«وصلت بمعونة الله إلى غزة، وستسمعون عنا خيرا إن شاء الله، سأكتب لكم كلما قضينا على موقع من المواقع اليهودية»..
هكذا كتب اليوزباشي «النقيب» مصطفى كمال محمود عثمان رسالته إلى والده فى مدينة بنى مزار بمحافظة المنيا، صعيد مصر، يوم 17 مايو عام 1948، لكن وحسب مجلة «المصور»، يوم 15 مايو 1953، فإن هذه الرسالة وصلت إلى الوالد ومعها فى نفس الوقت إشارة من وزارة الدفاع: «الضابط مصطفى كامل فى عداد المفقودين»، و«هو تعبير ملطف لخبر الوفاة»، حسب الفريق عبد المنعم خليل فى مذكراته «حروب مصر المعاصرة»، مضيفا: «بعد أيام تتلقى الأسرة حقيبة البطل المفقود وفيها ملابسه وآثاره التى تروى قصة بطولته الرائعة».
البطولة الرائعة للشهيد كانت على أرض فلسطين، وكان هو ضمن قوات الجيش المصرى التى ذهبت لمحاربة العصابات الصهيونية، وانتهت بإعلان دولة «إسرائيل»على الأراضى الفلسطينية يوم 15 مايو 1948، ويتتبع الفريق «خليل» سيرته فى سياق تحققه من أنه أول ضابط مصرى شهيد فى هذه الحرب، وكان استشهاده يوم 21 مايو «مثل هذا اليوم» عام 1948، فى معركة «دير سنيد»، وهى المعركة التى يذكرها المؤرخ الفلسطينى «عارف العارف» فى مجلده «النكبة الفلسطينية والفردوس المفقود»: «اتجهت الكتيبة التاسعة شمالا صوب دير اسنيد، واحتلت مستعمرة يدمردخاى الواقعة على الطريق بعد معركة حامية بدأت يوم 19 مايو 1948 وانتهت فى 24 مايو، وبعد أن قذفها المصريون بما لا يقل عن ألف قنبلة من قنابل المدافع الضخمة من عيار 25 رطلا، خسر المصريون فى هذه المعركة عددا غير قليل من رجالهم ضباطا وجنودا، وكان أكبر خطأ اقترفه المصريون أنهم كانوا يهاجمون المستعمرة بالمشاة نهارا، ولم تكن لديهم قوات مدرعة تكفى حمايتهم».
ينقل الفريق «خليل» سيرة الشهيد مصطفى كمال من التحقيق الذى نشرته «المصور» من واقع زيارتها لأسرته فى «بنى مزار» بالمنيا، قائلة: «كان أبوه محمود عثمان من صغار موظفى الدولة، وظل يتنقل من مركز إلى مركز كشأن الموظفين غير المحظوظين، لكنه كان سعيدا بزوجة صالحة ولدت له فى يوم 24 أكتوبر 1922 طفلا سماه مصطفى كمال تيمنا باسم بطل الترك «مصطفى كمال أتاتورك»، ودخل مصطفى مدرسة بنى مزار الابتدائية، وأتم تعليمه الابتدائى فى جد واجتهاد، ثم التحق بمدرسة بنى سويف الثانوية، فلم يكن مغمورا، كان فتاها اللامع الذى يشترك فى المناظرات ويحصل على الجوائز الأولى فى اللغتين الإنجليزية والفرنسية، ولم ينته من دراسته حتى لقبه زملاؤه بالكابتن، لطول ما كان يتحدث عن الكلية الحربية التى قدر له أن يلتحق بها فى عام 1939”.
تضيف «المصور»: «يشعر مصطفى أنه بحاجة إلى صديق فلا يجد أخلص ولا أكثر لسره من مفكرة يبث نجواه وهمسات لنفسه، ويكتب فيها عن امتحانه فى الكلية الحربية ونجاحه وترتيبه الـ22 من 151 طالبا هم دفعته، ويروى قصة تجواله بين المعسكرات المختلفة فى الخرطوم، وفى جبل أولياء ثم ألماظة، وكيف كان مولعا بالصحراء، ويشاء الله أن ينتقل إلى العريش فيصل إليها ظهر يوم 3 مايو 1948، ويرسل للأسرة برقية يبلغها بوصوله، ويلتمس منها صالح الدعاء، ويريد أن يطمئن والدته فيقول: «صحتى جيدة جدا، ورزقنى الله بمجموعة من الضباط على جانب كبير من سمو الأخلاق»، وفى خطاب آخر يمنى الأسرة بقرب التقائه بها بعد شهرين، ولكن تشاء الأقدار أن تعلن الحرب فى 15 مايو 1948، فيكتب إلى والده، يقول: «لقد وصلت بمعونة الله إلى غزة، وستسمعون عنا خيرا إن شاء الله، سأكتب لكم كلما قضينا على موقع من المواقع اليهودية، ثم يكتب التاريخ على الرسالة «17 مايو 1948»، تصل الرسالة إلى والده، وتصل معها فى الوقت نفسه إشارة من وزارة الدفاع «الضابط مصطفى كمال فى عداد المفقودين».
يؤكد الفريق عبد المنعم خليل أنه لم يكتف بما نشرته المصور، للبحث عن أول شهيد للجيش المصرى فى حرب 1948، فبحث فى القائمة التى نشرها المؤرخ الفلسطينى عارف العارف فى مجلده «النكبة الفلسطينية والفردوس المفقود»، ووجد اسم مصطفى كمال محمود عثمان، وفى خانة الرتبة مكتوب «يوزباشى»، وأن تاريخ الاستشهاد 21 مايو 1948، والمعركة التى استشهد فيها «دير سنيد».. يضيف «خليل»: لأن قائمة الشهداء التى نشرها عارف تضم الشهداء من الضباط، ضباط الصف، الجنود، حسب الترتيب الأبجدى، فقد قمت بفحصها اسما اسما، بحثا عن أول ضابط شهيد وتاريخ استشهاده فوجدته، مصطفى كمال ومعه ضابطان آخران استشهدا معه فى نفس اليوم 21 مايو 1948، ونفس المعركة ديرسنيد، وانتهت بنصر مصرى بعد تضحيات جسيمة، أما الضابطان الشهيدان الآخران فهما،الصاغ الرائد عز الدين صادق الموجى، والملازم أول أحمد تيسير بشير، بذلك يكون هؤلاء الثلاثة هم أول ضباط يستشهدون على أرض فلسطين، وسبقهم عدد من ضباط الصف والجنود المدنيين المتطوعين.