علاقة مصر مع فرنسا مرت بمراحل مختلفة تاريخية لكنها فى العقود الأخيرة اتسمت بدرجات من التقارب، واتسعت هذه العلاقات لتتجاوز الاقتصادى والعسكرى إلى السياسى، فضلا عن تعاون ثقافى، وقد يرى البعض أن مصر تنوع علاقاتها مع دول أوروبا بشكل مختلف وبدرجات متفاوتة من دولة إلى أخرى حسب درجة العلاقات، وقد ينظر البعض إلى الاتحاد الأوروبى على أنه كل واحد، لكن الواقع أن مصالح كل دولة تحدد تحركات نظامها السياسى والاقتصادى، وهو أمر تدركه السياسة الخارجية المصرية، حيث تختلف العلاقات مع ألمانيا عنها مع فرنسا، بريطانيا، إيطاليا، وغيرها. ولعل إدراك هذه التفاصيل مهم لقراءة شكل العلاقات واتجاهات السياسات والقرارات التى تحدد هذه العلاقة.
تتجاوز هذه التفاصيل الكثير مما قد يبدو على السطح من شكل للعلاقات، مع الأخذ فى الاعتبار أن المصالح تحدد استراتيجيات التعامل. من هنا تأتى أهمية زيارة الرئيس الفرنسى فرانسوا هولاند لمصر، والقمة التى يعقدها الرئيس السيسى بناء على اتفاقات وعلاقات ممتدة طوال السنوات الماضية. الرئيس الفرنسى يرافقه وفد تجارى يضم أكثر من 100 من كبار رجال الأعمال وممثلى الشركات الفرنسية الكبرى. وهذا هو الجانب الاقتصادى والاستثمارى فى الزيارة.
ومن المنتظر أن تشهد القمة المصرية الفرنسية التوقيع على العديد مذكرات التفاهم، واتفاقيات التعاون بين البلدين، فى مجالات الكهرباء والطاقة المتجددة، والطرق والنقل والسياحة، مع تسويات للديون الفرنسية المستحقة على مصر، وتخفيض وإعادة جدولتها، وهى قضايا مهمة فى الاقتصاد لكنها أحد الملفات المهمة على جدول الرئيسين السيسى وهولاند.
استراتيجيا وقعت مصر وفرنسا فى العام الماضى اتفاقا للتعاون العسكرى حصلنا بموجبه على طائرات الرافال، وفرقاطة بحرية، والتعاون العسكرى المصرى الفرنسى ممتد من عقود، وكانت مصر ثانى دولة فى العالم تحصل على طائرة الميراج التى لعبت دورا مهما فى حرب 1973، وهى أول دولة تحصل على الرافال ضمن سياسة واضحة لتنويع السلاح.
وبالطبع هناك العديد من الملفات المهمة استراتيجيا واقتصاديا، على مستويات مختلفة، لكن هناك أيضا الملفات المعلوماتية والسياسية التى تتعلق بتعاون مصرى فرنسى فى مواجهة الإرهاب، حيث كانت فرنسا من أوائل الدول التى تفهمت وجهة نظر مصر فيما يتعلق بمواجهة الإرهاب. باعتباره تهديدا عالميا لا يستثنى أى دولة، ومن هنا جاء دعم وجهة النظر المصرية، حيث واجهت فرنسا العمليات الإرهابية على أراضيها.
أما الجانب الآخر والمهم، فهو تنويع الأصوات الحليفة للتوجه المصرى وتفهمه، من قبل السياسة الفرنسية، انطلاقا من إدراك أهمية دور القاهرة المحورى فى قضايا المنطقة، وتقارب وجهات النظر تجاه دعم الدولة والشعب الليبيى لفرض سلطتهم واستعادة دورهم الاقتصادى والسياسى، ومواجهة التدخلات التى تعطل هذا السياق.
التفاصيل فى العلاقات المصرية الفرنسية كثيرة ومهمة، وتتجاوز الاقتصاد إلى السياسة والتعاون الاستراتيجى وتوازنات القوى فى المنطقة والعالم.