من أكثر الأمور التى تؤرق رئيس مجلس النواب منذ بدء الفصل التشريعى الأول فى يناير 2016 عدم التزام الكثير من أعضاء البرلمان بالكثير من التقاليد والسوابق البرلمانية، فضلا عن ضربهم ببعض نصوص اللائحة الداخلية للبرلمان والصادرة بالقانون رقم (1) لسنة 2016 عرض الحائط.
وبالرغم من مرور 4 أدوار انعقاد وبدء الخامس منذ شهور، فإن نفس الممارسات من جانب بعض النواب لازالت تفرض نفسها بقوة على قاعة الجلسة العامة للبرلمان، ما يؤثر فى كثير من الأحيان على سير الجلسات، ويدفع الدكتور على عبد العال إلى التهديد برفع الجلسة لحين عودة الانضباط للقاعة، هذا إلى جانب ظاهرة غياب النواب المُتكررة على مدار الفترة المُنقضية على انعقاد المجلس، والتى أخرت إقرار العديد من التشريعات التى تتطلب موافقة أغلبية الثلثين لفترات طويلة فى أدوار الانعقاد المُختلفة.
ومن مشاهد عدم التزام الكثير من النواب بالتقاليد البرلمانية الراسخة، الحركة المستمرة داخل قاعة المجلس أثناء انعقاد الجلسة، وانشغال الأعضاء بغير موضوع المناقشات والأحاديث الجانبية التى تنتشر بين الأعضاء أثناء الانعقاد، فضلا عن انشغال الكثير من النواب بالتليفونات المحمولة، فضلا عن انتشار السلام والأحضان وتبادل التحية بحرارة بين النواب داخل القاعة من الأمور التى التقاليد والعادات البرلمانية فى العالم كله وليس فقط فى البرلمان المصرى.
أيضا من المشاهد التى تحمل تناقضات تحت قبة البرلمان وتُعد مخالفة للتقاليد البرلمانية وتُنافى المنطق، أن يحضر أحد الوزراء إلى قاعة الجلسة العامة للرد على الآليات الرقابية المُقدمة من أعضاء مجلس النواب من طلبات إحاطة وبيانات عاجلة وطلبات مناقشة عامة وأسئلة، وينشغل بعض الأعضاء بالالتفاف حول الوزير للحصول على "تأشيرة" على طلبات أهالى الدائرة، وفى الوقت الذى يُفترض أن يواجه فى النواب الوزير وممثلى الحكومة بكل قوة وحزم نجد نائب ينحنى للوزير للحصول على توقيعه، الأمر الذى دائما ما يثير غضب الدكتور على عبد العال، رئيس المجلس، وقال فى إحدى الجلسات "لازم عضو مجلس النواب يقدم نفسه للوزير على أنه ممثل للشعب ولا ينحنى إطلاقا .. أنا باشوفه بينحنى ميصحش"، وتابع، "كل ما المجلس يكون قوى يستطيع أن يفرض إرادته فى المحافظات والوزارات، لازم المجلس يكون قوى أمام الحكومة والانحناء من النائب مينفعش أنت ممثل للشعب".
وكثيرا ما عبر الدكتور على عبد العال، رئيس البرلمان، عن غضبه أيضا من انشغال النواب أثناء الجلسة عن موضوع النقاش سواء بالحديث فى الهاتف المحمول أو بتبادل التحية والسلام والأحضان والقبلات بين النواب، وبلغ غضب عبد العال ذُروته خلال الجلسة العامة أمس الثلاثاء، بسبب عدم التزام النواب داخل القاعة خلال استقبال شرفات المجلس وفد برلمانى فرنسى، ما أثار استياء رئيس المجلس ودفعه لتوجيه عدد من الرسائل للنواب، بعضها حمل لوماً، والآخر عتاب، وامتد ليعدد الكثير من المخالفات للأعراف والتقاليد البرلمانية التى يمارسها البعض.
ورغم ما تنص عليه لائحة البرلمان بأن رئيس المجلس هو المسئول عن الحفاظ على النظام داخل الجلسة، وما تُخوله له اللائحة من صلاحيات فى هذا الشأن، إلا أنه أكد: "لا تقاليد تنفع ولا لائحة تشفع إلا إذا كانت هناك إرادة حقيقية من النواب فى الالتزام"، وعدد عبد العال، بعض الممارسات البرلمانية المخالفة للتقاليد والأعراف ومنها "السلام" و"الأحضان"، مضيفاً: "هى أمر غير موجود إلا لدينا، وغير مألوف فى المجالس النيابية، كذلك الحديث مع الوزراء داخل القاعة والسلام عليهم ممنوع".
مخالفات النواب داخل قاعة البرلمان لم تتوقف عند التقاليد والثوابت البرلمانية فقط، بل امتدت للائحة البرلمان التى وضعها البرلمان الحالى بنفسه ووافق عليها بأغلبية أعضائه، ومن أكثر المخالفات اللائحية التى اعتاد بعض النواب على ارتكابها الجلوس فى المقاعد الأمامية المُخصصة لرئيس مجلس الوزراء والوزراء وممثلى الحكومة، فقد نصت المادة (425) من اللائحة على أن يُخصص لرئيس مجلس الوزراء وللوزراء ولممثلى الحكومة الصفوف الأولى من مقاعد الوسط فى قاعة الجلسة عند حضورهم الجلسات، وهو ما لا يلتزم به بعض النواب، ودائما ما يوجه رئيس المجلس هؤلاء الأعضاء بالالتزام بنص اللائحة وترك المقاعد المُخصصة للوزراء.
كما خصص المُشرع فصلا خاصا لحضور الأعضاء وغيابهم بلائحة مجلس النواب، حيث يُنظم عملية حضور وغياب النواب عن الجلسة العامة واجتماعات اللجان النوعية وطلب الإجازة، إلا أن كثير من النواب لا يُعيرون أى اهتماما لهذا الفصل من اللائحة، ويؤثر غياب النواب على كثير من الأمور تحت قبة البرلمان، وفى كثير من الأحيان كان سببا في تأخر الموافقة عل ى مشروعات قوانين هامة تحتاج إلى موافقة ثلثى الأعضاء، كما أن غياب النواب كان سببا أيضا فى إسقاط طلب بسحب الثقة من وزيرة الصحة والسكان خلال جلسة مناقشة الاستجواب المُقدم لها من النائب محمد الحسينى.
وكثيرا ما حذر الدكتور على عبد العال، رئيس مجلس النواب، Hعضاء البرلمان من الغياب المُتكرر، ولوح كثيرا إلى نشر أسماء الأعضاء المتغيبين عن الجلسات العامة بوسائل الإعلام والصحافة حتى يتحمل كل نائب مسئوليته السياسية أمام أبناء دائرته، إلا أنه لم يفعل ذلك قط وكان الأمر يتوقف عند التهديد فقط، ووصف عبد العال تغيب النواب عن الحضور بأنه استرخاء وعدم مسئولية.
وتضع لائحة البرلمان قواعد الكلام فى الجلسة العامة، وتحظر الخروج على قواعد الكلام فى الجلسة، إلا أن بعض النواب، وبعد مرور نحو 4 سنوات كاملة على انعقاد المجلس، لا يلتزمون بتلك القواعد، فمثلا تنص المادة (290) على أنه لا يجوز لأحد أن يتكلم فى الجلسة إلا بعد أن يطلب الكلمة ويأذن له الرئيس، والبعض لا يلتزم بذلك ويحاول انتزاع الكلمة بالقوة، كما تنص المادة (292) على أنه لا تجوز المناقشة فى موضوع غير وارد فى جدول الأعمال إلا بناءً على طلب الحكومة أو رئيس المجلس، أو بناء على طلب كتابى مسبب يقدم إلى رئيس المجلس من أحد ممثلى الهيئات البرلمانية، أو من عشرين عضوا على الأقل، وعلى الرغم من ذلك كثيرا ما يطلب النواب الكلمة للحديث عن مشروع قانون أو اتفاقية ما معروضة على الجلسة العامة وينتهز الفرصة ويتسلل إلى موضوعات أخرى لا علاقة لها بموضوع المناقشة، ما يُعد مخالفة واضحة للائحة المجلس.