هل سمعت عن حى ريد لايت أو الضوء الأحمر فى العاصمة الهولندية أمستردام الشهير بالأعمال المنافية للآداب منذ القرن الرابع عشر؟ هذه المنطقة التى طالما سكنتها فتيات الليل واعتدن الوقوف خلف نوافذ محلاتهن المضاءة بالإنارة الحمراء لاستقطاب الزبائن، إلا تعلم أن هذه الأسطورة بدأت فى التهاوى خلال السنوات الأخيرة، وتكاد تقترب من الاختفاء لكن المحزن أنه فى وقت نفسه بدأت تزدهر هذه التجارة على شبكة الإنترنت التى تقدم عبر نوافذها المتعددة سواء مواقع الإلكترونية أو شبكات تواصل الاجتماعى "الفاكهة المحرمة" بكل أشكالها وصورها بأسعار تناسب كل الراغبين من شتى البقاع!.
وحش تجارة الجنس الإلكترونى بدأ فى التوسع والتمدد خلال السنوات الأخيرة حتى أنه بات شبحا يهدد أعتى الدول فى العالم، لذا ليس غريبا أن تجد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب يوقع تشريعا فى 12 أبريل الماضى هدفه معاقبة القائمين على المواقع الإلكترونية التى تسهل تجارة الجنس على شبكة الإنترنت.
** الولايات المتحدة تنتبه للخطر
ووفقا لوكالات الأنباء العالمية فإن التشريع هدفه الرئيسى تسهيل مهمة ممثلى الادعاء وضحايا تجارة الجنس لمقاضاة شبكات التواصل والجهات الإعلانية وغيرها ممن يبقى على أى محتوى يشير لعمليات الاستغلال الجنسى إلا أنه ينبغى على المدعين إظهار كيف تعمدت تلك المواقع تسهيل تجارة الجنس؟.
وفيما يبدو إدراكا لمخاطر عمليات الاستغلال الجنسى عبر الإنترنت فإن فيس بوك وغيرها من شركات التكنولوجيا وجماعات الضغط داخلوادى السيليكون وهو مقر شركات التكنولوجيا فى الولايات المتحدة بعدما تم التفاوض بينهم وبين الإدارة الأمريكية بخصوص بعض تغييرات حدت من التأثير المحتمل للقانون لاسيما أن هذه الشركات متخوفة من إحكام قبضة الرقابة على القطاع الخاص.
وتعقيبا على توقيع ترامب على التشريع، قال السناتور الجمهورى روب بورتمان وهو أحد رعاة نسخة مشروع القانون المقدمة إلى مجلس الشيوخ: "هذا يوم فارق فى النضال من أجل وقف تجارة الجنس الإلكترونية وانتصارا كبيرا لضحايا الإتجار والناجين المحرومين منذ وقت طويل من فرصة تحقيق العدالة التى يستحقونها".
هذا الكم من الاهتمام بتشريع معاقبة المواقع الإلكترونية التى تسهل عمليات تجارة الجنس يدفع للتساؤل عن مدى توحش تلك التجارة وكيف باتت خطرا كبيرا؟.. على سبيل المثال لا الحصر فإنه فى 20 سبتمبر 2016، حذرت الجمعية الوطنية لمنع القسوة ضد الأطفال فى بريطانيا من أن الإنترنت يمكن أن يكون "ملعبا لذوى الميول الجنسية تجاه الأطفال"، وذلك وفقا لتقرير نشرته هيئة الإذاعة البريطانية "بى بى سى".
** جرس إنذار
وأوضحت "بى بى سى" فى تقريرها أن تحذير الجمعية جاء فى الوقت الذى أظهرت فيه الأرقام ارتفاع إعداد الأطفال القلقين من الاعتداء الجنسى ومحاولات استقطابهم عبر الإنترنت لذا يتصلون بخدمة خط هاتف الأطفال بالجمعية الخيرية، مشيرة أيضا إلى ارتفاع عدد جلسات الاستشارة للشباب الذين يشعرون بالقلق من الاعتداء الجنسى عبر الإنترنت بنسبة 24 % إلى 3,716 فى 2015/2016، فيما ردت وزارة الداخلية البريطانية على هذه المخاوف آنذاك بأنها "مشكلة عالمية"، لافتة إلى أن المملكة المتحدة تعتبر من أوائل الدول الباذلة لجهود مكافحة تلك الجريمة المروعة.
رعب الأطفال فى بريطانيا ووصف وزارة الداخلية للمشكلة العالمية منذ عامين تقريبا لم يكن سوى جرس إنذار من خطورة تمدد الاستغلال الجنسى عبر الإنترنت ووصوله لشرائح جديدة، لم تكن زبائن فى بيوت ممارسة الرذيلة الاعتيادية أو حتى فى دائرة قريبة منها!.. وللأسف تلك المخاوف تمددت لتصبح حالة من الرعب، والدليل ما كشفته اثنين من أشهر المواقع الإباحية من أرقام وحقائق مرعبة حول صناعة الإباحية فى العالم وأبرزها تعرض 34٪ من مستخدمى الإنترنت إلى الإباحية غير المرغوب فيها عبر الإعلانات والنوافذ المنبثقة.
** لا تفرحوا بانطفاء أضواء ريد لايت!
وكشفت التقارير الصادرة عن المواقع الإباحية عن نقاط أخرى فى غاية الخطورة متعلقة بأن الاستغلال الجنسى للأطفال أو "إباحية الأطفال" واحدة من المجالات التجارية الأكثر نموا على الإنترنت، وكذلك تم العثور على أكثر من 624 ألف تاجر لإباحية الأطفال على الإنترنت فى الولايات المتحدة، وتبلغ قيمة صناعتها 3 مليارات دولار، بينما تقدر صناعة الإباحية العالمية بـ97 مليار دولار، وداخل الولايات المتحدة فقط تصل لـ12 مليار دولار.
كل ما سبق يشير إلى أن وحش تجارة أو الاستغلال الجنسى عبر الإنترنت يزداد حجمه يوما تلو الآخر وعدم تكاتف الدول فى مواجهته، قد يؤدى إلى مزيد من المخاطر والتوابع لأنه لا يمكن محاصرته مثلما كان يحدث مع أحياء البغاء فى الدول المختلفة على مر التاريخ ومن هنا يمكن القول إنه إذ فرح الكثيرون بانطفاء أضواء حى ريد لايت فى أمستردام وما يشبه من أماكن أخرى فى مختلف دول العالم عليهم أن يخشوا من انتشار تلك التجارة بمختلف صورها على شبكة الإنترنت.