كان الناقد الأدبى أنور المعداوى أكبر ناقد أدبى فى الوطن العربى فى الفترة ما بين عام 1948 حتى 1952، وصاحب ما أسماه «الأداء النفسى فى الفن»، واعتبره هو نظرية نقدية.. كان وسيما، أنيقا، مديد القامة، مثقفا، جذابا، ارتبط بقصة حب عنيفة مع الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان دون أن يلتقيا مرة واحدة فى حياتهما، حسبما يذكر الكاتب والناقد رجاء النقاش فى كتابه «بين المعداوى وفدوى طوقان - صفحات مجهولة فى الأدب العربى المعاصر».
ولد المعداوى يوم 3 مايو 1920 بقرية «معدية مهدى» بمحافظة كفر الشيخ، وتخرج فى كلية الآداب قسم اللغة العربية سنة 1946، ومات يوم 7 ديسمبر 1965.. يذكر «النقاش» أنه كان يوم وفاته ذاهبا إلى عمله فى الصباح، وأحس بتعب، وعاد إلى بيته ليستريح قليلا، ولكنه مات بعد عودته.. يضيف «النقاش» أنه أصدر فى حياته كتابين اثنين، أولهما «نماذج فنية من الأدب والنقد سنة 1951، والكتاب الثانى «على محمود طه.. الشاعر والإنسان»، وصدر عن وزارة الثقافة العراقية سنة 1965، والكتاب الثالث «كلمات فى الأدب»سنة 1966، وصدر بعد وفاته بشهور.. يؤكد النقاش أن له من المقالات والدراسات يمكن جمعها فى ثلاث كتب. تعرف «النقاش» عليه، واقترب منه بداية من عام 1951.. أما فدوى طوقان التى ارتبط بها فى قصة حب.. فهى المولودة فى نابلس بفلسطين عام 1917، وكانت شاعرة، جميلة، جذابة، لكنها تعيش وسط تقاليد عائلية قاسية، تفرض على المرأة الزواج من نفس عائلتها أو نفس بلدها.
ولدت قصة حبهما فى الفترة من 1951 إلى 1954، وظلت مجهولة حتى أزاح «النقاش» الستار عنها فى كتابه، وذلك بكشفه عن 17 رسالة خاصة من المعداوى إليه فدوى.. يذكر «النقاش» أن فدوى منحته هذه الرسائل فأجرى دراسة عليها، وأصدر كتابه مؤكدا فيه قصة حبهما، وأن هذا الحب بدأ عندما عرض عليها أن ينشر لها شعرها فى ديوان، ونشر ديوانها الأول فى مصر «وحدى مع الأيام»، وذلك قبل أن تتطور علاقتهما عاطفيا..يؤكد «النقاش»: «سهر المعداوى على طبع هذا الديوان واهتم بإخراجه وكأنه عمل خاص به».
أثار كشف «النقاش» ضجة كبيرة، ورفضها الناقد الأردنى الدكتور عيسى الناعورى، مستندا إلى أن دراسة «النقاش» تعتمد على رسائل المعداوى إلى فدوى، فى حين لم تظهر رسائل فدوى إليه، فردت هى برسالة إلى «ناعورى» يوم 26 يناير، مثل هذا اليوم 1985، قالت فيها: «نعم كان هناك حب حقيقى وعبرت عنه بأكثر من قصيدة»، وأوضحت: «أما بشأن مصير رسائلى فحقيقة الأمر هو أننى كنت حدثت أنور فى بعض تلك الرسائل عن إصابتى بمرض بغض الأهل، لشدة ما كنت أعانى من اضطهاد وظلم وفظاظة من قبل بعض أفراد أسرتى، وقد رجوته أن يبقى هذه المعلومة سرا مكتوما، إذ كنت أرى فيها مهانة لى ولمركزى الأدبى، فأكد لى أن رسائلى لن تقع يوما فى يدى إنسان، وهذا يؤكد أن أنور قام بإتلافها وفاء بعهد قطعه على نفسه، ومن يعرف أنور عرف مدى ما كانت تتحلى به شخصيته من مروءة وشهامة»، وسبق ذلك اعترافها لرجاء بتاريخ 1 يناير 1980: «قصتى مع أنور توجع القلب دائما بما انتهت إليه من طابع مأساوى».
الطابع المأساوى عند فدوى هو ظنها أن «المعداوى» تهرب منها فى أواخر فترة الرسائل بينهما، فلم تصدق أنه كان مريضا حسب روايته لها..تقول: «فى العامين الأخيرين من مراسلاتنا ضقت ذرعا بالتوتر والألم الذى كان يسببه لى بانقطاعه المفاجئ عنى، ثم عودته معتذرا بالمرض، وحين تكرر ذلك توهمت أنه كان يحب اللعب بعاطفتى تجاهه، وتسلطت علىّ تباعا لهذا الوهم كبرياء غبية وحمقاء، خلقت عندى إحساسا خاطئا بأن قصة مرضه كانت غير حقيقية مائة فى المائة، لذلك لم أرد على آخررسالتين بعث بهما إلى، وصممت على رفع جدار بينى وبينه، وكانت النهاية عند هذا الجدار المصمت».
سكن مرض بالكلى وضغط الدم الخبيث جسد «المعداوى»، مما أصابه بالكآبة واعتزاله الناس وعودته إلى بلده، غير أنه كان يعانى من مرض يمنعه من الزواج لم يكشفه ولم يعرفه أحد، حسب قول النقاش، وظل يعانى منه حتى الموت.. يذكر النقاش أن القسم الأول من رسائله يحاول أن يؤكد فيه لفدوى أن شعوره نحوها هو شعور الأخوة الصادقة، ويحاول أن يهرب من أى تلميح من جانبه إلى أى معنى عاطفى، وعندما بدأت تبوح بعواطفها نحوه، وبدأ هو يعجز عن كتمان عواطفه إذ به يكتب لها فجأة «يجب الآن أن نفترق».
يؤكد النقاش: «عاش الاثنان حبيبين رومانسيين.. وظلت أفراحهما وأحزانهما تجد تعبيرها على صفحات الورق حتى تحطمت وتهشمت وانتهى الأمر كله بموت المعداوى سنة 1965 فى سن الخامسة والأربعين، وفى نفسه جرح عاطفى عميق وألم دفين لفقدان هذا الحب، أما فدوى فاعتصمت لعالمها الداخلى ومشاعرها الخاصة، وأقامت بينها وبين الحياة الخارجية نوعا من العزلة الشفافة».