التفرقة مهمة بين النقاش وتحديد الأهداف، وبين الدخول فى خلافات ومعارك فرعية تستنزف الوقت والجهد، وتقوم فى الغالب على العنعنات والقص واللصق، مع الأخذ فى الاعتبار أنه يمكن بسهولة التفرقة بين من يطرحون آراءهم من أجل الصالح العام، ويطرحون الأسئلة للمستقبل، وبين الغارقين فى الادعاءات ومستهلكى الشائعات، والأمر أكبر من أن يكون تأييدًا أعمى أو معارضة صماء، إنما هو بحث عن الحقيقة، ينطلق من شعور بالمسؤولية. وقد أشرنا خلال الأيام الماضية إلى الأهمية الاستراتيجية لزيارة العاهل السعودى، الملك سلمان، التى تأتى فى مرحلة مهمة من مراحل الصراع الإقليمى والدولى، ولا يخفى على أحد حجم التحديات المطروحة وشكلها، سواء لمصر أو السعودية، كل على حدة، وأيضًا للمنطقة، وهى أمور تبدو واضحة لمن يتابعون ملفات الخطر مبكرًا، ومواجهتها بشكل استباقى وليس التعامل بردود الأفعال.
هناك خرائط تتحرك، وتكتلات تتكون، وأخرى تتفتت، وملفات تتداخل فيها الأوراق، ومساعٍ لا تخفى على أحد لدى أطراف إقليمية ودولية لفرض وجهات نظر محددة، من خلال إعادة بناء الأقطاب، اقتصاديًا وسياسيًا، فى عالم تحكمه الأسواق المفتوحة، ويواجه الفكر السياسى أزمات متعددة، تظهر فى معالجات القضايا الساخنة.
ومن هنا يمكن النظر إلى أهمية زيارة خادم الحرمين، الملك سلمان بن عبد العزيز، لمصر وتأكيد التعاون الثنائى، ووحدة المصير، والتحديات سواء السياسية أو الاقتصادية، فهى هموم مشتركة، ومن المهم فى التعامل بين الدول ألا تقوم على اختلال العلاقة، بل على الندية والتوازن، والقدرة على تنسيق المواقف المشتركة. الأمر يتجاوز- كما أشرنا- الأمور الاقتصادية أو المصالح الضيقة إلى تأثيرات سياسية إقليمية يمكنها أن تمس الكثير من القضايا، وأن وجود تباين فى وجهات النظر لا يمنع من استمرار العلاقة الاستراتيجية بين الدول، والتنسيق والتقارب فى وجهات النظر، وهى أمور مهمة فى ترتيبات المواقف، وإعادة بناء استراتيجيات التحرك نحو الأهداف والانتقال من رد الفعل إلى الفعل.
وهى خطوات طالما طالبت بها مصر، وتوجه إليها سياستها الخارجية، أن يكون هناك توازن واضح، وقدرة على التعامل بسرعة وحسم.. الاقتصاد لم يعد ينفصل عن السياسة، لكن السياسة هى الأكثر تأثيرًا، بل هى التى تؤثر فى الاقتصاد، وتقرب أو تبعد العلاقات الثنائية، لهذا فإن الأهمية الاقتصادية للزيارة واضحة، لكن أهميتها السياسية أن المنطقة تواجه تحديات غير مسبوقة، ودون انتباه وتعميق للعلاقات وتنسيق لا يمكن مجابهة التحديات.
ومع أهمية الاقتصاد، فإن التنسيق الإقليمى، وعدم السماح بالخروج عن التوجهات العربية، ضمانات لبناء نظام إقليمى متوازن يقوم على الاحترام المتبادل، وعدم التدخل فى شؤون الدول الأخرى، ولهذا فإن هناك أهمية لاتفاقيات سياسية وتعاون وتنسيق ممتد منذ سنوات ويستمر، لأنه يختبر دائمًا صلابة جدران العلاقة الثنائية، فضلًا على بناء تكتلات قادرة على الصمود فى عالم يجرى كل شىء فيه طبقًا للمصالح، ولا يخلو من أخطار قابلة للانفجار.. من هنا تأتى أهمية بناء الاستراتيجيات على الأهداف والمواجهة والفعل، وليس على ردود الفعل.