عادت قضية العائدون من ليبيا إلى دائرة الضوء مجددا بعد تحديد محكمة النقض، جلسة نظر الطعن المقدم من المتهمين على الأحكام الصادرة ضدهم بالإعدام والسجن المؤبد والمشدد، لإدانتهم بارتكاب جريمة الالتحاق بمنظمات إرهابية خارج القطر المصرى والتخطيط لشن هجمات فى القاهرة.
ويظل المتهم بقيادة تنظيم العائدون من ليبيا "أحمد إمام محمد السيد"، الصادر حكما بإعدامه، المحور الرئيسى للقضية التى بدأت خيوطها تنسج قبل ثورة 25 يناير بتبنيه الفكر التكفيرى، وإصابته بحالة حقد على الدولة المصرية بسبب فشله فى الالتحاق بوظيفة فى وزارة الأوقاف.
تعددت محطات الرحلة التى قادها "إمام" وانتهت بوقوعه فى مصيدة الأمن المصرى، قبيل تنفيذ مخططه التآمرى الذى وضع بنوده أثناء عودته من ساحات القتال بدولة ليبيا الشقيقة، واستهدف منه شن هجمات إرهابية مركزة فى محافظة القاهرة نصرة لرئيسه محمد مرسى، حسبما اعترف فى التحقيقات القضائية.
أحمد إمام هو المتهم الأول بقضية العائدون من ليبيا فى أمر إحالة للجنايات أصدره النائب العام فى 2015، تضمن 15 متهما من العناصر المتطرفة التى شاركت فى حقول القتال السورية والليبية، ووضعتهم قيادة التنظيمات الإرهابية تحت إمرته.
يقول الملف الأمنى للمتهم إنه صاحب نزعة دينية متشددة حيث نشأ ودرس منذ طفولته بالمدارس الأزهرية، واستكمل دراسته بكلية الدعوى الإسلامية بجامعة الأزهر، والتحق أثناء دراسته الجامعية بجماعة التبليغ والدعوة، وكان يأمل فى العمل بوزارة الأوقاف.
فشل "إمام" فى الحصول على وظيفة بوزارة الأوقاف إبان فترة حكم الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، ما تسبب فى كرهه للنظام حتى تبنى أفكار متطرفة قوامها كفر جميع العاملين بالوزارة والجهات الحكومية، وترجم كرهه بالمشاركة ثورة 25 يناير.
فى ميدان التحرير وتحديدا فى مظاهرات القوى الإسلامية المشهورة بمليونية تطبيق الشريعة الإسلامية، كان "إمام" يمتلك مخزون من الكره والنقم تجاه الدولة ومؤسساتها، غير أن هذا اليوم كان السبب الرئيسى فى تحوله من مرحلة مجرد أفكار متطرفة تراوده، إلى مرحلة التبى حتى صارت كل تحركاته فى سبيل سيادة أفكاره وإجبار المجتمع المصرى على اعتناقها.
التقى ذلك اليوم المحورى فى حياته بمجموعة أشخاص يبيعون الكتب الجهادية بميدان التحرير، ومن ثم اشترى مجموعة منها أبرزها كتابى "عندما ترعى الذئاب الغنم" للشيخ رفاعى سرور، و"الحصاد المر" لزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهرى.
وصف زعيم العائدون من ليبيا فى تحقيقات النيابة، الرئيس الأسبق محمد مرسى بـ"المؤمن حافظ كتاب الله"، مؤكدا أنه تمتع بحرية كاملة فى ممارسة أنشطته المتطرفة خلال فترة حكمه دون أى تعرض لمضايقات من الأجهزة الأمنية.
بمعاونة عناصر الإخوان تم تعيينه فى وزارة الأوقاف كإمام وخطيب بمسجد أبو بكر الصديق بشبرا الخيمة، رغم تكفيره وتحريمه للعمل بأى جهة أو مؤسسة حكومية، ثم تولى الخطابة بأحد مساجد بهتيم، وتوسع فى إلقاء الدروس الدينية، وهنا التقى بمجموعة من المتوافقين معه فكريا تدارس معهم كتب منظر تنظيم القاعدة أبو محمد المقدسى، وأبو منذر الشنقيطى، ودعوة المقاومة الإسلامية العالمية لأبو مصعب السورى.
جاء إعلان المعزول محمد مرسى للجهاد فى مؤتمر نصرة سوريا، دفعة لـ"إمام" والعناصر الجهادية المرتبطة به، بدأ فى تحريضهم على السفر للقتال ضد بشار الأسد فى سوريا، غير أنه كان يتحجج بظروف أسرته للامتناع عن مشاركتهم الجهاد.
عقب إعلان عزل الرئيس الأسبق محمد مرسى فى أعقاب ثورة 30 يونيو، اتخذ قرارا بتأسيس جماعة يتزعمها الغرض منها الدعوة إلى تعطيل أحكام الدستور والقوانين، ومنع مؤسسات الدولة والسلطات العامة من ممارسة أعمالها، والاعتداء على الحرية الشخصية للمواطنين، والإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعى وقتال رجال الجيش والشركة.
عقد المتهم وأفراد جماعته لقاءات تنظيمية وتثقيفية بمسجد تبارك الذى يتولى إمامته، واتفقوا على ضرورة العمل العسكرى ضد رجال الجيش والشرطة بعد فض اعتصامى رابعة والنهضة، حيث تلقوا تدريبات على الأسلحة ودورات فى تصنيع المتفجرات بمساكنهم.
قرر زعيم العائدون من ليبيا تسهيل سفر أعضاء جماعته للقتال فى دولة سوريا، اتصل بالجماعات المسلحة بطرابلس الليبية لتجهيز سفرهم إلى حقول الجهاد هناك لتلقى التدريبات والمشاركة فى القتال ضد الجيش الوطنى الليبى، ثم تلقوا تكليفات بالعودة إلى مصر لتنفيذ عدة عمليات إرهابية، وهنا وقعوا فى مصيدة الأجهزة الأمنية التى قدمتهم للنيابة، وأحال النائب العام المتهمين البالغ عددهم 16 شخصا للمحاكمة الجنائية.
وقضت محكمة جنايات القاهرة برئاسة المستشار حسن فريد، بإعدام المتهم ومساعده، وعاقبت وعاقبت 4 آخرين بالسجن المؤبد، والمشدد 15 عاما لمتهم، و3 سنوات لـ7 متهمين، وهو الحكم المطعون عليه أمام محكمة النقض.