- تصميم ممر لذوى الاحتياجات الخاصة اعترفا بحقهم فى المعرفة
لا تتمتع الأردن بوجود الكثير من الآثار، كما هو الحال فى مصر أو عدد من الدول المحيطة كالعراق أو سوريا، فقط لديهم بقايا وشواهد تاريخية لأحداث ذكرها القرآن، أو ذكرتها الكتب القديمة بشأن سير الأولين، ومنهم "كهف أصحاب الكهف" بمنطقة الرجيب فى الأردن.
ويحكى موقع أصحاب الكهف الواقع فى قرية "الرجيب" أو ضاحية "سحاب" شرق العاصمة الأردنية عمان بـسبعة كيلو مترات، قصة الفتية الـ"7" أصحاب الكهف وكلبهم بعد أن أماتهم الله 309 سنين، وقال تعالى "أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبًا"، وبعثهم الله فقط ليثبت لهم حكمته وآياته، وليعثر عليهم أهل المنطقة ويقيموا عليهم المسجد .
جميعنا قد يعرف قصة أصحاب الكهف، وما ذكره القرآن الكريم فى آياته وتسميته سورة كاملة باسمهم، ولكن العبرة الحقيقية فى العصر الحديث هى، المقارنة بين هذا الموقع التاريخى، وما تقوم به الحكومة الأردنية، وما يحدث لدينا فى المواقع السياحية فى مصر، وأقصد هنا المواقع السياحية الإسلامية أو الشواهد الأثرية فى القاهرة أو بعض المحافظات كالإسكندرية والأقصر وغيرها.
الزيارة لمثل هذا الموقع تجعل الفرد يسترجع الكثير من زكريات زيارات مواقع أثرية وتاريخية كثيرة خاصة فى القاهرة والأقصر، فهناك فوارق كثيرة بين ما قامت به وزارة الأوقاف الأردنية، فى تهيئة موقع "أصحاب الكهف" للزيارة، واستغلال هذا الموقع ليس سياحيا فقط، بل دينيا وإقامة معهد للدعوة وآخر للقراءات، والأهم من كل هذا هو تصميم ممر لذوى الاحتياجات الخاصة كان أهم ما لفت الانتباه، فهناك إيمان حقيقى بحق ذوى الاحتياجات الخاصة من التمتع بمثل هذه الآثار والشواهد التاريخية.
وبمجرد أن تطأ قدماك مقر الكهف ستجد فارقا كثيرا بينه وبين قلعة محمد على، وقلعة قيتباى فى الإسكندرية، أو حتى الأهرامات فى الجيزة، فلا قمامة حول الموقع، ولا أحد يلقى مخلفات، ولا متسولين يحيطون بالمقر، ولا باعة جائلين يحجبون عنك الرؤية و"يزعجوك" لدرجة أنك تريد أن تتمنى لو أنك لم تأتِ، والأهم من كل هذا لا يوجد بواب أو حارس يمد يده للتسول منك حتى لو كان معك تذكرة "للعلم لا يوجد تذاكر لدخول كهف أهل الكهف".
ومن أبرز المشاهد، أن هناك مسئولا متخصصا، وعلى علم ودراية فعلا بالموقع، والمعلومات التاريخية والإسلامية، وهو المهندس محمود الحنيطى، المشرف من وزارة الأوقاف الأردنية على الموقع، ويحمل شهادة ليست علمية فقط تؤهله لذلك، بل شهادة أخلاقية ومجتمعية من جميع من يحضر للمكان فيخرج وهو يثنى عليه، ويمدح فى معلوماته وأخلاقه وطريقة شرحه، فى المقابل لا يوجد أثر إسلامى فى مصر تقريبا أو حتى أثر فرعونى وفيه مرشد مقيم يشرح للمواطنين العاديين كل خطوة أو رسمة أو أداة، ولا أحد يسير لحظة بلحظة يعرف الزائرين معلومات علمية تاريخية عن الموقع الأثرى.
اكتشاف الكهف فى العصر الحديث، كان فى 1963 م، عن طريق الباحث رفيق وفا الدجانى، ودائرة الآثار العامة، ضمن مقبرة بيزنطية حفرت قبورها فى منطقة أبوعلندا فى سفح جبل، قال تعالى فى سورة الكهف، "سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربى أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل".
هناك العديد من الأماكن التى تم ادعاء وجود الكهف فيها، سواء فى العراق، وتركيا، واليمن، إلا أن الكهف الأكثر شيوعا والأكثر مقاربة للحقيقة، هو كهف "الرجيب" فى الأردن، حيث يوجد 7 قبور فى الموقع، 4 منها يمين الباب، وثلاثة على اليسار، أما الكلب فقبره أمام الباب"الوصيد"، كما يوجد أعلى الكهف بناء أثرى على شكل مسجد، وهو ما يؤكد قوله تعالى"فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم، قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذنّ عليهم مسجدا".
الكهف يفتح مدخله على قاعة مركزية تتفرع عنها ثلاثة محاريب مسقوفة بعقود فى حين توجد سبعة مدافن حجرية فى الكوتين الشرقية والغربية، وقد تم جمع الهياكل العظمية لأصحاب الكهف فى منطقة صغيرة بالمقبرة الأولى، ويمكن رؤية هذه الهياكل من خلال فتحة صغيرة سدّت بقطعة زجاجية صغيرة.
محمود الحنيطى، أكد أن مجمع الفقه الإسلامى، و"اليونسكو"، أجمعوا على أن هذا، هو المكان المشار إليه فى القرآن الكريم، كما أن هناك كتابات كوفية، وعباسية، ولاتينية تشير إلى أنه كهف الفتية.
وشرح المشرف على الموقع الأثرى هذا ما يضمه هذا الموقع، حيث يوجد على أحد القبور نجمة ثمانية، وهى نجمة رومانية استخدمت فى الزخرفة الإسلامية، بجانب كتابة على حجر منسوبة إلى الأمير هبة الله بدر بن حوا سنة 277 هجرية، وجدت على باب الكهف.
بقايا أطلال المسجد المذكور فى سورة الكهف مازالت موجودة حتى الآن، وكان الكهف طبيعيا (مغارة داخل جبل)، إلا أن الرومان صنعوه بالشكل الحالى، وآخر تعديل عليه كما يقول الحنيطى، تم فى عهد الخليفة صلاح الدين الأيوبى، حيث يوجد على أحد الجدران خاتمه.
وشرح الحنيطى كيف تدخل الشمس عند الشروق والغروب لعمق الكهف، بجانب الفجوة (مكان نوم الفتية) حيث يقول الله"هم فى فجوة منه"، موضحا أن قبلة المسجد كانت متجهة إلى بيت المقدس، لكن الأمويين حولوها إلى مكة وبنوا أيضا المسجد الموجود أمام الكهف".
ويوضح المشرف على الموقع، أن بقايا الأعمدة فى مقر المسجد، هى بقايا سبعة أعمدة مصنوعة من الأحجار غير مكتملة الارتفاع، ومخروطة على شكل دائرى، وبقايا محراب نصف دائرى، وبين الأعمدة الباقية بالمسجد بئر مملوءة بالماء وهى البئر التى كان يتم استخدامها فى الوضوء.
فى نهاية الكهف وعلى اليسار توجد خزانة بها آثار قديمة لأشخاص عاشوا بعد أصحاب الكهف، وهى عبارة عن أباريق وجدت بساحة المسجد العلوى، وبقايا شجرة زيتون رومانية قبل 2000 عام، وحجر قبل 1800 عام عليه كتابات لاتينية قديمة.
وقد تم ترميم المسجد أكثر من مرة وفقا لما هو مدون على الأحجار التى وجدت بداخله، وهى تشير إلى تجديد تم 117 هجرية، ثم 277 هجرية، ثم 900 هجرية، مما يدل على اهتمام المسلمين الأوائل بهذا المسجد لاقتناعهم بأنه المذكور فى القرآن الكريم، ومما يؤكد الاهتمام بهذا الموقع وجود مسجد آخر يقع بالجهة القبلية من الكهف وما زال منبر هذا المسجد قائما إلى اليوم، وهو مكون من ثلاث درجات ضخمة من الأحجار على يمين المحراب، وقد عثر بالمسجد على بلاطة تفيد بأن الخليفة الموفق العباسى قد أمر بتجديده.
ويوضح مشرف الموقع أن تربة الكهف ومنطقة الرقيم كما أثبتت الدراسات الجيولوجية، تساعدان على صيانة الجسم.
كما يوجد أعمدة منحوتة من الصخر تزين واجهة القبور، وزخارف نباتية ورسومات هندسية ونقوش، وحفائر أقنية، وبرك فى الصخر لتجميع المياه.