شهدت الفترة الأخيرة أزمة كبيرة فى توفير الدولار مما تسبب فى رواج السوق السوداء وتراجع حاد لقيمة الجنيه أمام الدولار، وبالتالى ارتفاع أسعار العديد من السلع خصوصا الرئيسية منها، وحاولت الحكومة ممثلة فى البنك المركزى بعدة إجراءات إلا أنها لم تسطع حتى الآن بشكل كامل.
الدكتور أيمن إبراهيم الخبير الاقتصادى، وضع روشتة للقضاء على أزمة الدولار من خلال حلول، ورغم أنها غير تقليدية، فإنه تمت تجربتها من قبل فى مصر، وأثبتت نجاحا كبيرا فى وقتها.
وأوضح إبراهيم أن العملة الصعبة هى كلمة لم تكن فى القاموس الاقتصادى المصرى قبل ثوره 1952، وذلك لأن قوة العملة المصرية حين ذاك كانت أقوى من الدولار الأمريكى أكثر من ثلاثة أضعاف الدولار وكان جسد الاقتصاد المصرى قويا ومستقلا.
وبعد الثورة ودخول مصر أكثر من حرب متتالية وتأثر الاقتصاد المصرى بنتائج هذه الحروب وصل سعر الجنيه إلى دولارين.
ومع تولى الرئيس أنور السادات واتجاه الاقتصاد المصرى إلى الاقتصاد الاستهلاكى ونحو الانفتاح وفتح باب الاستيراد على مصراعيه غرقت البلاد بمنتجات العالم أجمع، مما أدى إلى ضعف الصناعات المحلية، وكذلك ضياع أهم منتج زراعى مصرى وهو القطن، وبذلك انخفض الجنيه المصرى ليصبح يساوى أقل من دولار.
وبعد ذلك توالت على مصر إدارات اقتصادية لم تستطع معالجة أهم مشكلتين تحددان قيمة العملة المصرية، وهما حجم وقيمة الصادرات المصرية وزيادة الاستيراد من الخارج، ونجد أن الصادرات المصرية التى تعتبر الزراعة والصناعات الغذائية، وكذلك صناعات الغزل والنسيج الذراع الأيمن لدفع العملة المحلية نحو الصعود قد أصابتها العديد من الأمراض الاقتصادية والضعف والإهمال حتى وصل سعر الدولار الأمريكى إلى ما يقرب من 6 جنيهات فى نهاية عهد الرئيس مبارك». أما الذراع اليسرى وهى تعبر عن حجم وقيمة الاستيراد من خارج مصر فتلك الذراع نمت وكبرت وتضخمت إلى حد لم تستطع الحكومات ولا أصحاب إدارة السياسات الاقتصادية بالبنك المركزى السيطرة على قوة هذه الذراع أو تحجيمها. وأكد إبراهيم أنه لعلاج مشكلة الدولار والسيطرة على هذه الذراع اليسرى فإنه يجب أولا تحجيمها، وذلك من خلال العودة مرة أخرى إلى نظام الاستيراد من خلال الصفقات المتكافئة، أو شبه المتكافئة نظرا لضعف الصناعات المحلية وعدم وجود منتجات تنافس المنتجات العالمية، ويرى الكاتب أن تلك الصفقات تعتبر «الحضانة» التى تنمو فيها الصناعة الوطنية والمنتجات المصرية. وأشار إبراهيم إلى أنه سبق استخدام هذا النموذج الاقتصادى «الصفقات المتكافئة» من قبل خلال الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضى، وبالأخص مع دول أوروبا الشرقية مثل روسيا والمجر. ونظرا لعدم وجود منتجات صناعية أو زراعية لدى الاقتصاد المصرى، فيجب إدخال منتجات جديدة إلى تلك الصفقات مثل المنتج السياحى، عندما نقول إن الدولة ممثلة فى هيئة السلع التموينة تقوم باستيراد القمح من روسيا أو فرنسا يمكن عقد صفقة بين الدولتين مصر وروسيا مثلا بالتبادل بينهما تتم مبادلة القمح بمنتجات زراعية مصرية مثل البطاطس، وفى حالة عجز الجانب المصرى عن الالتزام بإرسال المنتجات المصرية يكون هناك بديل عن تلك المنتجات الصناعية بمنتجات أخرى، مثل استضافة عدد معين من السائحين الروس أو الفرنسيين يتم دفع قيمة الاستضافة إلى الفنادق المصرية بالجنيه. كما يجب الحد من استيراد السلع الكمالية التى لها فى الصناعات المصرية، وكذلك القضاء على تجارة السوق السوداء من العملات الأجنبية، فى ظل أن القانون المصرى عالج تلك المشكلة، حيث نص قانون البنوك رقم 88 المادة 111 أن يكون التعامل داخل مصر بالعملة المحلية، حيث أكد رئيس مجلس الوزراء عدم تحصيل قيمة أى خدمة أو سلعة، داخل جمهورية مصر العربية، بغير الجنيه المصرى، طبقا للمادة «111» من قانون البنوك رقم «88» التى تنص على ما يلى:
«يكون التعامل داخل جمهورية مصر العربية شراء وبيعا فى مجال السلع والخدمات بالجنيه المصرى، وفقا للقواعد التى تحددها اللائحة التنفيذية، ما لم يُنص على خلاف ذلك فى اتفاقية دولية أو فى قانون آخر»، مشددا على أنه سيتم تطبيق الجزاءات الواردة على أى مخالف.
وبتحليل موارد مصر من العملات الصعبة وطريقة دخولها إلى الاقتصاد المصرى نجد على سبيل الحصر أنها تدخل، إما من خلال البنوك من حصيلة الصادرات والاتفاق مع الشركات السياحية وتحويلات العاملين بالخارج، وإما من خلال السائحين ومصروفاتهم خلال فترة وجودهم فى مصر، وبذلك يمكن السيطرة على الدولار الأمريكى المتداول بالسوق السوداء.
ولذلك بجب على السلطات النقدية بمصر أن تمنع تداول العملات الأجنبية الصعبة بين الأفراد، لتحجيم حجم السوق السوداء وعدد العملات المتداولة فيها.
ويجب أن تكون هناك النية لمعالجة هذه المشكلة من جانب جميع أركان الحكومة ممثلة فى وزارة الداخلية والمالية والتجارة والصناعة والاستثمار والسياحة والبنك المركزى والغرف التجارية والصناعية.