كان ذلك لسنوات عدة، فى زمن كانت الثورات العربية أو ما عرف بالربيع العربي محل اهتمام واسع لدى الإعلام الغربي، تابعت الدول الأوروبية عن كثب تطورات المشهد فى بلدان الشرق الأوسط، وتأملت عبر إعلامها العابر للقارات صعود تيارات الإسلام السياسي والجماعات التكفيرية والمتطرفة بشغف لم يخلو من الشكوك والمخواف، ورصدت رحلتها داخل قصور الرئاسة ودواووين الحكم وداخل جدران البرلمانات، وهى الرحلة التى تزامنت مع صعود مماثل لتلك التيارات داخل الدول الأوروبية بدعم من دول راعية للإرهاب في مقدمتها قطر وتركيا.
وفى فرنسا، وبأموال قطرية، ظهر للمرة الأولى حزب إسلامي، فى عام 2012، حاملاً اسم اتحاد "الديمقراطيين المسلمين"، بالتزامن مع وصول جماعة الإخوان الإرهابية للحكم فعليا داخل تونس ومصر، وهو الوصول الذى فتح باب القبول أمام حزب إسلامي داخل الجمهورية الفرنسية.
وجاء ظهور الحزب المثير للجدل والذى يعتزم المنافسة فى الانتخابات البلدية داخل فرنسا المقررة خلال العام الجاري، فى فترة رئاسة فرانسوا هولاند، حيث أسس الحزب الذي يشكل أحد أزرع التنظيم الدولي لجماعة الإخوان الإرهابية نجيب أزروجوي، وهو من مدينة نانت "أوت دو سين"، وكان خبيراً فى مجال التدريب على الكمبيوتر.
الحزب الذي اتهمته وسائل إعلام فرنسية عدة بتلقي تمويلات أجنبية غالبيتها من قطر وبعضها من تركيا، بهدف نشر الفكر المتطرف، استطاع فى سنواته الأولى كسب تعاطف الأقلية المسلمة والعربية فى فرنسا، من خلال تبنيه خطاباً سياسياً يهدف فى المقام الأول للدفاع عن مصالح أبناء الأقلية المسلمة وذوو الأصول العربية والأفريقية، فضلاً عن ترويجه لأجندة إسلامية مستترة، حيث دون رئيسه نجيب أزروجوي على مدونته الشخصية منذ نشأتها: "المسلم أصبح حجة انتخابية كبيرة ومتكررة فى الحياة السياسية فى بلدنا..الأزمة الاقتصادية، زيادة الدين العام، انفجار البطالة، هذه "المشاكل الأساسية".
ولم تقتصر التحذيرات على وسائل الإعلام الفرنسية، حيث حذر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قائلاً في خطاب في مدينة مولهاوس الشرقية: يجب ألا نقبل أبدا أن قوانين الآخرين يمكن أن تكون أعلى من قوانين الجمهورية، وأن الانفصالية الإسلامية ـ فى إشارة للإخوان وجماعات الإسلام السياسى ـ تتعارض مع الحرية والمساواة، وتتعارض مع عدم تجزئة الجمهورية والوحدة اللازمة للأمة.
وأشار تقرير نشرته "فورين بوليسي"، إلى أن خطاب ماكرون ونبرته الحادة حمل إشارات لا يمكن إغفالها لمخاطر تمويلات قطر وغيرها من الدول لجماعات الإسلام السياسي فى البلاد، موضحة أن خطاب ماكرون لم يكن مفاجأة لأي شخص تابع الجدل الفرنسي حول الإسلام السياسى خلال السنوات القليلة الماضية، فلقد انتشرت مصطلحات مثل "الانفصالية الإسلامية" و"الطائفية" و "التفوق الإسلامي" - التي شكلت في السنوات السابقة مفردات شبه حصرية لحزب الجبهة الوطنية الذي يحمل اليوم اسم التجمع الوطني -حزب مارين لوبان اليميني المتطرف.
وتمول قطر الأحزاب المتطرفة داخل دول عدة كما هو الحال فى فرنسا تحت ستار العمل الإنساني، حيث حصلت "قطريليكس" على مستندات خاصة تكشف تورُّط قطر الخيرية، فى تمويل أنشطة الإخوان فى القارة العجوز، من بينها خطاب موجَّه من جمعية قطر الخيرية، إلى جمعية تُدعَى "ابن رشد"، تبلغها أنه تم تحويل مبلغ 88 مليون يورو إلى حساب الجمعية فى فرنسا لاستكمال أنشطتها فى الخارج.
بينما كشف خطاب آخر عن تحركات الجمعية فى باريس، إذ رد "عمر الأصفر" رئيس جمعية "ابن رشد"، بخطاب موجَّه إلى جمعية قطر الخيرية، يعود تاريخه إلى شهر ديسمبر 2015 يبلغهم فيه بأن الجمعية تسلمت مبلغ 925 ألف يورو على دفعتين من "قطر الخيرية".
ووفقا لصحيفة لو باريزيان الفرنسية، فإن اتحاد الديمقراطيين المسلمين الفرنسيين، يعرف نفسه رسمياً على أنه حزب "يهدف فى الأساس لمحاربة كراهية الإسلام فى جزء من الخطاب السياسي"، إلا أن نشاط الحزب وطبيعة نشأتها وما يتلقاه من تمويلات يظل أمراً مثيراً للكشوك.
وفى محاولة لدفع تهم الترويج للفكر المتطرف ولأجندة تهدف إلى تغيير هوية المجتمع الفرنسي، يزعم نجيب أرزوجى أن الحزب يراعى مبادئ الجمهورية، واليمين المتطرف يضعنا في مواجهة دائمة معه، ويصورنا أعداء للداخلية وللبلاد، ونود أن نوصل رسالة (نحن لسنا في فرنسا لإحداث تغيير).
غير أن ارتباط الحزب الفرنسي بالتنظيم الدولي للإخوان كان دوماً حاضراً وواضحاً، حيث اعتاد حساب الحزب على تويتر النشرات الصحفية الصادرة عن منظمة "مسلمو فرنسا" أي اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا السابق، والمعروف بقربة من الإخوان، فقد قام أزرجي بتهنئة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حامي الإخوان بعد انتخابه يوم 24 يونيو 2018، كذلك ينقل موقع الحزب على الإنترنت أخبار مدرسة ابن رشد الثانوية في ليل المملوكة للتنظيم.
وكانت المرة الأولى التى يترشح فيها الحزب في الانتخابات المحلية كانت فى عام 2014 ، فى بوبينى (سين سانت دينيس)، ولكن تم رفض الترشيح فى اللحظة الأخيرة بسبب نقص في أوراق ومستندات الحزب. وفى عام 2015 ، بدأ الحزب الانتشار فى ثمانية كانتونات، لتفسير سبب هزيمته ، بأنه كان أحد ضحايا الترهيب من قبل الطبقة السياسية وعلى أرض الواقع".
في انتخابات 2015 الأقليمية، قدم الحزب قائمة في منطقة إيل دو فرانس بقيادة نزار بورشادا القيادي في منطقة فال دو مارن، وحصل الحزب على 12،528 صوتًا وعلى 5.9٪ من الأصوات في بلدة مانت لا جولي، وتم الإعلان بالفعل عن قوائم البلدية لعام 2020 في جويه ليتور، وفول اون فيلين، وهما مدينتان تتحول فيهما ممارسة الإسلام إلى السلفية، كما بين كتاب "المساجد الراديكالية" (دار نشر دي ام ام 2016).