فى جلسة غاب عنها الإجماع العربى قررت الجامعة العربية اعتبار حزب الله اللبنانى إرهابى وأدرجته ضمن المنظمات المحظورة، والقرار له شقان فمن منظور حرص الدول العربية الدفاع عن سيادتها الوطنية والحفاظ على أمنها فإن دول الخليج لها كل الحق فى اتخاذ موقف من الفصيل اللبنانى، حيث عانت من تدخلات حزب الله المحسوب على إيران فى الفترة الأخيرة، ومن شطط رئيسة حسن نصر الله الذى لم يترك مناسبة إلا يكيل فيها الاتهامات لدول الخليج وعلى رأسها السعودية.
وزاد من عمق الأزمة وتمسك دول الخليج بضرورة وصم الحزب بالإرهاب داخل البيت العربى ما أعلنه أحمد بن حلى نائب الأمين العام للجامعة العربية، عقب اتخاذ القرار العربى بأنه جاء بعد الكشف عن خلية تابعة له عملت على زعزعة الأمن فى البحرين، لافتاً إلى أن البحرين زودت مجلس الجامعة العربية بمعلومات خطيرة جداً حول عمليات حزب الله الإرهابية.
لكن عمليا القرار العربى لم يعالج أزمة حزب الله اللبنانى ولم يٌوقف تجاوزاته لأن القرار ولد ضعيفا وهشا بسبب غياب الإجماع العربى، حيث اعترضت لبنان والعراق وتحفظت الجزائر وهو الأمر الذى أنتقص منه الكثير، حيث نصت المادة السابعة من ميثاق الجامعة العربية على أن ما يقرره المجلس بالإجماع يكون ملزما لجميع الدول المشتركة فى الجامعة وما يقرره المجلس بالأكثرية يكون ملزما لمن يقبله، وبالتالى فهناك كثير من الدول التى صوتت داخل الجامعة العربية ستخالفه خارجها، وهو ما ظهر مع تونس التى أكد وزير خارجيتها عقب ساعات من اتخاذ القرار أن تونس ترفض تصنيف حزب الله كـ" تنظيم إرهابى"، مشيراً إلى أن موقف بلاده من بيان الجامعة ضد حزب الله هو نفس الموقف الذى اتخذته تونس من بيان وزراء الداخلية العرب بداية الشهر الجارى.
وأبلغ ممثل تونس اجتماع الجامعة العربية أن بلاده لا توافق على إدراج اسم المقاومة اللبنانية على لائحة التنظيمات الإرهابية، مشدداً على أن تونس لا تصنف حزب الله إرهابيا وتدعو إلى الحوار، لافتا إلى أن حزب الله حرر جزء من لبنان المحتل ومواقفه تجاه القضية الفلسطينية مشرفة.
من الواضح أن القرار سيعمل على زيادة الارتباط العضوى لحزب الله بإيران وسيبعد الهوه بين العرب ولبنان، وسيضع الجامعة العربية أمام مطبات لا أعتقد أنها وضعتها فى الحسبان وقت اتخاذ القرار، فشئنا أم أبينا حزب الله رقم صعب فى معادلة الاستقرار والحكم فى لبنان، وكان على البيت العربى بدلا من إقصائه البحث فى آلية تلزمه بأن يكون حزبا وطنيا يعمل على صالح لبنان وانتمائه العربى، لا أن يترك نفسه آله فى يد قوى إقليمية للتدخل فى شئون الدول العربية.
ويأتى المطب الأول أمام الجامعة العربية فى آلية تعامل مجلس الجامعة مع أى وزير ينتمى لحزب الله هل سترفض حضوره الاجتماعات بما أنه شخص ينتمى إلى فصيل إرهابى، مع العلم أن هذا الفصيل مشارك بقوة فى الحكومة ومجلس النواب اللبنانى، حيث يستحوذ الحلف المنتمى له حزب الله " وهو تحالف 8 آذار والتيار الوطنى الحر" على 8 حقائب وزارية هى وزير الدولة للشئون المالية، ووزير الدولة لشئون مجلس النواب ووزير الأشغال العامة والنقل، ووزير الصناعة، ووزير الطاقة والمياه، ووزير التربية والتعليم العالى، والثقافة والخارجية.
وإذا كانت اللجنة القانونية التى ستبحث الإجراءات العقابية على حزب الله بعد إدراجه كمنظمة إرهابية عربيا لديها مخرج لهذا المطب، فهل سيصبح من حق الجامعة العربية بعد الآن أن تتدخل لحل أى أزمة سياسية داخلية بين الفصائل اللبنانية واحتوائها باعتبارها مظلة العرب، وهل ستكون وقتها طرف محايد ومقبول للوساطة كما حدث سابقا ورعت اتفاقا بين الأطراف اللبنانية ومن بينها حزب الله وتم التوقيع عليه فى الدوحة إحدى العواصم الخليجية فى عام 2008.
هذا الاتفاق كان من النقاط التى تضاف إلى رصيد الجامعة العربية والذى استطاع انقاذ لبنان من الانزلاق إلى حرب أهلية جديدة، حيث نجحت الجامعة برعاية قطرية أن تجمع كافة الأطراف، وقاد الأمين العام للجامعة وقتها عمرو موسى المفاوضات فى بيروت، حيث ألتقى كافة الفصائل وصولا إلى الاتفاق الذى تم توقيعه فى قطر فى مايو 2008، وكان بمثابة نهاية لـ18 شهراً من الأزمة السياسية فى لبنان شهدت خلالها أحداث دامية.
وانتهت الأزمة بالتوافق على انتخاب قائد الجيش ميشال سليمان رئيسا للجمهورية، وإقرار قانون الانتخابات، وتأليف حكومة وحدة وطنية مؤلفة من: 16 وزيرا للموالاة، 11 وزيرا للمعارضة، 3 وزراء لرئيس الجمهورية، وعلى ما يبدو أن هذا الاتفاق سيظل ذكرى آخر تواجد للجامعة العربية بدور قوى داخل لبنان، ففى ظل استمرار قرار الجامعة اعتبار حزب الله إرهابى سيكون موازيا له نهاية الدور العربى فى لبنان.