وقف الشيخ محمد الغزالى متحدثا أمام الرئيس جمال عبدالناصر، فانفتحت معركة بينه وبين الفنان والشاعر ورسام الكاريكاتير صلاح جاهين.
انطلقت الشرارة من حدث سياسى مهم هو، تقديم جمال عبدالناصر لوثيقة «الميثاق الوطنى» أمام مؤتمر ضخم يحضره «أعضاء المؤتمر الوطنى للقوى الشعبية» الذين جرى انتخابهم خصيصا لهدف مناقشة هذه الوثيقة..انعقد المؤتمر يوم21 مايو 1962فى قاعة الاحتفالات الكبرى بجامعة القاهرة، برئاسة «عبدالناصر»، وينوب عنه كمال الدين حسين فى غيابه، وتولى أنور السادات «الأمين العام»، فترأس جلسات المناقشات التى تواصلت لأيام.
«كان الميثاق ينطوى على مجموعة من المصطلحات والأفكار الجديدة والمهمة، أثارت اهتماما واسعا بين أعضاء المؤتمر، وفى الفضاء العام»، وفقا للكاتب الصحفى صلاح عيسى فى مقاله «لا تفتش عن المرأة»-صحيفة «الأيام- البحرين-10 يونيو 2015».. كانت قضية «حقوق المرأة» ضمن هذه الأفكار الجديدة ومما جاء فى الميثاق عنها: «إن الأوان قد آن لكى تسقط بقية القيود التى تحول بين المرأة وبين أداء دورها فى المجتمع، وأن تتساوى بالرجل».
وحسب وثائق هذه المناقشات، التى أشارت إليها جريدة «الخليج- الإمارات» فى 28 سبتمبر 2010 تحت عنوان «40 عاما على رحيل عبدالناصر» للزميل محيى الدين سعيد، فإن الدكتورة حكمت أبوزيد عضو المؤتمر تحدثت، ولم تكن شغلت منصبها الوزارى كأول وزيرة مصرية «وزير الشؤون الاجتماعية فى 25 سبتمبر 1962».. تحدثت عن«المراهقة الفكرية»، وربط مساواة المرأة بمكانة الأسرة فى المجتمع، وتحدثت عما سبق الميثاق من إرهاصات وتقدمات كثيرة كتعيين المرأة فى مجالس الإدارة واختيارها فى المجالس النيابية، مشيرة إلى أن الديمقراطية ليست فى حكم الأغلبية، ولكن أن تكون الأغلبية الواعية المتجردة من ذاتها، ومن مصلحتها وليست الأغلبية العددية فقط.. وتساءلت إذا كان الميثاق نادى بعدم سيطرة طبقة على طبقة أخرى، فهل من العدالة أن ينادى بسيطرة جنس على جنس آخر؟ مشيرة إلى أن روح الميثاق تنادى بعدم سيطرة جنس على جنس آخر، وعقب عبدالناصر على كلمة «أبوزيد» مركزا على ما أثارته حول «المراهقة الفكرية».
استمرارا للحديث عن «قضية المرأة» طلب الشيخ محمد الغزالى «22 سبتمبر 1917-9 مارس 1996» الكلمة، فتحدث عن أن الإسلام ساوى بين الرجل والمرأة بالفعل، لكن فى نظر الإسلام وفى نظر الطبيعة الرجل هو الجنس الأقوى فى البيت وفى المجتمع، ومن هنا يجب أن تكون له حقوق الجنس الأقوى باستمرار، فلا خلاف أبداً فى أن الرجل قوّام على المرأة فى البيت، ولا يجوز أن يثار لغط حول هذه الحقيقة.. استطرد الغزالى: «أحب أن يعرف أن هذه المساواة التى وردت فى كلمة الرئيس فهى محكومة يقينا بالفروق الطبيعية التى لابد من أن تقر، وأن يعترف بها. وأضاف: «لو أن النساء يطلبن مساواة حقيقية بالرجال ما وجدت فى الترام أو فى السيارة أو فى الشارع أغلبية النساء عاريات السيقان والأذرع والظهر والصدر الآن».
تحدث «الغزالى» من موقعه كعضو فى المؤتمر، وبالرغم من ماضيه «التنظيمى» فى جماعة الإخوان، إلا أنه وقتئذ «كان أحد كبار المسؤولين فى وزارة الأوقاف»، حسب تأكيد صلاح عيسى ، كما انخرط بقدر ما فى تنظيمات الثورة، ووفقا لتأكيده هو فى شهادته للدكتور مصطفى عبدالغنى فى كتابه «المثقفون وثورة يوليو»: «حين كانت تتاح لى الفرصة لأعمل فى أى من مؤسسات الثورة لم أكن أمانع قط، وعلى سبيل المثال كان الاتحاد الاشتراكى قد أعلن عنه كهيئة سياسية، لم أتردد فى الانتماء إليه ودخلت فيه».. يضيف: «كانت هيئة التحرير قبل ذلك قد أعلنت، ودُعى الإخوان للدخول إليها ورفضوا، أما الاتحاد الاشتراكى، فعلى المستوى الشخصى لم أرفضه.. نعم رسميا اشتركت فى الاتحاد الاشتراكى، ولكن مُنعت من الترقى فيه.. اشتركت فى المؤتمر السنوى عام 1962، كان يسمى بالمؤتمر الوطنى قبل اللجنة التحضيرية، ولكن لم يسندوا لى دورا أكثر من الحديث».
طرح «الغزالى» فى كلمته فكره، الذى يتطابق مع فكر جماعة الإخوان، ويلمح هو إلى ذلك فى كتاب «معالم المشروع الحضارى فى فكر الشيخ محمد الغزالى» للدكتور محمد عمارة: «انعقد المؤتمر الكبير، وافتتحه الرئيس جمال عبدالناصر.. كنت من أوائل الذين طلبوا الكلمة.. ومضيت فى شرح الحقائق الإسلامية الضائعة مطالبا بعودة المجتمع إليها.. وكنت فى حديثى سهل العبارة، متوددا إلى الجميع، وكنت قبل الحديث قد دعوت الله أن يلهمنى الرشد وأن يفتح لى القلوب، ويظهر أن الله استجاب لى، فإن كلمتى-وإن عدها البعض شرحا ماكرا لدعوة الإخوان المسلمين- بلغت أعماق النفوس ولقيت ترحابا واضحا وتصفيقا شديدا».
يزعم الغزالى: «كان بين أعضاء المؤتمر سبعون شيوعيا أفزعهم هذا الجو الإسلامى، وزاد من ضيقهم أن جماعات ضخمة كانت تؤدى الصلوات فى الأوقات، وتتحدث عن ضرورة التمسك بالإسلام، واتفقت كلمتهم على توجيه ضربة سيئة لى توقف نشاطى، فأوعزوا إلى الرسام الهزلى صلاح جاهين ألا يدع الكلمة التى ألقيتها تمر دون تعليق». فماذا فعل جاهين.. وقبله كيف رد عبدالناصر على كلام الغزالى؟