لم يمر إعلان الدكتور طه حسين عميد الأدب العربى مبايعة عباس العقاد أميرا للشعراء مرور الكرام.. «راجع ذات يوم 27 أبريل 2019»، فبعد أن نشرت «الأهرام» يوم 28 إبريل، مثل هذا اليوم، و«الجهاد» يوم 29 إبريل 1934، تفاصيل الاحتفال الذى شهد هذا الإعلان، بدأ الهجوم الشرس ضد طه حسين.
يذكر الدكتور محمد أبو الأنوار فى كتابه «الحوار الأدبى حول الشعر»، أن الكاتب محمد سعيد العريان «1905 - 1964» يرى أن ذلك كان نفاقا وملقا من الدكتور طه لزعامة الوفد التى تمثل غضب الجمهور على «إسماعيل صدقى» رئيس الحكومة».. يذكر «العريان»: «العقاد يومئذ كاتب الوفد الأول، يكتب المقالة السياسية فترن رنينها، ويلقفها آلاف القراء بلهفة وشوق فى كل مدينة وكل قرية، فلا عجب أن يكون العقاد بذلك عند عامة القراء هو أبلغ من كتب وأشعر من نظم، حتى ليؤول أمره من بعد إلى أن ينحله الدكتور طه حسين بك الوفدى المتحمس لقب «أمير الشعراء»، تملقا للشعب ونزولا على هواه».
ينقل أنور الجندى فى كتابه «المعارك الأدبية» عن مصطفى صادق الرافعى: «حين قرأت نص كلام الدكتور طه لم أبحث بين ألفاظه عن يقين المتكلم واقتناعه وحججه وأدلته، بحثت فيه عن سخرية طه بالعقاد وبالشعراء جميعا فى أسلوب كأسلوب تلك المرأة العربية فى قصتها المعروفة، حين قالت لرجال قومها فى أبيات مشهورة «وإن انتموا لن تغضبوا بعد هذه/ فكونوا نساء لا تغيب عن الكحل»، غير أن طه فى سخريته كالذى يقول: فإن لم تثبتوا أن فيكم من استطاع أن يخلف شوقى فاصغروا واصغروا حتى يكون العقاد أميركم»، ويتساءل الرافعى: «لماذا لم تأت الشهادة يوم كان الدكتور طه عميدا لكلية الآداب، وكان يومئذ حرا لا يستزله الإكراه؟ ولماذا جاءت الشهادة وهو يحترف الصحافة؟».
كان الأمر مجالا لسخرية البعض، وحسب كتاب «طرائف ومسامرات» للدكتور محمد رجب البيومى، عن «دار القلم - دمشق»: «حين انضم الدكتور طه حسين إلى «الوفد»، كان حذرا هيابا من منافسه كاتب الوفد الأول الأستاذ عباس محمود العقاد، فجعل يسترضيه بكل ما يمكن التوسل به، وأتيحت له الفرصة حين أصدر العقاد ديوان «وحى الأربعين»، وواجه عاصفة نقدية تزعمها الكاتب الكبير الأستاذ مصطفى صادق الرافعى، حين ذلك هتف طه حسين بمبايعة العقاد أميرا للشعراء، وما كاد رأى طه يذيع، حتى تناوله المعارضون تهكما وسخرية، وكان من أوجع ما قيل، ما نظمه الشاعر محمد حسن النجمى، حيث قال من قصيدة هازئة: «خدع الأعمى البصير/ إنه لهو كبير/ أضحك الأطفال منه/ إذ دعاه بالأمير/أصبح الشعر شعيرا/ فاطرحوه للحمير».
ويذكر«البيومى» قصة طريفة أبطالها «جماعة الهراوى» نسبة إلى الشاعر محمد الهراوى، الذى كان يعمل فى «دار الكتب»، ومقتنع بأن «إمارة الشعر» بدعة، وحرض أصدقاءه من الشعراء على عدم مبايعة «شوقى» بلقب الإمارة.. يؤكد البيومى أنه حين أعلن طه حسين مبايعة العقاد «رأت هذه الجماعة أن ترد بمبايعة نساخ فى دار الكتب، ينظم الشعر ولا يقرض بيتا صحيحا، بل ولا يستطيع قراءته، ولكنه يشغل نفسه بما يضحك، و«دار الكتب» حينئذ تحفل بالشعراء الهزئين بإمارة العقاد، وبادعاء هذا النساخ ما لا يحسن، ومنهم الهراوى، وأحمد الزين، وأحمد رامى، وأحمد محفوظ، وكلهم موظفون بدار الكتب، فرأوا أن يقيموا حفلة مبايعة لحسين البرنس النساخ، وحددوا لها الموعد، وأعلنوا عن مهرجان يقام للبيعة يتحدث فيه أكثر من عشرة شعراء.
يؤكد البيومى: «ترامى الأصدقاء والأدباء على مشاهدة الحفل، حيث أجلسوا أمير الشعر حسين البرنس فى الصدر، وتقدم كل شاعر بقصيدته يلقيها بين يدى المحتفل به، ثم نشرت القصائد جميعها فى الصحف اليومية، فكانت ردا لا يحتاج إلى إيضاح، ورأى الأستاذ محمد الأسمر أن يجمع هذه القصائد فى ديوانه، بعد أن ذكر المناسبة الفكاهية، فأمتع القراء».
يذكر البيومى مقتطفات من بعض القصائد الساخرة التى قيلت فى هذا الحفل الساخر.. قال حسين شفيق المصرى: «ياحماة القريض حول البرنس/أصبح الشعر دولة ذات كرسى/وهل الحكم والإدارة إلا/لبرنس يضحى برأى ويمسى/يقرض الشعر مثلما يقرض الفأر/حبالا قد فتِلت من دمقس/أيها الشاعر الكبير رضيناك/أميرا، فكنه، تفديك نفسى/..وقال عبدالجواد رمضان: «دعتك وقد توافر طالبوها/وهل يحوى العلا إلا بنوها/ أمير الشعراء أنت وإن تغالى/ وأسرف فى الدعاية مدعوها/جياع تاجروا باسم القوافى/ وقد ربحوا الحياة وأخسروها/سأحمى عرشها وأذود عنها/زعانف للرذيلة سحروها/وهل خلقت جلالتها لغيرى/وشعرى أمها وأنا أبوها».
وقال سيد إبراهيم: «إذا تفضلت يا أميرى/ فاقبل إذن هذه الإمارة/وانهض بأعبائها فخورا/ وامنع عن الفن كل غارة/ فالشعر فى مصر ياأميرى/ مستفعلن فاعل فعول/فكن أميرا على القوافى/فالناس ليست لهم عقول».. وقال محمد الهوارى: «وصرف أمور الشعر فى الأمة التى/تميت رجال الشعر فيها ولاتعى/فأنت أمير الشعر غير منازع/ وكل أمر غير شخصك مدعى».. وقال محمد الأسمر: «يا أمير الشعراء/أنت أولى باللواء/سيدى فلتهنأ اليو/م بملك الأدباء/امرؤ القيس على با/باك بعض الأمناء/وأبو الطيب فى الدو/لة بعض الوزراء/والمعرى لدى السد/ة يخبو للعملاء دولة ليس بها/إلا كبار الكبراء».