كان الزعيم الغانى «نكروما» فى رومانيا يعالج من مرض السرطان، حين وافته المنية يوم 27 إبريل «مثل هذا اليوم» عام 1972، وكانت وصيته الوحيدة أن يدفن فى أفريقيا، قارته التى ناضل من أجلها، وكان له ما أراد، فدفن فى غينيا قبل أن يعاد دفنه مرة ثانية فى غانا، بعد أن شيع جثمانه فى جنازة تتناسب وقيمته، بحضور وفود رسمية من أكثر من 25 دولة، وأعلنت السلطات الغانية الحداد الرسمى لمدة أسبوع، لتودع بذلك رمزًا من رموز الاستقلال والنضال ضد الاستعمار، ليس فى غانا فحسب، بل على المستوى الإقليمى والقارى والعالمى.. «بوابة أفريقيا الإخبارية - 20 مارس 2014».
لماذا تم دفنه أولًا فى غينيا بالرغم من كونه زعيمًا لاستقلال بلده غانا من الاحتلال الإنجليزى يوم 6 مارس 1957، وأصبح رئيس وزرائها، ثم أصبح رئيسها بعد أن أصبحت جمهورية عام 1960، وأصبح رمزها الذى جعل لها مكانة دولية وأفريقية مرموقة، حيث كان من الآباء المؤسسين لمنظمة الوحدة الأفريقية فى 25 مايو 1963.
الإجابة تمر عبر مصر، وجمال عبدالناصر، وقيادتها فى خمسينيات وستينيات القرن الماضى للنضال الأفريقى من أجل الاستقلال من الاستعمار، الذى هيمن على القارة السوداء لقرون طويلة، استنزف خلالها ثرواتها الطبيعية الغنية بها.
ارتبط «نكروما» بعلاقات وثيقة مع جمال عبدالناصر، وترجم عشقه لمصر وقائدها إلى زواجه من مصرية، هى السيدة فتحية حليم رزق يوم 30 ديسمبر عام 1957، وحسب كتاب «العلاقات بين مصر وغانا.. 1957 - 1966» تأليف أسامة عبدالتواب محمد، عن «دار الكتب والوثائق القومية - القاهرة»، فإن هذا الزواج أثار اهتمام دوائر دولية عديدة، أبرزها أمريكا وبريطانيا وإسرائيل، وكان السفير الإسرائيلى «أكثر تشاؤمًا على مستقبل العلاقات بين غانا وإسرائيل»، يضيف «عبدالتواب»: «قامت السيدة فتحية بالعديد من المهام الوطنية لصالح مصر، حيث كانت تجتمع بالرئيس عبدالناصر وأسرته عندما كانت تأتى إلى مصر لزيارة أهلها، وكانت تخبره بأى نشاط إسرائيلى من شأنه عرقلة الدور المصرى فى غانا».
اشترى قطعة أرض فى القاهرة ليقيم عليها بيتا، حسب أسامة عبدالتواب، مشيرًا إلى زياراته إلى القاهرة أكثر من مرة، وزيارة الرئيس عبدالناصر إلى غانا فى 26 أكتوبر عام 1965، وفى 21 فبراير 1966 كانت زيارة «نكروما» الأخيرة إلى القاهرة، واستغرقت 16 ساعة فقط، ومنها توجه إلى «رانجون» عاصمة بورما، ثم إلى العاصمة الصينية بكين فى 24 فبراير لعقد مباحثات باسم «عدم الانحياز» مع القادة الصينيين حول أحداث فيتنام، حيث بدأت أمريكا فى توجيه ضربات جوية على الفيتناميين، وبدأت تمهد للتدخل العسكرى الكامل فى الأراضى الفيتنامية.
انتهز الجيش الغانى الفرصة وقام بانقلاب يصفه الباحثون السياسيون بأنه «أضخم عملية انقلابية فى أفريقيا جنوب الصحراء»، واستمع «نكروما» إلى خبره وهو فى بكين، وقامت مصر بتأمين وصول السيدة «فتحية» وأطفالها الثلاثة إلى مصر بعد أن تقدمت السفارة المصرية فى أكرا إلى قيادة الانقلاب طلبًا بذلك، حسب تأكيد «عبدالتواب»، مضيفًا: «رأت القيادة المصرية بعد ذلك أن تحاول إثناء الرئيس نكروما عن عمله الانتحارى بأن يتوجه من موسكو إلى غانا لكى يؤلب الشعب الغانى على سلطات الانقلاب، ويعيد الحكم الدستورى فى غانا، حيث قدرت القيادة المصرية صعوبة واستحالة هذا العمل، ولذلك طلبت من نكروما أن يأتى من موسكو إلى القاهرة ليلحق بأسرته، خصوصًا أنه يملك منزلا على النيل فى القاهرة، والواقع أن جميع وكالات الأنباء العالمية توقعت وصوله إلى القاهرة لاستشارة الرئيس جمال عبدالناصر فيما يجب فعله حيال هذه الأحداث».
لم يأت «نكروما» إلى القاهرة كما ذهبت التوقعات، ووفقا لـ«عبدالتواب»، فإنه توجه إلى «كوناكرى» فى غينيا يوم 2 مارس 1966، وفى اليوم التالى لوصوله «عرض الرئيس الغينى سيكوتورى على نكروما رئاسة غينيا كشريك له فى منصبه، وعرض عليه أيضًا سكرتارية الحزب الديمقراطى الغينى، وكان هذا العرض تأكيدًا لتضامن شعب غينيا مع نكروما فى كفاحه للعودة إلى غانا، ووفقا للاتحاد الذى عقد بين الدولتين فى عام 1958، وظل نكروما فى غينيا وأطفاله فى مصر»، ويؤكد «عبدالتواب» أنه أمام الأزمات التى لحقت بغانا بعد هذا الانقلاب، فكرت القيادات فى أن تستعين به كرئيس مرة أخرى، لكن وافته المنية يوم 27 إبريل 1972 قبل أن يتحقق هذا الهدف الكبير.