جابر عصفور: لهذه الأسباب تأخرت فى الكتابة عن أمل دنقل
سيد ضيف: أمل دنقل ونصر حامد أبو زيد يلتقيان فى الأفكار
قال الدكتور جابر عصفور، وزير الثقافة الأسبق، إنه منذ مجيئه إلى القاهرة حتى الآن لم يحب شخصا مثلما أحب الشاعر أمل دنقل رغم ما بين طبيعتينا من اختلاف.
جاء ذلك فى الندوة التى نظمتها دار بتانة لمناقشة كتاب "أمل دنقل.. ذكريات ومقالات وصور" وتحدث فيها كل من الدكتور عماد أبو غازى، وزير الثقافة الأسبق، والناقد الدكتور سيد ضيف الله، أستاذ الأدب العربى بالجامعة الأمريكية، وأدارها الشاعر شعبان يوسف.
فى البداية قال شعبان يوسف إن جابر عصفور فى الكتاب يعرض لتفاصيل صداقته القوية بالشاعر العربى الكبير أمل دنقل، خاصة أن الدكتور جابر ظل محجما عن الكتابة عن شعر أمل حتى بعد رحيله بخمس سنوات.
كما تحدث شعبان يوسف عن أمل بوصفه شاعرا كبيرا مثَّل مدرسة فى الشعر العربى، كما أثار قدرا كبيرا من الخلاف مع شعراء السبعينيات، حيث اعتبرهم مجرد (أكذوبة) وهم من جانبهم ردوا عليه حتى أنه فى أحد دواوين الشاعر محمد سليمان كتبوا بيانا مرفقا عن كون أمل دنقل كتب قصيدة عن يوسف السباعى، وحقا كتب (أمل) هذه القصيدة بعد اغتيال السباعى يدين فيها فعل الاغتيال.
وأكد شعبان يوسف أنه بعد رحيل أمل دنقل حدث تحولا كبيرا للذين اختلفوا معه إذ اعترفوا بقيمته وبدوره، مشيرا إلى أن كتاب الدكتور جابر عصفور هو امتداد لكتابه السابق عن أمل دنقل والذى كان بعنوان (قصيدة الرفض).
أما الدكتور سيد ضيف الله أكد أن كتاب (أمل دنقل.. ذكريات ومقالات وصور) فريد فهو يمزج بين كتابة الذكريات والرؤى الفكرية، وصنف الكتاب باعتباره (سردية عن الذات)، مضيفا أن لدينا فى الكتاب عدة أصوات أولها هو صوت جابر عصفور الناقد، وهو امتداد لمدرسة على رأسها الدكتور طه حسين، ومن بعده بعض تلاميذه الذين تبنوا مقولات الحرية والعدالة ساعين إلى العقلانية النقدية والفكرية والتنوبرية، والرغبة فى التجديد.
أما الصوت الآخر فى الكتاب فهو صوت أمل دنقل الذي قدمه الكتاب من خلال الرسائل والمقالات، حيث كتب أمل دنقل ثلاث رسائل منها اثنتان لأحمد عبد المعطى حجازى يطالبه بالعودة إلى مصر.
وتابع الدكتور سيد ضيف أن أمل دنقل فى المقالات التى أرفقها الدكتور جابر فى الكتاب كان فاضحا لسياسات الدولة ولسياسات وزارة الثقافة التى شردت المثقفين فى ذلك العهد، كما أكد سيد ضيف أن هناك نقطة تلاقى بين أمل دنقل والدكتور نصر حامد أبو زيد، وهو ما كشفته أحد هذه المقالات التى تذهب إلى رفض مركزية قريش.
وانتهى الدكتور سيد ضيف إلى أن جابر عصفور يعتبر أمل دنقل مرآة له بما تمثله (المرآة) من معانى تأويلية وفلسفية فى الثقافة.
أما الدكتور عماد أبو غازى فقال إنه وجد فى الكتاب الكثير مما يخص التاريخ والأرشيف والنقد الأدبى، وأنه مصدر مهم للمثقفين الباحثين عن تاريخ مصر الثقافى منذ خمسينيات القرن الماضى حتى السنوات القليلة الماضية، وأضاف (أبو غازى) أنه اهتم بقراءة الصور الفوتوغرافية فى الكتاب، كما اعتنى بالملف المهم جدا المتعلق بالوثائق، وأكد أنه رأى فى مقالات أمل دنقل إسقاطا سياسيا على الوضع الراهن بعد هزيمة 67.
وأشاد الدكتور عماد أبو غازى بالفصل الختامى المتعلق بالذكريات واعتبره الجزء الأهم فى الكتاب، وطرح (عماد أبوغازى) سؤالا: كيف تصادق الثورى (أمل دنقل) والإصلاحى (جابر عصفور)؟ وأجاب أن هذه الصداقة جاءت من يقين كل منهما بصدق الآخر، وضرب أمثلة على الاختلاف الذي جمع جمع الطرفين رغم الصداقة، فجابر عصفور يحب جمال عبد الناصر بينما يرى أمل دنقل زيف هذه التجربة مؤكدا أن الاستبداد سوف يؤدى إلى الهزيمة، أما اللحظة المهمة الدالة على هذه الصداقة القوية هي ما حدث فى 1981 بعد تم فصل المثقفين من مناصبهم ومنهم جابر عصفور من الجامعة، ولم يكن يعلم، لكن أمل علم من أحد أصدقائه الصحفيين لذا كتب قصيدة يخبر من خلالها جابر عصفور بما وقع من السادات في حقه دون أن يقة لذلك صراحة.
ومن جانبه قال الدكتور جابر عصفور أنا أختلف جذريا عن أمل دنقل ومع ذلك كنا فى قمة الصداقة، مضيفا أنا أؤمن بتعدد الألوان بينما أمل دنقل حاد، وقد اختلفنا كثيرا، فأنا فكرتى تنطلق من كون (طلعت حرب) هو الشخص الأبرز فى ثورة 1919، إنه أهم من سعد زغلول نفسه، لقد اهتم ببناء اقتصاد مصر وبالتالي وعيها، فأنا لا أهتم بالنظام ولا بطبيعته أنا أؤمن بتغيير الوعي أولا، ولو قمنا باستفتاء، حاليا في الريف على النقاب، سوف يربح النقاب.
وتابع جابر عصفور لم أكتب عن أمل دنقل إلا فى ذكراه الخامسة، حيث كتبت عنه مقالة وبعدها توالت الكتابات، وهو أكثر شاعر كتبت عنه، ومنذ أن جئت إلى القاهرة حتى الآن لم أحب شخصا مثل أمل دنقل، كنت قبله لا أعرف سوى المذاكرة والقراءة، وهو الذى استطاع أن ينتشلنى ويذهب بى إلى الحانات هو أول من جعلنى أسهر حتى الصباج، جمعتنا المحبة والإخلاص، كنت أحيانا أراه في غاية الغلظة كان شخصا خشنا كأنه يريد أن ينفر الناس منه، لكنه فى داخله إنسان فى غاية العذوبة.
وأضاف جابر عصفور، فى الكتاب تركت لنفسى قدرا من الذاتية، فكانت النتيجة كتابا ضخما، وقد ساعدتني الكاتبة ميسون صقر في اختيار الصور وحتى فى ترتيبه، لذا لها كل الشكر.
وأشار جابر عصفور إلى أنه لم يكتب عن أمل فى حياته بناء على أمر منه، قال لى لا تكتب عنى، لأننى ذات مرة انتقدت ديوانه الأول بقسوة فى برنامج ثقافي وتشاجرنا من أجل ديوانه (العهد الآتي) وهو من أهم كتاباته، حيث ناقشت الديوان في دار الأدباء، لكنني اختلفت معه لاعتماده الكبير على (الهوية العربية فقط)، وقد كان اصل الخلاف قصيدته عن الإسكندرية.
وأنهي جابر عصفور اللقاء بقوله، هذا كتاب أنتجته المصادفات، وقد بذلت مجهودا للعثور على مقالات أمل التي كانت تنشر في مجلة أوراق اللندنية، والكتاب يعبر عني فعلا، وفيما يتعلق بعلاقة أمل دنقل بجمال عبد الناصر، فإن أمل مثل كل اليساريين كان يحب في ناصر الزعيم الوطني لكنه لا يحب ناصر الديكتاتور، لذا نجده يهديه قصيده مرة ويهاجمه مرة أخرى بسبب السجون والمعتقلات.