عندما هبط آدم عليه السلام إلى الأرض، لم يتركه الله وحيدًا، بل بعث إليه الملائكة رسلا يساعدونه ويأخذون بيده فى أشياء كثيرة، حتى يستطيع مقاومة نفسه ومقاومة الشيطان المجهز بالشر والمستعد بالمكر لإفساد الحياة.. لكن كيف كانت العلاقة بين الإنسان والملائكة؟
يقول ابن كثير فى «البداية والنهاية» عند حديثه عن خلق آدم عليه السلام، إنه «لما بلغ الحين الذى يريد الله عز وجل أن ينفخ فيه الروح، قال للملائكة: إذا نفخت فيه من روحى فاسجدوا له، فلما نفخ فيه من الروح فدخل الروح فى رأسه عطس، فقالت الملائكة: قل الحمد لله، فقال: الحمد لله، فقال له الله: رحمك ربك».
ولما نزل الإنسان إلى الأرض، كان الملائكة موجودين أيضا فقد جعلهم الله شهودًا على أفعال بنى آدم بأن جعل منهم الكرام الكاتبين، كما قالت الملائكة فيما ورد فى القرآن الكريم: «وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا».
العلاقات المباشرة مع الإنسان
منذ أن يولد الإنسان تبدأ العلاقة المباشرة مع الملائكة، ثم هم معه فى طفولته وتستمرُّ هذه العلاقة فى حياته كلها، وأشد ما تكون هذه العلاقة عند الشدائد، وبالذات يوم الوفاة ويوم البعث، ثم بعد ذلك عند الحساب، وبعدها إما فى الجنة أو فى النار.. كيف ذلك؟
فبعد الولادة مباشرة، وبعيدا عن الطعام والشراب، يحتاج الطفل إلى من يرعى روحه، لذا يوكل له ملك من قبل الله، فقد رُوى أن سيدنا آدم، عليه السلام، ناجى ربَّه - تبارك وتعالى قائلاً: «يا رب، سلَّطت علينا إبليس ولا نستطيع دفعه إلا بعونك، فقال له - سبحانه وتعالى - وهو اللطيف الخبير: «يا آدم، كلما ولِد لك ولَد وكَّلتُ به ملكًا يحفظه».
وفى سن التكليف، تبدأ علاقة من نوع جديد بينه وبين الملائكة، فيجعل الله عن يمينه ملكًا يدوِّن له حسناته، وعن شماله ملكًا يسجِّل عليه سيئاته، كما يقول، سبحانه وتعالى، «إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ».
وهذه العلاقة تستمر بطول الحياة وعرضها، فإذا ذهب إلى المسجد للصلاة، يقول ملك بجواره «اللهم اغفر له، اللهم احفظه»، لا يتركه حتى ينصرف، وإذا أنفق مما آتاه الله شيئًا لوجه الله، يقول ملك من قِبل الله «اللهم آتِ منفقًا خلفًا» وهكذا كلما همَّ بطاعة ابتغاءَ وجه الله.
ونقلا عن كتاب «الملائكة» لمصطفى عاشور، فإنها تحمل للمؤمنين أجمل المشاعر وأسماها، ألا وهى مشاعر الحب، فقد قال النبى، صلى الله عليه وسلم، «إن الله تبارك وتعالى إذا أحب عبدا نادى جبريل: إن الله أحب فلانا فأحبه، فيحبه جبريل، ثم نادى جبريل فى السماء: إن الله أحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ويوضع له القبول فى الأرض».
كما أن الملائكة يهتمون بالمؤمن ويعاونونه ويسددون خطاه، فقد قال النبى عليه الصلاة والسلام «من سأل القضاء وكل إلى نفسه، ومن جبر نزل إليه ملك فسدده» ومن أشكال معونة الملائكة للمؤمنين أنهم يوجهونه ويرشدونه إلى الأسلوب الأمثل، فقد قال النبى: «قال سليمان بن داود عليهما السلام: لأطوفن الليلة بمائة امرأة، تلد كل امرأة غلاما يقاتل فى سبيل الله!
فقال الملك: قل إن شاء الله.
فلم يقل ونسى، فأطاف بهن، ولم تلد إلا امرأة منهن نصف إنسان»، قال النبى عليه الصلاة والسلام، لو قال إن شاء الله لم يحنث، وكان أرجى لحاجته» .
وتستمر العلاقة بين الإنسان والملائكة حتى النهاية، فإن الإنسان إذا احتضر يأتيه ملك الأرزاق، فيقول له: بحثتُ لك عن رزقٍ، فوجدتُك قد وفيت ما كُتب لك من الرزق، فيمسك نهائيًّا عن الطعام، ثم يأتيه ملك المياه، ويقول له: بحثت لك عن قطرة ماء، فوجدتك قد وفيت كلَّ ما كتب لك من الماء، فيمنع عنه الماء، ثم يأتيه ملك الأنفاس، ويقول له: بحثت لك عن نفس تتنفسه، فوجدتك قد وفيت كلَّ ما كتب لك من أنفاس، فيتوقف عن التنفس؛ أى: يتوفَّى، فيقوم ملك الموت بنزع الروح، كما قال سبحانه وتعالى: «قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِى وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ».
وفى القبر رُوى أن ملكًا من قِبَل الله - تعالى - يأتى إلى الإنسان ويريه مقعده فى الجنة أو النار، وذلك فى نهاية سؤال القبر.
ويوم البعث يخرج من قبره فيجد ملكًا من قِبَل الله يأخذه ويوقفه فى المكان الذى يريده الله لك، أو يسوقه إلى موقفه المناسب «وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ».