير مشهورين على مستوى الحياة السياسية، وأطاحت بشخصيات أصولية بارزة لمع اسمها فى الحياة السياسية الإيرانية مثل غلام على حداد عادل المعروف بقربه من خامنئى (نسيب خامنئى).
ويمكن القول إن عودة تيار الإصلاحات فى إيران يستند هذه المرة على قوة الشارع أى الناخب الذى أثارت سياسات المتشددين غضبه شارك ليمنع دخول الأصوليين البرلمان مجددا، وإن كان يعلم قدرة الإصلاحيين المحدودة على التغيير، مقابل عدد كبير من الأصوليين وجد طريقه إلى البرلمان وهم يستندون إلى دعم المرشد الأعلى على خامنئى والمؤسسات من بينها الحرس الثورى.
من هم الأغلبية فى البرلمان الإيرانى؟
حتى الآن لا توجد إجابة واضحة لهذا السؤال، إذ أشارت النتائج الرسمية للانتخابات فوز الإصلاحيين والمعتدلين بـ89 مقعدا مقابل 86 مقعدا للمحافظين، فى حين انتخب 10 مرشحين مستقلين، ويتضح الفارق البسيط بين التيارين، إذ أن نتائج الجولة الثانية المقرر عقدها أبريل المقبل فى 54 دائرة انتخابية سوف تحدد الكفة الراجحة لأى من التيارين المنافسين والأغلبية فى مجلس الشورى (البرلمان الإيرانى).
وعدد المرشحين المستقلين فى الجولة الثانية أكبر بكثير من مرشحى التيارين الإصلاحى والمحافظ وربما يتم تحديد ثقل التيارات فى البرلمان وفقا لميل هؤلاء المرشحين، ويتنافس 57 مرشحا مستقلا فى الجولة الثانية، و31 مرشحا على قائمة الأصوليين و27 مرشحا فى قائمة "الأمل" للإصلاحيين، و7 من قائمة "صوت الشعب".
ومع التقارب فى عدد مقاعد التيارين سوف يتشكل البرلمان المقبل من 3 تيارات بنسب متقاربة، لإصلاحيين أو المعتدلين من أنصار الرئيس روحانى، والأصوليين، والمستقلين. وربما يصبح برلمانا متوازنا عن برلمان الدورات السابقة الذى كان يسيطر عليه المتشددين بنسبة كبيرة وحدث فيه تهميش للإصلاحيين طوال فترة حكم الرئيس المتشدد السابق أحمدى نجاد.
رفسنجانى يعيد تحريك مبادرته لتشكيل مجلس قيادى
كما أن اكتساح رئيس تشخيص مصلحة النظام أصوات مجلس خبراء القيادة، وإطاحة أسماء أصولية بارزة، وهذا المجلس يتولى مهام اختيار المرشد الأعلى، وربما يمكّن رفسنجانى من تحريك مبادرته لتشكيل مجلس قيادة لمنصب المرشد الأعلى بدلا من أن تتركز مهام ولاية الفقيه فى يد شخص واحد، وهو طرح أثار خوف المتشددين منذ سنوات.
عباس ناجى:قدرة الإصلاحيين على تغيير السياسة الإيرانية محدودة
وعلق الدكتور محمد عباس ناجى رئيس تحرير مجلة مختارات إيرانية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أنه لا يمكن القول بأن هناك تيارا واحدا سيطر بشكل كامل على البرلمان.
وأوضح لـ"انفراد" أن هناك 3 كتل فى البرلمان معتدلين منهم إصلاحيون ومحافظون تقليديون، وأصوليون، ومستقلون، وأشار إلى أن وزن الإصلاحيين فى البرلمان يدل على أنه لا يوجد سيطرة تامة لهم على البرلمان.
وقال رئيس تحرير مختارات إيرانية، أن قدرة الإصلاحيين على تغيير السياسة الإيرانية محدودة، لافتا إلى أن السياسة الخارجية يحددها المرشد الأعلى والحرس الثورى.
وقال الخبير بالشأن الإيرانى، إن انتصار الإصلاحيين لا يعنى أنهم فازوا بالأغلبية بل مجرد تحقيق نتائج هو انتصار لهم، مشيرا إلى أنهم سيطروا على مقاعد العاصمة طهران الـ 30.
وقال عباس ناجى الخبير بالشأن الإيرانى، إن نجاح روحانى فى رفع العقوبات عزز الإصلاحيين فى الداخل، وأن الفترة القادمة ستبدأ اصلاحات داخلية وسيتجه روحانى لقوة البرلمان.
ولفت رئيس تحرير مختارات إيرانية والخبير بالشأن الإيرانى، إلى فكرة التسوية السياسية للأزمة السياسية 2009، قائلا إن إدلاء زعماء الإصلاحيين مير حسين موسوى ومهدى كروبى فى الانتخابات التشريعية يعنى اعترافهم بشرعية الانتخابات، واحتواء الأزمة، وأكد على أن لديهم استعداد للعودة مرة أخرى لعباءة النظام.
وبشأن انتخابات مجلس الخبراء قال ناجى: إن النتيجة تعزز من نفوذ رفسنجانى وعودته لنفوذه مجددا، وأثبت أنه رقم مهم رغم الانتقادات التى وجهت له، وأكد على أن الفترة القادمة ستشهد البحث عن من سيخلف خامنئى، ومن الممكن أن يحرك رفسنجانى مبادرته لإطلاق مجلس قيادى بدلا من منصب المرشد الأعلى.
وقال إن التشدد داخل المجلس ضد آراء رفسنجانى قل بعد خروج شخصيتين محافظتين وهم مصباح يزدى ومحمد يزدى، مؤكدا على أن هذا يعنى أن آراءه ومبادراته تؤخذ فى الاعتبار ولا يُستبعد أن يرشح لرئاسة مجلس الخبراء.