كيف يعمل الجهاز الإعلامى لـ"داعش"؟.. "دابق" و"الفرقان" و"أجناد الأرض" قنوات التنظيم عبر الإنترنت تنذر بالذبح وتروج لدولة الخلافة المزعومة.. وتكلفتها تخطت الـ3 مليارات دولار

فى نهاية عام 2014، ظهر فيلم تسجيلى عن التنظيم الإرهابى «داعش»، الذى أعده الصحفى البريطانى الفلسطينى الجنسية «مدين ديرية»، واحد من أشهر مراسلى الحروب على مستوى العالم، والذى نجح فى بث تقارير حية من أكثر المناطق الساخنة فى العالم، لكنه هذه المرة وقع فى فخ تعاطفه مع تنظيم «داعش» بعد أن أقنعه مسؤولو التنظيم، فى منطقة الرقة بسوريا، أن الحياة تحت حكم التنظيم أكثر أمنا وأقل فسادا.

«ديرية» واجه موجة من الانتقادات الحادة، بسبب تعاطفه الواضح مع التنظيم الإرهابى، ففى لقاء سابق له مع الإعلامى تونى خليفة، أكد أن الحياة فى ظل «داعش» ربما تكون صعبة، بسبب الإصرار على تطبيق الشريعة الإسلامية، وانعكاس ذلك على التفاصيل اليومية لحياة المواطنين، لكنه قال إن الحياة فى ظل ما أسماه «الدولة الإسلامية» أقل فسادا، بالمقارنة بغيره من الأنظمة العربية.

تعاطف «ديرية» يعكس الذكاء الدعائى لتنظيم «داعش»، الذى نجح عن طريق أذرعه الإعلامية، فى تحقيق ثلاثة أهداف، خلال بضع سنوات من ظهوره على المشهد السياسى، حيث ظهر أمام أعدائه، بمظهر التنظيم الدموى، الذى يصعب قهره، وظهر أمام المتعاطفين معه، بمظهر الضمانة الوحيدة لإقامة دولة الخلافة الإسلامية.

أما الأطراف المحايدة، التى لا تدخل فى صراعات مع الدولة الإسلامية المزعومة، فقد سعى التنظيم إلى الظهور بمظهر المناضلين، أصحاب القضية، الذين يسعون لتحقيق فكر مثالى، ويلجأون إلى الرد الدموى فقط لحماية وجودهم، وهى الفكرة التى نجح التنظيم فى نقلها إلى «ديرية»، وإقناعه بها.

إعلام داعش اسمى «معاذ الكساسبة»، أنا أردنى من «الكرك» عمرى 26 عاما، هكذا بدأ الطيار الأردنى الذى قتل على يد «داعش»، حواره فى مجلة «دابق»، أحد الأذرع الإعلامية للتنظيم الإرهابى، وقد نشر الحوار المشار إليه، قبل بضعة أيام من تنفيذ قرار الإعدام بحرقه. وبالإضافة إلى المشهد غير الإنسانى لإعدام «الكساسبة»، تعمد المحاور فى النهاية توجيه سؤال لا رحمة فيه، قائلا: «هل تعلم ماذا ستفعله الدولة الإسلامية بك؟»، فأجاب معاذ: «نعم ستقوم بقتلى، لينتهى الحوار بطريقة درامية، يتكرر استخدامها كثيرا، فى الخطاب الإعلامى للتنظيم الإرهابى».

لا أحد يعرف بالطبع ما تم حذفه من الحوار، أو إضافته، وإذا ما كان الحوار حقيقيا فى الأساس، أو من نسج خيال أحد محررى المجلة، التى تصدر فى حوالى 80 صفحة، باللغة الإنجليزية، وتبرر الأفعال الوحشية للتنظيم عبر صفحتها.

«دابق» واحدة من عشرات الوسائل الإعلامية، التى يمتلكها التنظيم، لتضخيم صورته وتجنيد عملاء جدد له، وقد صدر العدد الأول منها فى النصف الثانى من عام 2014، ونقلت «نون بوست» عن «روبرت ايفانز»، محرر موقع «كراكد»، أن أهم ما لاحظه خلال متابعته لعدة أعداد من مجلة «دابق»، هو الحرفية العالية، سواء فى التصميم والإخراج، أو فى المادة التحريرية، التى تشبه صحيفة التايمز، مطعمة بمقالات من مجلة «بيبول»، مع بعض المواعظ الدينية، لذلك فهى لا تشبه أيا من المطبوعات والإصدارات، التى تنشرها الجماعات الإرهابية والمتطرفة.

ويذكر «ايفانز» أيضا أن كلمة «الصليبى» تتكرر بكثرة على صفحات المجلة، كوصف يطلقه التنظيم على كل مواطن غربى، بغض النظر عن انتمائه الحزبى والإيديولوجى، والكلمة الأخرى المستعملة بشكل كبير هى كلمة «الهجرة»، والتى تعنى دعوة مفتوحة للمتعصبين والتكفيريين، لترك بلادهم والانضمام إلى صفوف «داعش».

تنظيم «داعش» لا يخجل أيضا من نشر الصور الوحشية للمجازر التى يرتكبها ضد معارضيه، وهو الأمر الذى ينعكس على الصور المنشورة ب»دابق»، ولا ينكر استخدامه العنف، أو كونه تنظيما إرهابيا، ومن المثير للدهشة أن «دابق» تنشر عددا من الحوارات ومقالات الرأى لأسراها، خاصة الصحفى البريطانى «جون «كانتلى»، الذى ظهر بعد اختفائه بعامين، ليبدأ فى كتابة سلسلة مقالات بالجريدة.

وكان «كانتلى» قد اختطف نهاية عام 2012، مع زميله الأمريكى «جيمس فولى»، الذى أعدمه التنظيم، فى إحدى المقاطع التى بثها عبر «اليوتيوب»، وخلال عام 2014، ظهرت مقالات «كانتلى» على صفحات مجلة «دابق»، حيث تتناول تحليل الأوضاع داخل الدولة الإسلامية المزعومة، من وجهة نظر صحفى من العالم الغربى، مؤيد للتنظيم الإرهابى.

ورغم ظهور فيديو لـ«كانتلى»، ينتقد خلاله الحكومة الأمريكية والبريطانية، بعد توجيهها ضربات جوية إلى «داعش»، إلا أنه لا يمكن الجزم، بأن المقالات التى يكتبها «كانتلى» تعبر عن وجهة نظره الحقيقية، خاصة إن الكاتب ما زال فى قبضة الدولة الإسلامية، وغير معروف إذا ما كان تأييده للدولة الإسلامية، نتيجة ضغوط نفسية وجسدية تعرض لها، أو أن التنظيم نجح حقا فى ضمه إلى صفوف مؤيديه.

التلاعب بالعقول مؤسسة «الفرقان» للإنتاج الإعلامى، واحدة من أذرع «داعش» الإعلامية، المختصة بإنتاج التسجيلات الصوتية ومقاطع الفيديو، لتوصيل رسائل التنظيم، بدءا من تسجيلات «أبو بكر البغدادى»، أمير التنظيم المزعوم، وانتهاء بفيديوهات ذبح الضحايا البشعة، التى أبكت العالم أجمع، وكان أشدها على الإطلاق بالنسبة للمواطن المصرى، هو فيديو قتل المصريين الأقباط الـ21، الذى انخلعت بسبب بشاعته القلوب. وتقدم «الفرقان» التابعة للتنظيم الإرهابى، جميع إصداراتها بتقنية عالية، ودرجة من الجودة والاحترافية، توحى بتعامل التنظيم مع مصورين ومخرجين ومعدين محترفين، وعلى إحدى المدونات التى حملت اسم مؤسسة «الفرقان»، عرفت المدونة بكونها موقعا مؤقتا غير رسمى، بعد غلق ثلاثة مواقع سابقة، وقد ترك مؤسس المدونة بريدا إلكترونيا، فى حالة رغبة المطلعين على الموقع، فى التواصل مع مؤسسة الفرقان.

وتعد أغنية «صليل الصورام»، من أشهر الإصدارات الغنائية «للفرقان»، التى أثارت السخرية بين رواد شبكات التواصل الاجتماعى، رغم كونها تحمل معانى منذرة، بطريقة الإنشاد الدينى المحبب، لدى المتشددين ممن يعتقدن فى صحة تحريم الغناء والموسيقى، ورصد تقرير صادر عن مركز التكفير، التابع لدار الإفتاء المصرية، محاولة تمسح أناشيد داعش، بالسنوات الأولى للدعوة الإسلامية، حيث كان الرسول صلى الله عليه وسلم، يستعين بالأشعار والأناشيد، لتحميس المسلمين خلال المعارك.

وأشار التقرير، الذى اعتمد على تحليل المحتوى لـ100 أغنية، لتنظيم «داعش» وغيرها من التنظيمات التكفيرية، إلى أن الموضوعات التى تغطيها تلك الأناشيد تتضمن الشهادة، ووجوب الدفاع عن الدين بالجهاد المسلح، كونه الحل الوحيد، وتكثر أناشيد «داعش» من ترديد اسم زعيمها «البغدادى»، ولا تخلو من مفردات «الذبح» والحرق وقطع الرقاب، وأكد التقرير أن الأغانى يتم إخراجها بتقنية وجودة عالية، بعد كتابة كلماتها بعناية، لإحداث الأثر النفسى المرجو.

كما رصد التقرير أن أناشيد «داعش» تؤكد تكفير الخصوم، وعمالتهم للغرب، خاصة الحركات التكفيرية التى يوجد بينها وبين داعش خلاف، كالنصرة، حيث نجد أن الهجوم أصبح أشد وأكثر حقدا. ولا تختلف مؤسسة الاعتصام للإنتاج الإعلامى كثيرا عن مؤسسة الفرقان، ومن أشهر ما أذاعته تلك المؤسسة على الإطلاق، خبر مقتل الخليفة البغدادى، خلال إحدى الغارات الأمريكية عام 2013، أما مؤسسة الحياة، فهدفها إنتاج مواد مواجهة للعالم الغربى، مترجمة أو ناطقة بلغات تلك الدول، ومن أشهر ما أذاعته، التسجيل الخاص بمنفذى تفجيرات باريس، الذى حمل عنوان «اقتلوههم حيث ثقفتموهم». هناك أيضا مؤسسة «أجناد الأرض»، التى تعنى بإذاعة الأغانى والأناشيد الدينية، كما تملك «داعش» عددا من الإذاعات المنتشرة على شبكة الإنترنت، أهمها إذاعة البيان، التى تعد أول إذاعة للتنظيم فى مدينة الموصل العراقية، وفقا للكاتب العراقى صهيب الفلاح. كما تبث القنوات التابعة للتنظيم نشرة إخبارية ترفع على الإنترنت بصورة غير منتظمة، إضافة لبيانات وتوجيهات تنظيم الدولة، وتركز الإذاعة على انتصارات التنظيم وعملياته ضد القوات العراقية وقوات البشمركة ومليشيات الحشد الشعبى وغيرها.

دواعش «تويتر» وتكثف «داعش» نشاطها على مواقع التواصل الاجتماعى، بل إنها كثيرا ما تقوم بنشر إعلان وظائف شاغرة، يتضمن طلب مسؤولى سوشيل ميديا وإعلاميين، ووفقا لدراسة حديثة أجراها الباحث المصرى «صبرى القاسمى» فإن داعش تمتلك ما يزيد على 90 ألف صفحة على شبكات التواصل الاجتماعى.

ويدير تلك الصفحات متطوعون، على قناعة بأن عملهم يصب فى خدمة إقامة الدولة الإسلامية، ويعملون بنظام الورديات لمدة 12 ساعة، و تكون مهمة الفرد منهم نشر البيانات التي يكتبها قادة التنظيم، بالإضافة إلى متابعة كل ما يكتب عن التنظيم فى المواقع والصحف المختلفة حول العالم، والرد على أى حملات هجومية تنال منه، إضافة إلى تحليل ردود الأفعال المصاحبة لنشر فيديوهات الذبح والقتل المروعة.

كذلك أكدت الدراسة أن «داعش» رصد من ميزانيته 3 مليارات دولار لتمويل أذرعه الإعلامية، التى تروج لفكر التنظيم، بما يزيد على 12 لغة، وبالطبع فإن ثورة التنظيم جاءت من الموارد التى استولى عليها فى كل من سوريا ولبيا والعراق، والتى تعد أهمها على الإطلاق آبار البترول.

وفى بحث لـ«ملاك حمود» نشر بجريدة السفير، ذكر أن نشاط «داعش» على تويتر يمكن تقسيمه إلى ثلاث فئات، أولها الحسابات الخاصة بنقل أنشطة الدولة الإسلامية المزعومة، ثم هناك الحسابات الرسمية للدولة، إضافة إلى الحسابات التى تعرض الفتاوى الشرعية الغريبة، التى لا تخول من جهاد النكاح، وطرق الذبح الرحيم للأعداء، وتهدف جميعها إلى التبشير بإقامة الخلافة الإسلامية. وفى دراسة عن أنصار تنظيم داعش على تويتر، أعدها الباحثان الأمريكيان «ج.م. بيرجر» و«جوناث مورجان»، جاء فيها أن تنظيم «داعش» استغل وسائل التواصل الاجتماعى، ليس فقط لإرسال دعايته ورسائله إلى العالم، ولكن أيضا لاستمالة الأشخاص المهيئين لاعتناق الأفكار المتطرفة للتنظيم. وقد كثرت خلال العامين الماضيين، القصص التى تدعم تجنيد «داعش» لرجال ونساء عبر وسائل التواصل الاجتماعى، وما زال الغموض يدور حول الوقت الذى تستغرقه عملية التجنيد، والوسطاء الذين يسهلون انتقال هؤلاء المخدوعين من بلادهم إلى دولة الخلافة المزعومة.

وبالعودة إلى الدراسة السابقة، نجد أن الباحثين قد قاما ببناء صورة «ديموغرافية» لأنصار تنظيم «داعش» على «تويتر» باستخدام عينة كبيرة، تصل إلى ألفين من مستخدمى الحسابات المؤيدة لتنظيم «داعش»، وأثبتت الدراسة أنه خلال الفترة من سبتمبر إلى ديسمبر لعام 2014، تواصل «داعش» مع مؤيديه، بواسطة 46 ألف حساب، تم تنشيطهم بالتبادل. أغلب مستخدمى تلك الحسابات يقطنون سوريا أو العراق أو المناطق التنازع عليها من قبل التنظيمات الإرهابية، وينحصر عددهم ما بين 500 و 2000 مستخدم نشط، وكان متوسط متابعى كل حساب ما يقرب من ألف مستخدم.

خطة المواجهة وقد أوصت الدراسة بعدم مواجهة «داعش» بوقف حساباتها على شبكات التواصل الاجتماعى، حيث إن خطورة عزلهم عن تلك المواقع، تؤدى إلى نقص المعلومات عن إعدادهم وتحركاتهم وطريقة تفكيرهم.

الأمر الذى يعنى ضرورة مواجهة فكر «داعش» المتطرف بالفكر المعتدل، وإظهار ما تسببه الأفعال الوحشية للتنظيم، من إساءة لصورة الإسلام والمسلمين، ولكافة القضايا المتعلقة بنضال الدول العربية، ضد الفكر الإمبريالى، والهيمنة الأمريكية، حتى القضية الفلسطينية تضررت من الدعاية السلبية للتنظيم، الذى لم يلتفت يوما إلى قضايا الصراع العربى الإسرائيلى. وهناك عدة جوانب للأذرع الإعلامية السابق ذكرها، فهى لا تقوم فقط بإذاعة أنشطة الحركة الإرهابية، لكنها أيضا تسهم فى بث الرعب فى داخل معارضيها، وأعدائها، الذين يمثلون أغلب دول العالم الغربى، إضافة إلى الدول العربية غير الخاضعة لنفوذ التنظيم.

أما الوجه الآخر الذى تحاول أن تعكسه أجهزة الإعلام التابعة للتنظيم الإرهابى، وفهو إظهار حركة «داعش»، فى صورة الدولة النظامية، ذات المؤسسات والكيان الراسخ، وليست تجمعات المرتزقة، الذين أتوا من بلادهم، كل لسبب خاص به، تتراوح ما بين الفهم الخاطئ للدين والتشدد، والبحث عن مصدر رزق وفير، لا يخلو من المغامرة والخطر. وذكرت مؤسسة التنمية والدعم الروسية فى دراسة حديثة عن التنظيم الإرهابي داعش، أن الوسائل الإعلامية الغربية سمت «داعش» دولة فى 56 من موادها، وتنظيما إرهابيا فى الـ45 الآخرين، كما أوصت دراسة أعدها مركز أبحاث «لوى» الاسترالى، المؤسسات الإخبارية بتجاهل دعاية تنظيم «داعش». وأشارت الدراسة إلى أن التنظيم استغل صعوبة التغطية الإخبارية فى سوريا والعراق، وقام بتشكيل الصورة الذهنية لدى العالم، لما يحدث فى كلا الدولتين، بصورة تتناسب مع أهوائه ومصالحه.

الدراستان السابقتان، تظهران أهمية الدور الذى تلعبه وسائل التواصل الاجتماعى بالنسبة لـ»داعش»، وبالتالى، فالتنظيمات المتشددة والإرهابية، التى نجحت فى السيطرة على مقدرات دولة، أو مناطق بعينها، خلال بداية القرن الحالى، أو قبل ذلك، لم تتمكن من فرض رؤيتها الإعلامية كما تفعل «داعش»، التى تستطيع عبر شبكات التواصل الاجتماعى، الوصول إلى ملايين المتابعين، الأمر الذى يحتاج إلى مواجهة عاجلة من قبل الإعلام العربى، تبدأ بوقف إطلاق تنظيم الدولة الإسلامية على «داعش».

موضوعات المتعلقة..

- مكافحة الارهاب" العراقية تقتل 30 من داعش خلال تحرير"هيت" بالأنبار




الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;