بعدما أثار الدكتور سيد القمنى، خلال حديثه عبر إحدى القنوات الفضائية، الجدل بأن الملك مينا ليس موحد القطرين، وأن صلاية الملك مينا الموجودة بالمتحف المصرى بالتحرير لا تدل على التوحيد، ولم تكن لتسجيل حربه بل تدل على حرب بين الملك مينا وبدو سيناء، وهى التصريحات التى أصابت خبراء علم الآثار بالفزع والتعجب، مؤكدين أن هذا الكلام عار تمامًا من الصحة، ولذلك نستعرض فى فى هذا التقرير قصة الملك مينا.
الملك مينا خرج من مدينة طيبة "الأقصر حاليًا" ونجح فى توحيد مملكتى الشمال والجنوب، واختلف المؤرخون فى تحديد السنة التى بدأ فيها الملك مينا حكم مصر المتحدة، فمنهم من يرجع بنا إلى سنة 4326 ق .م، ومنهم من يذهب إلى أبعد من ذلك، ويضع تاريخ هذا الحادث فى نحو سنة 5000 قبل الميلاد.
وهناك مؤرخون من جهة أخرى يميلون إلى التاريخ القصير ويؤرخون هذا الحادث بعام 2900 قبل الميلاد، أو عام 2704 ق .م، غير أن الآراء أصبحت الآن متفقة على اتخاذ طريق وسط بين هذين الحدين فجعل 3200 ق.م، وهذا التاريخ الذى بدأ فيه ملوك مصر المتحدة يحكمون البلاد يعرف ببداية التاريخ المصرى عن "مانيتون".
وترتب على ذلك أنه أصبح مؤسس أول أسرة حاكمة فى تاريخ مصر الفرعونية، ولبس التاج المزدوج الذى يتكون من تاج مملكة الشمال "الأحمر" ومملكة الجنوب "الأبيض".
وكانت من أهم إنجازاته أنشأ العاصمة من نفر "منف"، وبداية القصة كما يقول الدكتور والمؤرخ الكبير سليم حسن، حسب ما ذكر فى موسوعته مصر القديمة، إن الظاهر أن ملوك الأسرتين الأولى والثانية لم يتخذوا "منف" عاصمة لملكهم، ولم يفكروا قط فى نقل مقر ملكهم إليها، وإذن يحتمل أن منف لم تكن يومًا من الأيام عاصمة المملكة المتحدة، والظاهر أن الدور الذى لعبته فى تاريخ البلاد كان أقل من ذلك أهمية، فلم تتعد كونها معقلا للبلاد فى الجهة الشمالية، أى أنها كانت قلعة حصينة، أما الملوك فإنهم استمروا فى إقامتهم فى الجنوب الأقصى متخذين بلدة "نخن" مقرًا لهم، ولذلك كانت أهمية منف الإشراف على بلاد الدلتا التى فتحت حديثًا وضمت إلى ملك الصعيد، وقد كان لقرب منف من هذه البلاد التى ضمت حديثًا أهمية أخرى، إذ جعلتها مركزًا سهلاً لإدارتها، ولا شك فى أن منف كانت لـ"مينا" وأخلافه مركزًا حربيًا مهمًا لصد غارات اللوبيين الزاحفين من الجهة الغربية من الدلتا، وهؤلاء اللوبيون قد خضعوا بعد أن هزموا هزيمة منكرة، غير أن توحيد البلاد لم يكن قد تم إلا بعد أن توصل أحد أخلاف مينا إلى التغلب على الجزء الجنوبى الأقصى من بلاد النوبة، وهو الواقع بين السلسلة والشلال الأول، ويطلق عليه "تاستى"، وقد كان هذا الإقليم خارجًا عن حدود المملكة المصرية "الوجة القبلى" طوال مدة عصر ما قبل الأسرات، ولم يكن مسكونًا بالجنس الأسود كما هو الآن، بل كان يقطنه فرع من الجنس الحامى سكان البلاد الأصليين، والظاهر أن السود الذين يسكنون نوبيا العليا والسودان لم يظهروا فى مصر إلا بعد عدة قرون، أى فى عهد الأسرة الثالثة وبخاصة فى نهاية الدولة القديمة، وذلك بعد التدهور الذى لحق البلاد بعد السرة السادسة.
ولقد حافظت مصر المتحدة فى كل عهودها منذ حكم "مينا" على ذكرى انقسامها إلى مملكتين، ولم يكن فى وسع إحداهما على مر الزمن أن تهضم الأخرى، بل بقيتا على قدم المساواة، ولذلك نجد أن ملك مصر المتحدة لا يحمل لقب ملك مصر، بل ملك الوجه القبلة وملك الوجه البحرى، وكذلك كان يحمل لقب "رب الأرضين" وسيد "نسر" الجنوب وسيد "صل" الشمال، وكان فى أول الأمر يحمل التاج الأبيض الخاص للجنوب والتاج الأحمر الخاص بالشمال، ولم يحمل التاج المزدوج إلا فى أواسط حكم الأسرة الأولى، وكذا نشاهد هذا التمييز فى المصالح الحكومية، فمثلا نجد أن الخزينة مزدوجة، أى خزينة الوجة القبلى وخزينة الوجة البحرى وهكذا.
لوحة تسجيل النصر على لوحة نارمر
ومما يؤيد ما ذكره "مانيتون" من أن مينا هو أول ملك وحد الأرضين ما جاء على الآثار المعاصرة لهذا الملك وبخاصة لوحته التذكارية الإردوازية، التى وجدت فى "هيرا كنبوليس" بالقرب من "العرابة"، وهى محفوظة الآن بالمتحف المصرى.
وصف لوحة نارمر
ولهذه اللوحة وجهان محفوران حفرًا بارزًا يشهد لصانعها بالدقة والمقدرة، والجزء الأعلى من كلا الوجهين يحمل اسم "نعرمر" مينا مكتوبًا بالهيروغليفية بين رأسى بقرتين تمثلان الإلهة حتحور، وأحد الوجهين يشمل منظرين، أما الوجه الآخر فيحوى ثلاثة مناظر، فالمنظر العلوى على الوجه الأول يمثل الملك لابسًا التاج الأبيض "تاج الوجه القبلى" متبوعًا بحامل نعليه وقابضًا بيده اليمنى على دبوس له رأس على شكل كمثرى يضرب بع عدوه الراكع أمامه، بينما أمسكت يده اليسرى شعر هذا العدو المسمى "واش"، وقد ذكر فوقه ما يعنى أن حور قد أحضر للملك أسرى من الدلتا "أرض نبات البردى"، والمنظر السفلى يمثل عدوين عاريين فارين، أما الوجة الثانى فالمنظر العلوى من يمثل الملك لابسًا التاج الحمر "تاج الوجه البحرى" متبوعًا بحامل نعليه ومسبوقًا بأربعة من حملة الأعلام ثم بوزيره أيضًا، وأما هؤلاء عشرة أسرى قطعت رءوسهم ووضعت بين أقدامهم، وقد كتب فوقهم أسماء البلدان التى فتحها "مينا"، أما المنظر الثانى فيمثل حيوانين عجيبين بينما يمثل المنظر السفلى ثورًا ينطح قلعة، وهذا كناية عن انتصار الملك على أعدائه.