انتهى الشيخ محمد الغزالى من كلمته أمام «المؤتمر الوطنى للقوى الشعبية»، بحضور جمال عبدالناصر يوم 27 مايو 1962.. فعلق عبدالناصر عليها، وحرضت الفنان ورسام الكاريكاتير صلاح جاهين.
كان المؤتمر يناقش وثيقة الميثاق الوطنى التى قدمها عبدالناصر يوم 21 مايو 1962، وانتقد الغزالى فى كلمته دعوة الميثاق للمساواة بين المرأة والرجل.. «راجع– ذات يوم 27 مايو 2019»، فرد عبدالناصر عليه.
وحسبما تذكر جريدة «الخليج- الإمارات» فى ملفها الخاص «0 عاما على رحيل عبدالناصر»، المنشور يوم 28 سبتمبر 2010، فإن عبدالناصر رد قائلا: «النقطتان اللتان أثارهما الشيخ الغزالى، الأولى هى الأذرع العارية والسيقان العارية اللى بيتكلم عليها، فأنا باعتبر إن دا مسؤولية الرجالة، لأن الرجالة هم اللى بيسمحوا بهذا، فاحنا بنقول إن الرجال قوّامون على النساء، وبعدين الرجال هم اللى سايبين الموضة كل سنة، واللى بيدفعوا فلوس الموضة كل سنة، والكلام اللى احنا لازم نديه لنفسنا، احنا كحكومة ودا موضوع يمكن حتى من المواضيع اللى ظهرت فى أول الثورة لا نستطيع إن احنا نفعل شىء، ولكن كل رب أسرة يستطيع إنه يفعل شىء، وفى أول الثورة قال لى الشيخ الهضيبى من الإخوان المسلمين، أنا أطلب منك إنك تفرض الحجاب وماتخليش المرأة تمشى فى الشارع إلا وهى محجبة، وتقفل السينمات وتقفل المسارح، فأنا فى الحقيقة وجدت إن أنا حادخل فى معركة كبيرة جدا يعنى مع الـ25 مليون أو مع نصهم على الأقل، وبعدين أنا قلت له يعنى إزاى انت بتطلب منى هذا الطلب؟! دا طلب يعنى لا طاقة لى به، فقال: أنا مصمم على هذا.
وبعدين قلت له: اسمع بقى نتكلم بصراحة وبوضوح انت لك بنت فى كلية الطب، هل بتروح كلية الطب حاطة حجاب؟ أنا عارف أما بتروح كلية الطب مش حاطة حجاب وأنا كنت أعرف لأن هو كان ساكن تحت نسايب المرحوم صلاح سالم، إذا كنت فى بيتكم مش قادر تخلى بنتك تطلع فى الشارع حاطة حجاب، حتخلينى أنا أجيب الناس كلهم أقول لهم اعملوا حجاب، وبعدين هل بتروح السينما ولا مابتروحش سينما؟ بتروح سينما..طب إذا كان الراجل فى بيته مش قادر يخلى ولاده مايروحوش أو بنته ماتروحش سينما، طب عايزنى أنا أقفل السينمات ليه؟ إذا كنا عايزين ننفذ شىء يبقى دا يتنفذ فى العيلة، فى البيت، كل واحد يقوم بدوره الأساسى كرب أسرة ورب عيلة، وبهذا بنبص نلاقى المجتمع بتاعنا مجتمع ماشى على الأخلاق السليمة ومفيهوش أى نوع من هذه المراهقات الفكرية».
أضاف عبدالناصر: «النقطة الثانية بالنسبة للعمل، أنا أجد العمل فى الحقيقة عاصم للمرأة من الزلل، لأن الزلل سببه الحاجة، وعلينا إننا نزيد فرص العمل لتستوعب الشبان والشابات علشان نبنى مجتمع سليم.. نبنى مجتمع معصوم من الزلل ومعصوم من الحاجة، لأن هذه الحاجة هى أشد أنواع العبودية، بالنسبة للعمل، علينا أن نزيد فرص العمل ونفتح فرص العمل المناسبة للمرأة، حتى نحمى المرأة من الزلل، حتى نقوّم المجتمع، بالنسبة للمساواة يجب أن نفهم أن المساواة التى نص عليها الميثاق هى مساواة فى إطار العقائد الدينية».
فى يوم 28 مايو- مثل هذا اليوم- 1962، خرجت الأهرام بتغطيتها عن الموضوع، لكنها بدت للوهلة الأولى أنها تختلف عما قاله «الشيخ»، حيث نشرت فى صفحتها الأولى تقريرا فيه صورة «الغزالى» وهو يتحدث وتحتها تعليق «لأول مرة فى المؤتمر الوطنى تعرضت المرأة لهجوم من الشيخ محمد الغزالى، ولم تسكت عليه عضوات المؤتمر، فقاطعنه أكثر من مرة».
كان تعليق «الأهرام» يعنى أن المشاركات فى المؤتمر رفضن كلمة «الغزالى»، وبدت فى هذا أنها تستكمل مسارا مضت فيه منذ ثلاث سنوات، حين عاشت معركة عنيفة دارت حول نشرها لرواية «أولاد حارتنا» لأديب نوبل نجيب محفوظ، وانتهت من نشرها حلقات مسلسلة يوم 25 ديسمبر195، ويرى الكاتب محمد شعير فى كتابه «أولا حارتنا- سيرة الرواية المحرمة» أن«توابع أولاد حارتنا ألقت بظلالها على مناقشات الميثاق 1962».
هذه «التوابع»، كانت فى الجدل الذى حدث بين عبدالناصر والغزالى، ثم المعركة التى احتدمت بين الغزالى وجاهين ومعه الأهرام.. كان جاهين«25 ديسمبر 1930-21 إبريل 1968» وقتئذ ضمن نجوم جريدة الأهرام، حيث ضمه محمد حسنين هيكل، رئيس التحرير، إليها رساما للكاريكاتير عام 1964، ثم تركها ليذهب رئيسا لتحرير صباح الخير عام 1966، ثم عاد إلى الأهرام عام 1968.. ويكشف الكاتب الصحفى محمد بغدادى، فى مقال له بعنوان «صلاح جاهين رسام بدرجة مقاتل» منشور فى «روزاليوسف-20 إبريل 2010»، أن جاهين قال له إنه كان يتابع جلسات المؤتمر عبر التليفزيون، فاستمع إلى كلمة الغزالى ورد عبد الناصر.. وقرر أن يرد، وجاء الرد فى اليوم التالى.