«بسم الله الرحمن الرحيم، يا أهالى أجهور، أنا سعد إدريس حلاوة، أنا منكم وعارفين إننى فلاح زيكم بازرع أرضى بإيدى وبعرقى، ماسبتهاش ورحت أبيع الجاموسة، أو أرهن البيت أو أستلف علشان أشترى تذكرة سفر أو عقد مزور فى ليبيا أو السعودية، كل واحد فيك عارفنى وعارف بيتى وعارف عيلتى، عارفنى وعارف أخلاقى، وعارف إنى وارث من المرحوم والدى ثلاثة فدادين، وعايش فى حالى ومستور والحمد لله، يعنى مش محتاج، لكن العار والمهانة اللى بيتعرض لها شرفنا النهاردة، تخلينا ما نلبس طرح الستات ونسكت، أو نخاف على بيت أو جاموسة أو زرعة، تخلينا لازم نتحرك، لازم ندافع عن شرفنا بدمنا، لازمتها إيه العيشة وشرفنا بينداس وينباع قدام عنينا، مصر هى شرفنا، مش هى الخديوى السادات وحاشيته علشان يبيعها للصهاينة والأمريكان، مصر هى أنتم وأنا وكل الشعب الشقيان اللى الخديوى لاهيه فى الجرى ورا لقمة عيشه، علشان هو وعصابته يعرفوا يبيعوها ويقبضوا وينهبوا كويس، يا أهالى أجهور النهادرة 26 فبراير 1980، والنهاردة بالذات السادات فتح لإسرائيل سفارة فى الدقى، ورفعوا عليها علمهم، رفعوه يدنس أرض مصر وسماها».
هكذا خاطب سعد إدريس حلاوة أهل بلدته «أجهور الكبرى» مركز طوخ، محافظة القليوبية، حسبما يذكر الكاتب الصحفى شفيق أحمد على فى كتابه «من الملف السرى للسادات والتطبيع: عملية اغتيال سعد حلاوة»، «طبعة خاصة_القاهرة»، وذلك بعد أن تجمعوا حول مبنى الوحدة المحلية للقرية فور أن شاع فيها خبر سيطرة سعد على المبنى، ووجوده فى حجرة بالدورالثانى فيه ومعه رشاش ويحتجز اثنين من الموظفين.
لم يدر أهل «أجهور» وهى واحدة من أكبر قرى مركز طوخ، لماذا أقدم سعد على هذا؟، نعم هو معروف بينهم كمثقف ودائم القراءة مما جعله صاحب وجهة نظر فى الحياة، ويتصف بالجود والكرم والشهامة والعطف على الفقراء حسبما جاء فى رسالة تلقيتها من ابنة عمه «هالة حلاوة» ونشرتها فى مقالى بجريدة «انفراد -15 إبريل 2011»، وأمام هذه الصفات اكتسب سؤال الأهالى جدارته؟.
يروى «شفيق أحمد على» قصة الحدث كاملة فى كتابه.. يذكر أن سعد أذاع جزءا من خطاب لجمال عبدالناصر يقول فيه: «أيها الإخوة المواطنون: «إن الذين يقاتلون، يحق لهم أن يأملوا فى النصر، أما الذين لا يقاتلون، فلا يحق لهم أن ينتظروا شيئا إلا القتل».. كان «سعد يحمل معه مكبر صوت، وجهاز تسجيل وأشرطة كاسيت لمقرئ القرآن الكريم عبدالباسط عبدالصمد، وخطب بصوت عبد الناصر، وأغانى عبدالحليم حافظ الوطنية، وكانت ممنوعة بقرار من السادات وقتئذ، وبعد صوت عبدالناصر خطب هو فى الناس كاشفا هدفه، وعلى الفور ذهب عمه «عمدة القرية» إلى مركز شرطة طوخ وقدم بلاغا ضد ابن شقيقه متهما إياه بالجنون، ومن هنا بدأ الخبر فى التنقل إلى المستويات العليا حتى وصل إلى السادات نفسه فجن جنونه.
كان السادات يتلقى فى نفس اليوم بقصر عابدين من «إلياهو بن أليسار» أوراق اعتماده، كأول سفير لإسرائيل فى القاهرة، وغضب بشدة حين تلقى الخبر من اللواء النبوى إسماعيل وزير الداخلية.. قال النبوى له: «حتة واد فلاح من بلد اسمها أجهور تبع طوخ حاجز موظفين فى الوحدة المحلية، وبيقول إذا لم نطرد السفير الإسرائيلى ونذيع بيانا خلال 24 ساعة، هيقتل الرهاين ويقتل نفسه بالرشاش اللى معاه، ولامؤاخذة ياافندم الولد معاه ميكرفون وعمال يشتم الست هانم وكمان شتمنا كلنا»، رد السادات: قلة أدب وبذاءة تبع مى نده يا نبوى؟، رد النبوى: لسه مدير الأمن مكلمنى وبيقول إنه بيذيع خطب عبدالناصر ياريس، رد السادات: عبدالناصر مين يا نبوى، أنت مستنى إيه، هو مش بيقول إنه هيموت نفسه، يبقى خلاص، ابعتوه لعبد الناصر بتاعه، الأشكال دى ما ينفعش معها إلا كده، ولا مستنى لما يعملوه بطل، ويطلع لنا ولد مجنون من القرية اللى جنبه واللى جنب اللى جنبه، وشوية الرعاع إياهم يطلعوا لى تانى فى الشوارع ويقولوا انتفاضة شعبية، جرا لك إيه يا نبوى، أنت مش عارف شغلك ولا إيه، حط سماعة التليفون وخليك على اتصال بى من هناك».
يؤكد «شفيق»، أن النبوى نزل بنفسه للإشراف على تصفية الحدث، وكانت قوة أمنية هائلة موجودة بإشراف مساعده اللواء حسن أبوباشا.. استعان النبوى بوالدة سعد للتأثير عليه، فرد سعد على توسلاتها بأغنية «ست الحبايب يا حبيبة»، وذلك بواسطة جهاز التسجيل الموجود معه، ولما ترجته من أن يرحمهم من البهدلة رد: «افتحى قبر أبويا واعتبرينى من الشهداء».. كما رفض توسلات خاله «نور حلاوة» صاحب التأثير الكبير عليه، فأعطى «النبوى» أوامره لتنهال الرصاصات والقنابل من كل اتجاه على نافذة الحجرة. قبل أن تفيض روح سعد كتب بدمائه على الحائط: «اطردوا السفير الإسرائيلى من القاهرة، ولتحيا مصر حرة، ولتحيا مصر عربية».. وكتب الشاعر نزار قبانى عنه: «إذا كان سعد حلاوة مجنونا فيجب أن نستحى من عقولنا، وإذا كان متخلفا عقليا فيجب أن نشك فى ذكائنا».