السادات أدهش العالم بزيارة تل أبيب فى نوفمبر 1977.. وخاض معركة السلام بدعم من "كارتر" بـمنتجع "كامب ديفيد"
12 يوما من المفاوضات الدبلوماسية والقانونية أسفرت عن معاهدة السلام فى 26 مارس 1979
المعاهدة حددت عدد القوات فى سيناء والمنطقة الحدودية الجنوبية لإسرائيل داخل المناطق "أ، ب، ج، د" وأسست قوة متعددة الجنسيات من 12 دولة لمراقبة بنود الاتفاق
تحتفل مصر والقوات المسلحة فى الـ 25 من أبريل كل عام بذكرى تحرير سيناء، الذى تم خلاله إعلان انسحاب القوات الإسرائيلية من أرض سيناء بالكامل، عدا منطقة طابا، التى تم الانسحاب منها فى 19 مارس عام 1989، بعد عرض القضية على التحكيم الدولى ونجاح مصر فى استرداد طابا، بعد معركة دبلوماسية وقانونية شرسة نجحت خلال الجهود المصرية فى تحرير الأرض من أيدى المستعمر الغاشم.
وقد كان الرئيس الراحل أنور السادات، يرى فى السلام جذريا لمشكلة الصراع العربى الإسرائيلى، وقد وضحت نيته فى إقرار السلام منذ محادثات الكيلو 101، التى جرت بين مصر وإسرائيل بإشراف الأمم المتحدة للوصول إلى تحديد خطوط وقف إطلاق النار فى أعقاب حرب أكتوبر 1973 تنفيذاً لقرار مجلس الأمن الدولى رقم 338، بعدما تقدم الاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة الأمريكية بمشروع قرار مشترك إلى مجلس الأمن تضمن دعوة جميع الأطراف المشاركة فى القتال إلى وقف إطلاق النار بصورة كاملة وإنهاء جميع الأعمال العسكرية فى مدة لا تتجاوز 12 ساعة من لحظة اتخاذ هذا القرار.
ووافق مجلس الأمن على القرار فى 22 أكتوبر 1973 ووافقت عليه مصر فور صدوره، فى حين لم تحدد إسرائيل موقفها منه، وعادت إلى مواصلة عدوانها قاصفة مدينة السويس، ودافعة بقوات جديدة لتعزيز قواتها فى ثغرة الدفرسوار.
وعقد مجلس الأمن اجتماعا ثانيا فى 23 أكتوبر 1973 وأصدر قرارا جديدا برقم 339 دعا فيه مجدداً إلى وقف إطلاق النار وعودة الأطراف المتحاربة إلى المواقع التى كانت تحتلها قبل 22 أكتوبر 1973، ولم ترضخ إسرائيل لقرار مجلس الأمن الدولى الجديد، واستمرت فى إطلاق النار والتقدم داخل الأراضى المصرية بهدف حصار السويس والجيش الثالث الميدانى.
وقد اجتمع مجلس الأمن الدولى للمرة الثالثة فى 25 أكتوبر 1973، وأصدر قرارا ثالثا حمل الرقم 340، جدد فيه دعوته لوقف النار فورا، وقرر إنشاء قوة طوارئ تابعة للأمم المتحدة مؤلفة من أفراد تقدمهم الدول الأعضاء فى المنظمة الدولية باستثناء الدول التى تتمتع بعضوية دائمة فى مجلس الآمن وإثر صدور هذا القرار توقف إطلاق النار على الجبهة المصرية، فدعا الجنرال إنزيو سيلاس?و قائد قوة الطوارئ الدولية، مصر وإسرائيل إلى عقد اجتماع يبحث فى الترتيبات اللازمة لوقف إطلاق النار.
وعقد الاجتماع الأول فى خيمة تابعة للأمم المتحدة نصبت عند الكيلو 101 على طريق القاهرة-السويس، فى 28 أكتوبر 1973، وقد تم بإشراف الجنرال أنزيو سيلاسفو ممثلاً للأمم المتحدة، وحضور وفد مصرى برئاسة الفريق محمد عبد الغنى الجمسى، ووفد إسرائيلى برئاسة الجنرال أهارون ياريف، وقد تركزت المباحثات حول وضع الأسرى وجرحى الطرفين، وتزويد مدينة السويس والجيش المصرى الثالث بالمواد الغذائية وماء الشرب، وتحديد المواقع التى يمكن أن ترابط فيها قوات الطوارئ الدولية، ورسم خطوط 22 أكتوبر لتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولى.
وبدأت جولة جديدة من المباحثات مع الجانب الإسرائيلى فى يناير 1974 فى أسوان بحضور وزير الخارجية الأمريكى الأسبق هنرى كيسنجر، والتى ترتب عليها انسحاب أكثر من 1000 دبابة و70 ألف جندى مصرى من الضفة الشرقية لقناة السويس وتخفيض القوات المصرية فى سيناء، لإثبات نوايا السلام، والشروع فى اتفاق حقيقى يضمن مصالح البلدين.
وبقى الأمر على ماهو عليه حتى بدأن الرئيس الراحل أنور السادات يجرى اتصالات ومباحثات سرية وعلنية مع عدد من رؤساء وملوك دول عربية وأجنبية حول السلام مع إسرائيل، خاصة بعد فوز حزب الليكود بتشكيل الحكومة فى عام 1977، بدلا من حزب العمل الذى هيمن على الحياة السياسية فى إسرائيل منذ نشأتها.
وزار السادات فى ذلك التوقيت رومانيا وإيران والسعودية، وقد وصرح فى خطاب له أمام مجلس الشعب المصرى فى افتتاح الدورة، فى 9 نوفمبر عام 1977، عندما قال: "ستدهش إسرائيل عندما تسمعنى أقول الآن أمامكم، أنى مستعد أن أذهب إلى بيتهم، الكنيست ذاته ومناقشتهم "، وبالفعل استمعت إسرائيل إلى رسالة السادات، ورحبت بزيارته فى 19 نوفمبر 1977، عندما هبطت طائرته فى مطار بن جوريون فى تل أبيب، وخطب داخل الكنيست الإسرائيلى، وأكد أن السلام فى الشرق الأوسط ممكن، لكنه يحتاج إلى زعماء شجعان، وقد دعا السادات بيجن لزيارة مصر، وعقد مؤتمر قمة فى الإسماعيلية.
وبعد اجتماع الإسماعيلية بشهر واحد اجتمعت اللجنة السياسية من وزراء خارجية مصر وإسرائيل والولايات المتحدة فى القدس، وفى أثناء انعقاد تلك اللجنة شرعت إسرائيل فى بناء مستوطنات جديدة فى سيناء، لاستخدامها كورقة مساومة على مصر، خاصة أن بيجن لم يكن مستعدًا لقبول تنازلات، وقال وزير الخارجية الإسرائيلى "موشى ديان": "إنه من الأفضل لإسرائيل أن تفشل مبادرة السلام على أن تفقد إسرائيل مقومات أمنها".
وقد تدخل الرئيس الأمريكى "جيمى كارتر" بين مصر وإسرائيل، لبحث عقد اتفاق سلام ووصل الوفدين إلى منتجع "كامب ديفيد" وهو منتجع ريفى يخص رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، يقع بالتلال الشجرية شمال غرب العاصمة واشنطن، فى ولاية ماريلاند، يوم 5 سبتمبر 1978.
وقد استمرت مباحثات " كامب ديفيد " لمدة 12 يوم، وتم التوقيع عليها فى 17 سبتمبر 1978 بين الرئيس المصرى محمد أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلى مناحيم بيجن تحت إشراف الرئيس الأمريكى جيمى كارتر، وقد تم الاتفاق على أهمية الوصول إلى قنوات اتصال دائمة من ناحية الحوار بين مصر وإسرائيل وعدم اللجوء إلى العنف لحسم النزاعات، واقترحت الولايات المتحدة فترة 3 أشهر لوصول الجانبين إلى اتفاقية سلام.
وفى 26 مارس 1979 وعقب محادثات كامب ديفيد تم التوقيع على معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية وكانت المحاور الرئيسية للمعاهدة هى إنهاء حالة الحرب وإقامة علاقات ودية بين مصر وإسرائيل، وانسحاب إسرائيل من سيناء التى احتلتها عام 1967 وضمان عبور السفن الإسرائيلية قناة السويس واعتبار مضيق تيران وخليج العقبة ممرات مائية دولية.
وتبدأ الاتفاقية بمقدمة عن السلام وضروراته وشروطه، ثم تعرض التصور الذى تمّ التوصل إليه "للسلام الدائم فى الشرق الأوسط" وتنصّ على ضرورة التفاوض بين إسرائيل من جهة ومصر والأردن والفلسطينيين من جهة أخرى، والتفاوض المباشر بين مصر وإسرائيل من أجل تحقيق الانسحاب من سيناء التى احتلتها إسرائيل فى عدوان 1967، وإقامة علاقات طبيعية بين مصر وإسرائيل بعد المرحلة الأولى من الانسحاب من سيناء.
وقد نصت معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل على تقسيم سيناء إلى ثلاث مناطق عسكرية " أ، ب، ج " ثم منطقة رابعة فى إسرائيل " د "، والمنطقة " أ " تبدأ من قناة السويس، وحتى أقل من ثلث مساحة سيناء، وفيها تلتزم مصر بعدم زيادة التسليح عن فرقة مشاة ميكانيكية واحدة ومنشآتها العسكرية وتحصينات ميدانية، على أن تتكون الفرقة من 3 ألوية مشاة ميكانيكيى،و لواء مدرع واحد، و7 كتائب مدفعية ميدان، وبحسب الاتفاقية تلتزم مصر بسقف 22 ألف جندى فى تلك المنطقة لا يزيدون.
أما المنطقة " ب " تبدأ جنوبا من حدود شرم الشيخ، وتتسع على شكل مثلث مقلوب لتصل إلى العريش، وتضم هذه المنطقة وسط سيناء وتنص الاتفاقية على أن تلتزم مصر بحد أقصى من التسليح يتمثل فى 4 كتائب بأسلحة خفيفة وبمركبات مدرعة، وتعاون الشرطة المدنية فى المحافظة على النظام فى المنطقة، وتتكون العناصر الرئيسية لكتائب الحدود الأربع بحد أقصى 4000 جندى.
أما المنطقة "ج" فتضم الشريط الحدودى كله، بالإضافة لهضاب منطقة وسط سيناء الشهيرة، ومدينتى طابا وشرم الشيخ، ومدينة رفح المصرية، وفى تلك المنطقة، حسب الاتفاقية، من غير المسموح لمصر نشر قوات عسكرية، حيث تتركز فى تلك المنطقة قوات شرطة، وقوات "ام اف أو" وهى القوة متعددة الجنسيات، على أن تكون الشرطة المدنية المصرية مسلحة بأسلحة خفيفة.
وفى المنطقة الرابعة "د" توجد داخل إسرائيل على عمق 3 كيلو متر وتتواجد فى هذه المنطقة قوة اسرائيلية محدودة من أربع كتائب مشاة ومنشآتها العسكرية ولا تتضمن القوة الاسرائيلية فى هذه المنطقة دبابات أو مدفعية أو صواريخ ارض جو ولا يزيد عدد الجنود بها عن 4 آلاف جندى.
ويتكون معسكر القوة متعددة الجنسيات فى سيناء من قوات لـ 12 دولة مختلفة، هى "أمريكا واستراليا، كندا، كولومبيا، التشيك، فيجى، فرنسا، إيطاليا، نيوزيلاند، النرويج، المملكة المتحدة، ارجواى "، ويبلغ عددها الراهن 1682 عنصرا، تشارك أمريكا بالنسبة الأكبر منهم، بحوالى 707 أشخاص، تليها كولومبيا بعدد 358 شخصا، ثم فيجى بعدد 338 شخصا، بينما تأتى المملكة المتحدة فى المرتبة الأخيرة من حيث عدد القوات المشاركة، حيث يشارك منها عنصر واحد فقط ضمن القوة متعددة الجنسيات.