بعد الاتفاق النووى بين إيران والغرب، خرجت طهران أكثر قوة وعنجهية، وظنت أن بمقدورها أن تسيطر على مجريات الأمور فى أكثر مناطق العالم توترًا، منطقة الشرق الأوسط، منطقة تعصف النزاعات بكثير من دولها، ظنت إيران أيضًا أن الملعب السياسى أصبح خاليًا لها، خاصة بعد بدء رفع العقوبات الاقتصادية التى كانت مفروضة عليها منذ سنوات.
إيران أيضًا يصنفها المجتمع الدولى بأنها دولة راعية لـ"الإرهاب"، وتسعى جاهدة للعمل على رفع اسمها من قائمة هذه الدول، ولكن سماح إيران لمواطنيها بحرق السفارة السعودية فى طهران قد يعرضها لعقوبات دولية، لاسيما أن المعاهدات الدولية تحتم على الدول حماية السفارات الأجنبية الموجودة على أراضيها طبقا لاتفاقية "فيينا".
وظنت طهران أنها القوة الوحيدة فى المنطقة، خاصة أن المنطقة العربية باتت مفتوحة شرقًا بعد سقوط صدام حسين، الذى كان يشكل ردعًا للدولة الشيعية وأهدافها التوسعية فى المنطقة، وندرك تمامًا أن إيران تحمل حقدًا دفينًا ضد كل ما هو عربى أو سنى.
لا بأس، فالعلاقة بين المملكة العربية السعودية وإيران دخلت منعطفًا خطيرًا بعد إعلان المملكة العربية السعودية قطع علاقاتها الكاملة مع النظام الإيرانى وطرد سفيرها من الرياض، على خلفية اقتحام سفارتها فى طهران، وتدخلها "الفج" فى شئون المملكة الداخلية وانتقادها العلنى للقضاء السعودى على خلفية إعدام الزعيم الشيعى "نمر النمر"، الذى أدين بالإرهاب، فى الوقت الذى لم يتدخل فيه أحد فى الشئون الداخلية الإيرانية عندما قامت وتقوم به من إعدامات كثيرة لأهل السنة والعرب الموجودين على أراضيها.
تدهور العلاقات بين البلدين ينذر بعواقب وخيمة على المنطقة بالكامل، وبدأت تلوح فى الأفق حرب طائفية ومذهبية إقليمية بالمنطقة، المواجهة المسلحة المباشرة، بين الطرفين باتت تقترب أكثر فأكثر، فضلًا عن وجود مواجهات غير مباشرة بين الطرفين فى كل من اليمن وسوريا، فيما يعرف "حروب بالوكالة".
هذا التدهور فى العلاقات بين البلدين لم يكن وليد اللحظة، فإيران تدعم المتمردين فى اليمن والبحرين، كما عملت ومن أول وهلة على دعم النظام السورى، حيث أمدته بالمال والسلاح والوقود، وتشير تقارير إعلامية إلى أن طهران تمد نظام الأسد بنحو مليار دولار كل 15 يومًا، فضلا عن السلاح، إلى جانب وجود قوات من الحرس الثورى الإيرانى تقاتل بجانب الجيش السورى.
فالبرغم من أن إيران تدرك جيدًا أن رحيل الأسد بات مسألة وقت، إلا أن أحفاد "الخمينى" يريدون أن يكون لهم قدم فى سوريا ما بعد الأسد، خاصة أن سوريا كانت مؤثرة بشكل كبير على المشهد فى العراق ولبنان، والتى باتت لطهران اليد الطولى فى هاتين الدولتين.
هذا التدهور الخطير فى العلاقات بين البلدين، يلقى بظلاله على فرص حل أزمات المنطقة، خاصة القضية السورية، التى بدأت تلوح فى الأفق سبلا لحل أزمتها المعقدة، ففى التاسع عشر من شهر ديسمبر من العام الماضى وافق مجلس الأمن على خطة طموحة لإنهاء النزاع المسلح فى سوريا، وتبع هذا القرار تحركات على المستوى الدبلوماسى لعدد من الدول المؤثرة فى المشهد السورى، إلا أن تدهور العلاقة بين السعودية وإيران سيطيح بكل تلك الآمال التى تعلقت بقرب إنهاء النزاع فى سوريا.
هناك تناقض واضح فى الأهداف لكلا الطرفين فى النزاعات المسلحة بالمنطقة، فطهران تدعم الجماعات المؤيدة لها فى البحرين واليمن وسوريا والعراق ولبنان بالمال والسلاح، رغبة منها فى تنفيذ مشروعها التوسعى بالمنطقة على حساب العرب والسنة.
بجب أن تدرك إيران أن السعودية ليست وحدها فى هذه الأزمة، فكل العرب والمسلمين يقفون بجوار المملكة قلبًا وقالبًا، يجب على الجميع أن يدرك أن الوقوف صفًا واحدًا تجاه المد الصفوى بالمنطقة هو السبيل الوحيد للقضاء على هذا المشروع الذى لا يريد خيرًا للعرب وللسنة، كما أن فكرة إنشاء تحالف سنى كبير بالمنطقة سيشكل حائط صد ضد توغل وتوحش إيران فى المنطقة.