نشرت الزميلة "صوت الأمة" على موقعها الإلكتروني،نسخة كاملة للحكم الصادر من الدائرة الرابعة بالمحكمة الإدارية العليا، برئاسة المستشار الدكتور محمد ماهر أبو العينين، نائب رئيس مجلس الدولة، الخاص بضباط الشرطة الملتحين، وما أثير عن إعادتهم لوزارة الداخلية، ليتبين عدم صحة ما تم نشره بخصوص الحكم، وأن حقيقة الأمر تختلف تماما عما تم نشره.
الحقيقة أن الحكم صدر، فى حق العقيد ياسر محمد جمعة، وهو ضابط شرطة بالإدارة العامة لاتصالات الشرطة سابقاً، وقد صدر قراراً نهائياً من مجلس التأديب الاستئنافي لضباط الشرطة، فى نوفمبر 2014 بفصله وعزله من وظيفته، وذلك لإصراره على إطلاق اللحية.
وبالفعل انتهت المحكمة الإدارية العليا فى حكمها النهائى إلى إلغاء قرار عزله من الوظيفة وإعادته إلى الخدمة، ولكن ذلك لا يعنى عودته باللحية أو عودة باقي ضباط الشرطة الملتحين.
حيثيات الحكم تكشف أن المحكمة أكدت على أن التزام العامِلين بالّدولة عموماً بالقانون والقواعد المُنظِّمة للعمل داخل مرافقها، والتزام ضباط ورجال هيئة الشُّرطة خُصوصاً بالتَّعليمات الانضباطية والعُرف العام السائد داخل الهيئة الشُّرطية، لهو التزام قانوني ينأى عن المخالَفَة، وأهم وأجدى لصالح البلاد والعِباد.
وقالت إن الدستور أضفى سياجاً من الحماية على الحرية الشخصية وعلى الحقوق والحريات العامة، إلا أنه من ناحية أخرى إذا كان الإلتزام بزي معين هو إحدى مظاهر الحرية الشخصية، فإن هذه الحرية لا ينافيها أن تلتزم بعض طوائف العاملين وفي دائرة بذاتها بالقيود التي تضعها الجهة الإدارية أو المرفق على الأزياء التي يرتديها بعض الأشخاص في موقعهم من هذه الدائرة لتكون لها ذاتيتها فلا تختلط أرديتهم بغيرها، بل ينسلخون في مظهرهم عمن سواهم ليكون زيهم موحداً متجانساً ولائقاً بهم دالاً عليهم ومعرفاً بهم وميسراً صور التعامل معهم، وترتيباً على ذلك فإن من ينخرط في مثل تلك الجهات عليه أن يلتزم بما تفرضه من أزياء على المنتمين لها.
وأكدت على أن الضابط قد ارتضى طواعية واختياراً بإرادته الحرة الانخراط في العمل بمرفق الشرطة المصرية، وأقسم قبل مباشرة أعمال وظيفته اليمين القانونية باحترام الدستور والقانون ومراعاة سلامة الوطَن وأداء واجبه بالذِّمة والصدق، ومارس أعماله كضابط شرطة لسنوات طوال، ملتزماً بضوابط هذا المرفق ذي الطَّبيعة الخاصة والتي من بينها الالتزام بزي خاص ومظهر لائق يحكمه القانون والقرارات والتعليمات الانضباطية، ومُتدرجاً في الرُّتب والوظائف الشرطية وسط أقران دفعته دون تضييق من الجهة الإدارية المطعون ضدها عليه في ممارسة شعائر الدين الإسلامي الحنيف مثله مثل أقرانه طوال خدمته الوظيفية.
وكان على الضابط إكمال أعمال وظيفته داخل مرفق الشرطة على الوجه الذي أوجبه القانون والتعليمات والانضمام إلى زملائه الضباط في مسيرتهم نحو إمعان الأمن والأمان في البلاد وسط ما تتعرض له من الموجات الإجرامية والإرهابية وخلافه، وله في ذات الوقت مِثل بقيَّة أقرانه من الضباط وكافَّة موظفي الدولة حُرية ممارسة الشعائر الدينية وفق المنظومة التشريعية المِصرية.
أضافت: أما وقد أعفَى الطَّاعن لحيته اعتقاداً منه بمخالفة قصها لأحكام الدين الإسلامي الحنيف، على الرغم من كونها مِن الأمور المختلف فيها بين العلماء، مخالِفاً بذلك القانون والتعليمات الانضباطية داخل مرفق الشرطة، وأصر على المُضي في نهجه مفضلاً الاستمرار في الجدل في القضايا الفقهية الخِلافية، دون أن يستقيل أو يلتمس عملاً آخراً، فإنه يكون مرتكباً ذنباً إدارياً مَسلكياً لا يجب التهاون في شأنه، إذ يتأبى الخُضوع لقواعد النِّظام مع الالتزام به.
ولكن المحكمة أكدت على أن قرار عزله من وظيفته قد شابه الغُلو وعدم التناسب وما يعتبر معه هذا الجزاء بمثابة الإعدام الوظيفي، وكان يتعين الملائمة بين الذنب الإداري الذي اقترفه الضابط وبين الجزاء المناسب، ودراسة حدود ودرجة جسامة المخالفة دون إفراط أو تفريط أو إخراجها عن جوهر طبيعتها كمخالفة إدارية لتعليمات ومظهر خارجي لرجل الشرطة.
وقالت إنه كان يستوجب على وزارة الداخلية إحالة الضابط الصادر لصالحه الحكم إلى نظام الاحتياط، فإن عاد هو والتزم بتعليمات حلق اللحية، أعادته الوزارة للخدمة الفعلية، أما لو أستمر على موقفه حتى انتهاء مدة الإحالة للاحتياط فتحيله إلى المعاش.
واستكملت، بوجب مراعاة أن يحقق الجزاء غرضة وغايته في ردعه بقدر ما ثبت في حقه من مخالفة وما لقاه منذ إحالته إلى التحقيق والمحاكمة التأديبية وعزله من الوظيفة، وحفاظاَ على مستقبله الوظيفي كرجل شرطة ساهمت الدولة فنياً ومالياً لسنوات طوال في إعداده وتدريبه، خاصة وأن المخالفة تعد مخالفة انضباطية في الأساس، وكأن قرار مجلس التأديب قد تأثر بشكل غير مباشر بنوع من الارهاصات السياسية في مسلك الضابط نظراً لما تعرضت له البلاد قبلها للكثير من التنظيمات السياسية والإرهابية المقنعة، رغم خلو الأوراق من ملامسة الضابط فعلا أو قولا لأي أوتار سياسية.
أضافت كذلك، أنه يجب عموماً الالتفات إلى الأمور والتَّعاليم الإسلاميَّة الغرَّاء التي تحتاجها الأمة بأكملها في دروب تقدُّمِها ورُقيها والنأي عن الجدل في القضايا الفقهية الخلافية.
وقامت المحكمة بدراسة مدى شرعية إعفاء اللِّحية للرجال أم حلقها وفقاً لأحكام الشَّريعة الإسلامية، وقالت إنه الثَّابت من البحث المتعمق في أُصول المسألة أنَّ العلماء اختلفوا على مر العُصور والمجتمعات في الحُكم الشَّرعي للِّحية وإعفائها أو حلقها أو نتفها أو الأخذ مِنها ، ما بين منكر لهذا أو ذاك أو مجيز له ، وتنوَّعت آراؤهم ما بين جعل أيٍّ مِن ذلك سُنَّة واجبة أو سُنَّة مُؤكَّدة أو بِدعة محرَّمة أو مِن سُنَن العادات أو مِن سُنَن الفِطرَة التي هي مِن المُستحبَّات أو المَكروهات أو مِن سُنَن العادات لقومٍ أو لبيئة مُعيَّنة أو مِن خصائص النَّبي صل الله عليه وسلم.
ووضعت المحكمة لوزارة الداخلية حلولاً أخرى تسهل من مسألة تعاملها الضابط الملتحي، بالموازنة بين حق الوزارة في تطبيق القانون والتعليمات الانضباطية، وحق الضابط المعزول في الاستمرار في عمله، وقالت إن قانون هيئة الشرطة أنشأ نظاماً منفرداً لإحالة ضباط الشرطة إلى الاحتياط، فأجاز لوزير الداخلية أن يحيل الضباط- غير المعينين في وظائفهم بقرار جمهوري- إلى الاحتياط لمدة لا تزيد على السنتين، بناء على طلبهم أو طلب أجهزة الوزارة لأسباب صحية تقرها الهيئة الطبية المختصة، أو إذا ثبت ضرورة وأسباب جدية تتعلق بالصالح العام لهيئة الشرطة أو للبلاد عموماً.