أثارت رواية "جدار حى" للكاتبة والأديبة الإسرائيلية دوريت رابينيان، جدلا واسعا داخل دولة الاحتلال الإسرائيلى عقب قرار وزارة التعليم الإسرائيلية منع تدريسها بالمدارس الثانوية، بسبب حبكتها الدرامية التى تروى قصة عشق بين شاب فلسطينى وفتاة إسرائيلية فى نيويورك، مما أثار غضب كتاب ومفكرى وأدباء تل أبيب.
وعبر عدد كبير من الأدباء الإسرائيليين عن استيائهم الحاد من قرار وزارة التعليم لإلغاء تدريس الرواية من منهج التعليم بالمرحلة الثانوية لأنها تسرد قصة حب عنيفة بين إسرائيلية وفلسطينى، بادعاء أن الشباب الإسرائيليين ليس ناضجا بعد للخوض فى رواية عن اختلاط اليهود بغيرهم، حسب تفسير الوزارة لسبب إلغاء تدريسها.
صدمة لمؤلفة الرواية
وفى المقابل، قالت مؤلفة الرواية - المثيرة للجدل – لوسائل الإعلام العبرية تعليقا على منع تدريس روايتها بالمدارس عقب نشر الخبر بصحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية "أنا مصدومة، هذا شىء مثير للسخرية".
وأضافت رابينيان أن قرار وزارة التعليم بإلغاء "جدار حى" التى تتحدث عن علاقة عاطفية تجمع بين يهودية ومسلم فلسطينى، وتتناول الخوف الإسرائيلى من التداخل والاختلاط بالمحيط العربى، الذى نعيش فيه، بسبب فكرته المركزية، شىء ساخر فى حقيقة أن رواية تواجه الرعب اليهودى من الاختلاط فى منطقة الشرق الأوسط يحكم عليها بالرفض بالذات بسبب ذلك الرعب.
وأكدت الأديبة الإسرائيلية أنها تعتقد أن القرار لم يتخذ لأسباب عنصرية، قائلة "ما زلت مصدومة، إلا أننى أيضًا لست متفاجئة فإسرائيل عام 2016 هى مكان معقد"، مضيفة "أرادت الرواية التطرق إلى هذا المكان المعقد والمحبوب ويشكل قرار وزارة التربية جزءا من هذا التعقيد فى المكان الذى نعيش فيه".
حجج وزارة التعليم الإسرائيلية لمنع تدريسها
ومن بين الحجج التى جاءت لتبرير الوزارة الإسرائيلية منع تدريس الرواية هى الحاجة إلى الحفاظ على "هوية وميراث طلاب إسرائيل، وأن مفهوم "العلاقات الحميمة بين اليهود وغير اليهود تهدد الهوية المنفردة"، والتخوف "من أن الشبابا فى سن البلوغ لا يتمتعون برؤية منهجية تشمل معايير الحفاظ على هوية الشعب ومعنى الاختلاط".
وتم رفض الرواية على الرغم من كون المسئول عن تدريس الأدب فى جهاز التعليم الرسمى، وكذلك "اللجنة المهنية" المؤلفة من أكاديميين ومعلمين، أوصوا بشمل هذه الرواية فى إطار تدريس الأدب على مستوى عالى، اعتمادا على طلب الكثير من المعلمين.
وزير التعليم يدعم قرار الإلغاء
فيما قالت صحيفة "يسرائيل ها يوم" إن ديوان وزير التعليم الإسرائيلى نفتالى بنيت، من حزب "البيت اليهودى" اليمنى المتشدد، أكد أن الوزير يدعم قرار الطاقم المهنى التابع للوزارة الذى أصدر قرار منع تدريس الرواية بالمدارس.
تفاصيل الرواية
وتحكى الرواية قصة حب كبيرة نشأت بين "ليئات"، مترجمة إسرائيلية، و"حلمى" الرسام الفلسطينى، فى نيويورك، واضطرارهما إلى الانفصال خلال عودتهما، هى إلى تل أبيب وهو إلى رام الله.
وفى نهاية المطاف، فإن الصراع فى الرواية هو بين الاندماج والانفصال، بين المصير المشترك والهروب، حيث تثبت مؤلفة الرواية بذلك مجددا إلى أى مدى تعتبر محاولة الاعتماد على الحب ضعيفة، ولكنها رغم ذلك لا مفر منها.
وكانت قد صدرت الرواية قبل عام ونصف عن دار النشر الإسرائيلية "عام عوفيد"، وفازت الكاتبة بجائزة "برنشتاين" للكتاب الشباب عن هذه الرواية، ويتم حاليا تدريس روايتين سابقتين لها هى "اعراسنا" و"زقاق اللوز فى عمريجان" فى المدارس الإسرائيلية.
مطالب دمج الرواية للمناهج التعليمية
وكان الكثير من مدرسى الأدب طلبوا دمج رواية "جدار حى" فى تدريس الأدب الموسع لطلاب الثانوية، لاعتقادهم بأنه يلائم هذا الجيل من الطلاب، من ناحية أدبية وفنية وكذلك من ناحية الموضوع الذى تطرحه الرواية.
وقال مسئول فى وزارة التعليم إن الإجراء كله، منذ لحظة التوصية بتدريس الرواية وحتى رفضها استغرق أسابيع قليلة، مضيفا: "يصعب التصديق بأننا وصلنا إلى وضع يجب الاعتذار فيه عن الرغبة بدمج كتاب جديد وممتاز فى المنهاج التعليمى".
هجوم أدباء إسرائيل على قرار منع الرواية
وفى المقابل، أثار منع تدريس الرواية انتقادات شديدة من قبل عشرات الأدباء والكتاب والمفكرين الإسرائيليين، حيث هاجموا هذا القرار المثير للجدل، وقال الكاتب والروائى الإسرائيلى سامى ميخائيلى، وهو أحد أشهر الكتّاب الإسرائيليين الشرقيين، قائلا "هذا يوم أسود فى تاريخ الأدب العبرى".
وقال الأديب حاييم بائير: "إن هذا ليس شأن نفتالى بينت، فغدا سيلغى تدريس رواية (وراء السياج) لأن بطل مؤلف الرواية بياليك، أحب مسيحية، وسيقيم لجنة لفحص العلاقة الزوجية فى الأدب.. هذا عمل خطير يقوم به لاسترضاء جمهوره من اليمين المتشدد، بعد أن قام بتمجيد جهاز الشاباك وانخفاض أسهمه نتيجة لذلك".
وانضم الأديب الإسرائيلى مائير شليف، إلى المنتقدين لقرار وزارة التعليم الإسرائيلية قائلا: "إن رواية جدار حى هى كتاب جيد ولا حاجة لانتظار وزارة التعليم من اجل تطوير مذاق جيد، وبالتأكيد ليست وزارة بينت.. وبهذه المناسبة أوصى بينت بإخراج موضوع الملك سليمان والملك داوود من تدريس التوراة، لأنهما تزوجا من غير اليهود، وكذلك إخراج بوعاز من بيت لحم لأنه تزوج من روت الموآبية، وأنجبا الملك داوود، وكذلك أمنا سارة التى كانت لها علاقة ما مع فرعون".
فيما وصف الأديب آب يهوشواع الرواية بأنه عمل أدبى "رائع وعميق"، قائلا "إن من رفض دمجه فى المنهاج التعليمى لا يدلل فقط على نفسه كشخص لا يفهم ما هو الأدب الحقيقى، وإنما يلغى بقراره هذا عشرات الكتب والحكايات والأفلام والمسرحيات التى حاول كل منها، بطريقته، وبشكل واقعى، مواجهة منظومة العلاقات مع الأقلية التى تعيش بيننا وتحت احتلالنا".
التخطيط لمظاهرة لتدريس الرواية
وعلى الجانب السياسى، قالت النائبة بالكنيست تمار زاندبرج من حركة "ميرتس" اليسارية المعارضة للحكومة: "إن الرقابة اختفت منذ زمن من هنا، والآن الرقابة أصبحت عنصرية هدفها كما يبدو تنشئة جيل عنصرى ومنغلق لا يرى العرب كبشر، أو لا يراهم بتاتا"، موضحة أن حركتها قررت تنظيم مظاهرة أمام وزارة التعليم فى تل أبيب لتدريس الرواية.
فيما قالت النائب بالكنيست ميراف ميخائيلى، منكتلة "المعسكر الصهيونى" اليسارية أيضا، "إن مقولة "العرب يسارعون الى صناديق الاقتراع (كقول نتانياهو فى الانتخابات الأخيرة)، ومقولة "العرب يأخذون بناتنا" – هما وجهان لعملة واحدة، بقيادة الوزير بينت تتحول وزارة التعليم الى مكتب لحركة "لهباه" اليمنية المتطرفة، لمنع التعليم باسم العنصرية".
دوريت رابينيان
وينظر الكثير فى إسرائيل للروائية "دوريت رابينيان" بأنها الصوت النسائى الرائد فى الأدب الإسرائيلى، وأنها تجيد أكثر من أى كاتب وكاتبة إسرائيليين أن تصف الفوارق الدقيقة فى الحب والشوق والألم والقلق والحميمية الهشة.
وبعد انطلاقها الأول ككاتبة شابة واعدة، لم تستطع رابينيان على مدى 15 عامًا العودة للكتابة، حيث أصيبت بالشلل، ثم انطلقت رابينيان من جديد مع روايتها "جدار حى"، والذى يتناول أكثر القضايا سخونة فى إسرائيل وهى علاقة غرامية بين فتاة إسرائيلية وشاب فلسطينى.