سافر اللواء حسن أبو باشا، مساعد أول وزير الداخلية للأمن العام، إلى أسيوط بتكليف من وزير الداخلية اللواء النبوى إسماعيل على متن طائرة حربية خاصة، ليقود المواجهة الأمنية ضد الإرهابيين بعد ارتكابهم المذبحة التى راح ضحيتها 118 من الشرطة والمواطنين..وقادها الإرهابيان عاصم عبدالماجد وعلى الشريف.. «راجع، ذات يوم 8 أكتوبر 2019».
وصل «أبو باشا» إلى مطار أسيوط فى الخامسة مساء 8 أكتوبر 1981، حسبما يؤكد فى مذكراته «الأمن والسياسة».. يصف مشهد المدينة: «كان المطار خاويا تماما، ويسوده الصمت، وفى الطريق بالسيارة من المطار إلى مبنى مديرية الأمن، وكانت الساعة الخامسة مساء، كانت أصوات الأعيرة تصل إلى آذاننا من جهات متعددة، وتصاعدت أصواتها عندما اقتربنا من مدخل المدينة التى بدت كمدينة أشباح يغلفها جو كئيب ومتوتر، ولما كان المقتحمون لمبنى مديرية الأمن قد غادروه بعد احتلاله لمدة ست ساعات، فقد توجهنا إلى مبنى المديرية، ودعوت إلى اجتماع عاجل ضم جميع القيادات الموجودة، وكان واضحا أن عنصر المفاجأة وحجم الخسائر التى لحقت بالقوات ترك مسحة الأسى والحزن على وجه الكثيرين».
يكشف اللواء فؤاد علام وكيل جهاز مباحث أمن الدولة الأسبق فى مذكراته بمجلة «روز اليوسف»، إعداد الكاتب الصحفى كرم جبر: «فى اليوم التالى لوصول أبوباشا»9 أكتوبر–مثل هذا اليوم 1981، اتصل هاتفيًا بوزير الداخلية وقال له إن أفراد القوة متأثرون لمقتل زملائهم.. فرد النبوى إنه سيكون عنده فورًا.. وانتقل على متن طائرة.. واتجه مباشرةً إلى معسكر الأمن المركزى حيث كان هناك حشد كبير من الجنود.. فاجتمع بهم وألقى كلمة حاول خلالها استنفار مشاعر الحماس والجدية والتضحية، كما عقد اجتماعًا مع الضباط بمبنى مديرية الأمن وطلب منهم المواجهة بجدية لتصفية ما تبقى من جيوب».. يؤكد علام: «زار وزير الداخلية المصابين من رجال الشرطة فى المستشفيات، بالرغم من تحذيرات المحافظ محمد عثمان إسماعيل، الذى تشير إليه الأصابع بتشكيل وتشجيع الجماعات الإسلامية فى الجامعات بإيعاز من الرئيس أنور السادات لمواجهة الحركات اليسارية».ً
اللافت فى هذا الحدث المشؤوم، أن الإرهابيين لم يقتربوا من محمد عثمان إسماعيل محافظ أسيوط، رغم أنه رمز نظام الحكم فى المحافظة، مما يجدد الحديث عن دوره التاريخى معهم، فحسب مذكرات أبوباشا: «كانت الخطوة الأولى التى اتخذها الرئيس السادات بعد صدامه مع مجموعة ما أطلق عليهم «مراكز القوى» فى 15 مايو 1971 هى إعطاء الضوء الأخضر لتشكيل ما يسمى بالجماعات الإسلامية فى الجامعات، واستمر بعد ذلك نموها فى إطراد ملحوظ، وامتد نشاطها خارج إطار الجامعات إلى كثير من القرى والمدن».. يضيف: «بدأت أمانة التنظيم فى الاتحاد الاشتراكى بقيادة محمد عثمان إسماعيل فى إنشاء ودعم تلك الجماعات التى بدأت تأسيس وتنظيم تشكيلاتها فى الكليات الجامعية المختلفة، مستخدمة جميع الإمكانيات والأساليب حتى وصل الأمر إلى حد دفعها إلى الصدام مع العناصر الماركسية واليسارية فى أى مناسبة يتاح لها أن تختلق مثل هذا الصدام».
يتذكر أبو باشا: «أحد هذه القيادات اتصل ذات يوم تليفونيًا بمدير مباحث أمن الدولة اللواء سيد فهمى «وزير الداخلية 1977»، وطلب منه المساعدة فى تدبير أكبر عدد ممكن من سيارات الإسعاف لتكون جاهزة للتحرك السريع إلى جامعة القاهرة، وكانت الإخطارات أشارت إلى تجمعات طلابية فى الجامعة فى صورة مظاهرات داخل الحرم الجامعى، وعندما استفسر مدير الجهاز من هذه القيادة عن سبب طلب إعداد هذا العدد الكبير من سيارات الإسعاف، كانت الإجابة أنها ستنقل الجرحى من الشيوعيين الذين ستسيل دماؤهم «على حد قوله» بعد أن يتصدى لهم».
يكشف فؤاد علام فى «الإخوان وأنا»: «الاثنان محمد عثمان إسماعيل والدكتور محمود جامع كلفهما السادات بتشكيل تنظيمات دينية لقمع الحركة الطلابية الوطنية، وشكلا «الأسر الإخوانية».. يضيف: «كانا يعرفان العائلات الإخوانية مثل عائلة «هلال» فى الدقهلية، فكلفا شباب العائلة الذين يدرسون فى الجامعات بتكوين هذه التنظيمات»..يؤكد: «رفعنا تقارير متتالية إلى القيادة السياسية تحذر من الخطر الذى نتوقعه من انتشار هذه التيارات بالذات فى الجامعات، وأن الإخوان يعودون من جديد فى صورة أكثر عنفا وشراسة على يد أبنائهم فى الجامعات، والخطير أن مؤسسات الدولة بدأت تدفع الإخوان فى هذا الاتجاه، لأنها كانت رغبة الرئيس».. يكشف علام: «حدث اجتماع مهم فى مقر الاتحاد الاشتراكى حضره محمد إبراهيم دكرورى ومحمد عثمان إسماعيل، واتخذا القرار السياسى بدعم نشاط الجماعات الدينية ماديا ومعنويا، واستخدمت أموال الاتحاد الاشتراكى فى طبع المنشورات وتأجير السيارات، وعقد المؤتمرات وأيضًا فى شراء المطاوى والجنازير، وكافأ السادات، محمد عثمان إسماعيل وعينه محافظا، لأسيوط من 1973 حتى 1982».
رد عثمان، على كلام «علام» قائلا بالحرف فى «روزاليوسف»: «أقر أننى شكلت الجماعات الإسلامية فى الجامعات وليست أسر إخوانية، باتفاق مع المرحوم الرئيس السادات».