نورا مصباح طفلة لم تتجاوز عامها السابع، لكنها أصحبت أهم طفلة فى دنيا الطب فى مصر، بعدما أصبحت أول طفلة تجرى جراحة تغيير الصمام الثلاثى الشرفات باستخدام صمام رئوى بشرى من نفس الطفلة، مع إعادة تخليق صمام رئوى من الغشاء المحيط بالقلب "غشاء الطامور".
الطفلة من أسرة بسيطة، وُلِدَت فى مركز فاقوس بمحافظة الشرقية بعيب خلقى فى القلب، عبارة عن ثقب بين البطينين، وبرغم التشخيص فى سن مبكر، إلا إنها لم تجرى الجراحة اللازمة فى وقتها، وأكدت والدتها أنهم لم يكونوا على دراية بهذا العيب إلا أنهم يتوجهون بها للأطباء كلما شعرت بالتعب، لتحصل على جرعات من الأدوية المختلفة، وفى أحيان كثيرة يؤكدون أنها ليست فى حاجة إلى أى علاج حتى شهر رمضان الماضى، بعدما شعرت الأسرة بتدهور كبير فى حالتها الصحية.
وتحدث محمود مصباح والد الطفلة لـ"انفراد" عن معاناة نجلته: "أصيبت بحمى لم يداويها أى علاج، وعانينا كثيرا حتى تمكنا من احتجازها بحميات فاقوس، واستمرت لمدة أسبوع على الحقن لخفض الحرارة، وبعد خروجها بعدة أيام من المستشفى عادت الحمى من جديد، وعندما علم الأطباء أن لديها عيب خلقى فى القلب طلبوا عمل (إيكو) وحولونا لمعهد القلب، والذى بدوره أكد أن الصمام به بعض المشاكل والتى تستوجب التوجه الفورى لمستشفى أبو الريش".
وأضاف: "أجرت أبو الريش العديد من التحاليل، وأعطوها أدوية ونقل دم، وأكدوا لنا أنها تعانى من ميكروب خطير فى الدم توجه إلى صمام القلب، وظل ذلك لأكثر من شهرين، حتى بدأت أشعر بتحسن نورا، وبعدها طالب الأطباء بإجراء عملية بمعهد القلب، ولكن بعد حجزها لمدة 10 أيام، ألغوا العملية تحت مبرر حاجة نورا للعودة لأبو الريش مجددًا لوجود التهاب، لكن أبو الريش وجهتنا لمستشفى أطفال مصر التابعة للتأمين الصحى، وأصدرت قرارًا بعملية فى مستشفى جراحة القلب بجامعة عين شمس".
وأشار والد الطفلة، إلى أن قابل وقتها الدكتور وليد اسماعيل، الذى أكد لهم أن طبيبًا درس بالخارج هو من سيجرى لها الجراحة، مضيفًا: "بعدها قابلت الدكتور خالد سمير أستاذ جراحة القلب بجامعة عين شمس، وأخبرنى أن ابنتى تحتاج لعملية كبيرة وخطيرة ولا بديل عنها، نظرا لخطورة حالة الصمام بعدما تدمر تماما، ووقعت على الموافقة لإجراء العملية والموافقة بالتصوير".
الدكتور خالد سمير مبتكر الطريقة الجديدة فى علاج الطفلة نورا، قال: "لثقوب القلب أنواع، ويتوقف احتياج إغلاق الثقب وتوقيت ذلك على نوعه وحجمه، وتأثيره على الدورة الدموية، وفى حالة الثقب بين البطينين بحجم 6 مم كحالة نورا فى كل الأحوال، كان يجب غلقه قبل سن الخامسة كما هو متفق عليه فى الدوائر العلمية".
وأضاف لـ"انفراد": "إنه لأول مره فى مصر والعالم يتم بمستشفى أمراض وجراحات القلب بجامعة عين شمس استخدام الصمام الرئوى البشرى لنفس المريض، فى استبدال الصمام الثلاثى لطفلة عمرها 7 سنوات، ووزنها 27 كجم، وذلك بعد أصابتها بإلتهاب بكتيرى للغشاء المبطن للقلب، مما أدى إلى تدمير كامل للصمام الثلاثى و ارتجاع حر به، مما أدى لتدهور حالة الطفلة وهبوط وتضخم بالناحية اليمنى من القلب نتيجة لرجوع معظم الدم للأذين الأيمن، بدلا من توجهه إلى الشريان الرئوى ليذهب للرئتين للتحمل بالأكسجين".
وأشار أستاذ جراحة القلب، إلى أنه مع المخاطر الكبيرة لإستبدال الصمام بصمام ميكانيكى أو بيولوجى، مراعاة لحجم الطفلة ونمو الجسم واحتمالية تجلط الصمام أو عودة الإلتهاب، خاصة أن أى صمام مهما كان حجمه سيحتاج للتغيير بعد سنوات قليلة نظرا للتغير الكبير فى حجم الجسم، كما أن الصمامات البيولوجية يحدث له ضمور سريع فى الأطفال، مما دفعة لاتخاذ قرار لاستخدام الصمام الرئوى لنفس المريضة، ونقله مكان الصمام الثلاثى مع تفصيل صمام رئوى جديد من غشاء الطامور، وتمت الجراحة".
وأشار سمير، إلى أن حالة نورا هى انعكاس لسوء المنظومة الطبية، مضيفا: "المريضة لديها ثقب فى القلب، وأصيبت بحمى مستمرة وكان يجب أن يوضع احتمال الإلتهاب البكتيرى الحاد للغشاء المبطن للقلب كإحتمال أول يجب استبعاده قبل أى شئ بالموجات الصوتية، ومزرعة الدم، وهذا الإلتهاب هو أحد المضاعفات المعروفة، وإن كانت غير شائعة لهذا النوع من الثقوب، وعلاجه يتوقف على نوع البكتيريا ويستغرق حوالى شهرين و كلما بدء العلاج مبكرا أمكن الحفاظ على القلب والصمامات".
وتابع: "تغيير الصمامات فى الأطفال مشكلة كبيرة بسبب تغير حجم الجسم بفعل النمو و امكانية التجلط على الصمامات المعدنية و الضمور السريع للصمامات البيولوجية (من الحيوانات) وقد بدأ استخدام الصمام الرئوى لاستبدال الصمام الأورطى منذ الستينات بواسطة بوفيسور دونالد روس لثبوت استمراره فى النمو، ثم بدأ استخدامه فى استبدال الصمام الميترالى فى الثمانينات لكنه لم يستخدم فى استبدال الصمام الثلاثى، لأن بروز الصمام فى الأذين قد يسبب التجلط، وقد تغلبنا على هذه المشكلة بزرعه دون بروز وتعليقه فى عضلات البطين لضمان سلامته الوظيفية".
وأوضح أن النتائج من الفحص بالموجات الصوتية بعد الجراحة، جاءت جيدة جدا، مستنكرا تجاهل إدارة جامعة عين شمس أو كلية الطب بها، التواصل معه حول ما حققه من انجاز لعمل مؤتمر صحفى لإعلان هذه النتائج غير المسبوقه، مضيفا:"بدلا من ذلك يوجهون لى تساؤلات عن أسباب إجراء الجراحة، وماذا كان سيحدث فى حالة وفاة المريضة؟ ولماذا أجرب أشياء جديدة دون وجودها فى الكتب، دون النظر فى أننا نجحنا فى انقاذ حياة طفلة".