تملى فى قلبى ياحبيبى.. فى ذكرى وفاته أسرار حياة محمد فوزى الشمعة التى احترقت لتضيئ سماء الفن.. أمتع الكبار والصغار ولحن أول لحن فى التاريخ بدون آلات موسيقية.. وودع جمهوره فى وصية كتبها قبل موته بساعا

«إن الموت علينا حق إذا لم نمت اليوم سنموت غدًا، وأحمد الله أنني مؤمن بربى، فلا أخاف الموت الذى قد يريحنى من هذه الآلام التى أعانيها، فقد أديت واجبى نحو بلدي وكنت أتمنى أن أؤدي الكثير، ولكن إرادة الله فوق كل إرادة والأعمار بيد الله، تحياتي إلى كل إنسان أحبني ورفع يده إلى السماء من أجلي، تحياتي لكل طفل أسعدته ألحاني.. تحياتي لبلدي.. أخيرا تحياتي لأولادي وأسرتي". هذه الكلمات آخر ما كتب الراحل المبدع محمد فوزى عبقرى الغناء والتلحين الذى تحل ذكرى وفاته اليوم الموافق 20 أكتوبر، فى وصية كتبها قبل موته بساعات وبعد معاناة كبيرة مع مرض نادر اختار شخصا نادرا. فوزى هذا الطيف الجميل الذى سبق عصره وعصورا بعده، وزار الدنيا سنوات قليلة لم تتجاوز 48 عاما هى كل عمره الذى قضى أغلبه فى إمتاع الكبار والصغار، ورحل ليظل إبداعه باقيا لأجيال عديدة وحتى تقوم الساعة. عبقرى التلحين والغناء الذى تميز عن كل عباقرة جيله وسبقهم بسنوات، وأبدع فيما غنى ولحن من أغان وطنية وعاطفية ودينية وأغان للأطفال عبرت العصور والأجيال. لا تصدق أن من لحن وغنى أغنية " وطنى أحببتك يا وطنى حبا لله وللأبد" هو نفسه من جعل كل الأطفال يرددون "ماما زمانها جاية، وذهب الليل"، وغنى للمحبين" تملى فى قلبى يا حبيبى، وحبيبى وعنيا، ومال القمر ماله، وتعب الهوى قلبى". إبداعات وروائع لا تعد ولا تحصى، لفنان فوق العادة، وعبقرى استطاع أن يلحن أجمل الأغنيات والألحان أحيانا بدون آلات موسيقية، ويكفى أن تسمع أغنية " كلمنى طمننى" التى لحنها فوزى دون أى آلة موسيقية وتحدى فيها نفسه لتكون أول لحن فى التاريخ ولعله اللحن الوحيد الذى استبدل أصوات الآلات بأصوات البشر". ولد العبقرى فى 15 أغسطس 1918 فى قرية كفر أبو جندى التابعة لمركز قطور بمحافظة الغربية، وهو الابن الحادى والعشرين من أصل خمسة وعشرين ولداً وبنتاً، منهم المطربة هدى سلطان، وحصل على الشهادة الابتدائية عام 1931، وظهرت ميوله الفنية منذ الطفولة فتعلم أصول الموسيقى على يد محمد الخربتلى أحد أصدقاء والده، الذى كان يصحبه للغناء في الموالد والليالي والأفراح، ثم التحق بعد حصوله على الإعدادية بمعهد فؤاد الأول للموسيقى فى القاهرة، وبعد عامين ترك الدراسة ليعمل في ملهى الشقيقتين رتيبة وإنصاف رشدى، ثم فى صالة بديعة مصابنى، حيث تعرف على فريد الأطرش، ومحمد عبد المطلب، ومحمود الشريف، واشترك معهم في تلحين الاسكتشات والاستعراضات، وتقدم وهو فى العشرين من عمره، إلى امتحان الإذاعة كمطرب، ونجح ملحنا بينما رسب كمطرب. تعرض فوزى لعدد من الإحباطات فى بداية حياته ليس آخرها رفضه كمطرب من الإذاعة ولكن عندما ظهر فى بداياته فى مسرحية شهرزاد بديلا عن المطرب إبراهيم حمودة، فلم يحقق نجاحا ولكنه لم ييأس، حتى سنحت له الفرصة للتمثيل فى أول أدواره. وعن هذا الظهور قالت أميمة حامد مرسى ابنة الفنانة عقيلة راتب أن والدتها التى كانت إحدى نجمات عصرها ورائدة من رواد السينما كان لها دور كبير فى اكتشاف موهبة فوزى. وأوضحت ابنة عيقلة راتب خلال حوار لـ"انفراد" قائلة:" كان المؤلف مصطفى السيد يتعاون مع أمى فى بعض المونولوجات، وقال لها إن هناك فنانا جاء من طنطا واسمه محمد الحو، وهو الاسم الحقيقى لمحمد فوزى- ويريدها أن تساعده، فتعجبت أمى من اسم الحو، فغيره إلى محمد فوزى، ورشحته أمى لدور فى فيلم «سيف الجلاد» الذى كان يشاركها بطولته يوسف وهبى، وظهر فوزى فى هذا الفيلم لأول مرة ولم يغنى فيه». وتابعت ابنة عقيلة راتب: «عندما عرفت أمى بمواهبه فى التلحين والغناء رشحته أمامها لبطولة فيلم «عروس البحر، وغنى معها فوزى أول دويتو فى حياته فى أغنية«صيد العصارى»، وقام بتلحين أغانى الفيلم». وخلال ثلاث سنوات استطاع فوزى التربع على عرش السينما الغنائية والاستعراضية، وقام ببطولة عشرات الأفلام ، وأسس شركة للانتاج السينمائى ، وأذيعت أغانيه فى الإذاعة التى رفضت إجازته من قبل، وفرض نجاحه عليها بأغانيه المتنوعة التى حققت جماهيرية واسعة ،ومنها الوطنى مثل «بلدي أحببتك يا بلدي»، والدينى مثل: «يا تواب يا غفور»، و«إلهي ما أعدلك»، وأغاني الأطفال مثل «ماما زمانها جاية» و«ذهب الليل» ، وأغاني المناسبات ومنها "هاتوا الفوانيس يا ولاد" و"إنتي يا أمي" ، كما أبدع فى أغانى الفرانكوآراب ومنها لحن "يا مصطفى" والذي أصبح أيقونة في الموسيقى العالمية و تم استخدامه في أغاني كثيرة بكل أنحاء العالم ، لحن عشرات الألحان التى حققت نجاحا واسعا لزملائه من عمالقة الطرب ، ومنها ساكن فى حى السيدة لعبدالمطلب. كان لفوزى العديد من الأدوار الوطنية والاجتماعية حيث شارك فى قطار الرحمة ، وقدم مساعدات للمستشفيات والمجهود الحربى وغيرها من الأدوار الإنسانية والإجتماعية والوطنية. وكان من أكبر الأدوار الوطنية التى قام بها عبقرى التلحين والغناء تأسيس شركة مصرفون لإنتاج الإسطوانات، وهى أول شركة اسطوانات مصرية ، وكان تأسيسها ضربة قاصمة لشركات الإسطوانات الأجنبية التي كانت تبيع الإسطوانة بتسعين قرشاً، بينما كانت شركة فوزي تبيعها بخمسة وثلاثين قرشاً، وأنتجت شركته أغاني كبار المطربين في ذلك العصر مثل أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وغيرهما. ولحن فوزى النشيد الوطنى للجزائر، الذى نظمه شاعر الثورة الجزائرية مفدى زكريا، لذلك أمر الرئيس الجزائرى عبدالعزيز بوتفليقة بإطلاق اسمه على المعهد الوطنى العالى للموسيقى بالجزائر، فضلا عن منحه «وسام الاستحقاق الوطنى» بعد وفاته. تزوج فوزى خلال حياته عام 1943 زوجته الأولى السيدة هداية وأنجب منها (المهندس نبيل 1944 ـ المهندس سمير 1946 ـ الدكتور منير 1948) ، وانفصل عنها عام 1952، ثم تزوج عام 1952 ب من الفنانة مديحة يسري ، وشاركها بطولة عدد من الأفلام ، وأنجب منها عمرو عام 1955 ، وانفصل عنها عام 1959، ثم تزوج عام 1960 من زوجته الثالثة كريمة وأنجب منها ابنته الصغرى إيمان عام 1961 ظلت معه حتى وفاته. كانت الضربة القاصمة لفوزى والتى ربما كتبت نهاية حياته ، عندما تم تأميم شركة مصرفون عام 1961 ، وتعيينه مديراً لها بمرتب 100جنيه الأمر الذي أصابه باكتئاب حاد كان مقدمة رحلة مرضه الطويلة ، حيث أصيب بمرض سرطان العظام الذى لم يكن معروفا وقتها وسمى باسمه " مرض فوزى "، وعانى معاناة شديدة مع المرض حتى نقص وزنه بشدة من 90 كيلو إلى 37 كيلو. وقبل وفاته بساعات كتب فوزى كلمات يودع فيها جمهوره ومحبيه ، وطلب دفنه صباح اليوم التالى الذى كان موافقا يوم جمعة وقال فى كلماته الاخيرة :" منذ أكثر من سنة تقريبًا وأنا أشكو من ألم حاد في جسمي لا أعرف سببه، بعض الأطباء يقولون إنه روماتيزم والبعض يقول إنه نتيجة عملية الحالب التي أجريت لي، كل هذا يحدث والألم يزداد شيئا فشيئا، وبدأ النوم يطير من عيني واحتار الأطباء في تشخيص هذا المرض، كل هذا وأنا أحاول إخفاء آلامي عن الأصدقاء إلى أن استبد بي المرض ولم أستطع القيام من الفراش وبدأ وزني ينقص، وفقدت فعلا حوالي 12 كيلو جرامًا، وانسدت نفسي عن الأكل حتى الحقن المسكنة التي كنت أُحْقَن بها لتخفيف الألم بدأ جسمي يأخذ عليها وأصبحت لا تؤثر فيّ، وبدأ الأهل والأصدقاء يشعروني بآلامي وضعفي وأنا حاسس أني أذوب كالشمعة" ، وبالفعل توفى فوزى بعد ساعات من كتابة هذه الرسالة فى 20 أكتوبر 1966، عن عمر ناهز 48 عامًا. رحم الله المبدع الذى أمتعنا وكان كشمعة ذابت لتضيئ سماء الفن .


























الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;