تحت قائمة من الممنوعات يعيش مرضى الهيموفيليا الذين يحظر عليهم ممارسة أى مجهود أو عمل شاق.. فأجسادهم أقرب للزجاج الذى لا يحتمل الخدوش البسيطة التى قد تكلفهم حياتهم فى بعض الأحيان، أو تصل بهم إلى حد الإعاقة الجسدية نتيجة للنزيف المستمر.
وإلى جانب الآلام التى تنهش أجسادهم هناك آلام نفسية نتيجة للتجاهل الذى يتعرضون له من قبل وزارة الصحة التى ترفض الاستجابة إلى مطالبهم بتوفير العلاج فى مستشفياتها، خاصة بعد ارتفاع أسعار الدولار وتوقف الشركات عن استيراده، وأن عدد المصابين به وصل إلى 10 آلاف مريض.
والهيموفيليا هو "مرض وراثى يعنى نقص عامل تخثر (تجلط) الدم، مما يعطل التوقف التلقائى للنزيف الداخلى أو الظاهرى حال إصابة حامل ذلك المرض بجرح".
محمد نور الدين الطالب بكلية التجارة جامعة القاهرة، أحد هؤلاء المرضى الذين كشفت عملية الختان التى أجريت له بعد ولادته عن إصابته بالمرض، بعد معاناته مع نزيف مستمر لم يتوقف إلا بعد مجهودات شاقة من الأطباء الذين كشفوا لوالده عن إصابة ابنه بالمرض.
وقال "نور الدين" الذى كبر وبات فى العشرينات، إنه يجد صعوبة فى الحركة بسبب تلف بعض المفاصل نتيجة للنزيف الذى يعانى منه منذ صغره، قائلاً: "كنت محرومًا من اللعب أو الحركة أو بذل أى مجهود مقارنة بغيرى من الزملاء".
وعن رحلة العلاج قال لـ"انفراد": "خلال فترة الدراسة من الابتدائى وحتى المرحلة الثانوية كنت أحصل على العلاج من التأمين الصحى بسهولة، وهو الأمر الذى اختلف خلال المرحلة الجامعية، حيث يجد الطلاب المصابون به صعوبة فى الحصول عليه من مستشفى الجامعة".
وقال محمد نور الدين: "على الرغم من المتاعب التى نصادفها فى الحصول على العلاج من الجامعة، إلا أنها لا تقارن بما يصادفه المرضى فى الخارج بسبب ارتفاع سعره، الذى يتراوح من 800 إلى 1200 جنيه للحقنة الواحدة، فضلاً عن ندرة العلاج من الأساس، أنا أعرف ناس ماتت علشان مكنتش عارفة تجيب الدواء".
محمد أبو حجر موظف فى جامعة عين شمس وأحد مرضى الهيموفيليا، قال: "أعانى من مرضى الهيموفليا منذ الصغر، وخلال مرحلة الدراسة لم تكن هناك أزمة فى الحصول على العلاج، حيث كنت أحصل عليه من خلال التأمين الصحى، ولكن بعد عملى كموظف داخل الجامعة بدأت المشكلات تظهر، حيث يتولى صندوق الرعاية الطبية التابع للجامعة توفير العلاج من مستشفى عين شمس التخصصى التى تعانى من نقص علاج "الفاكتور" بشكل ملحوظ، الأمر الذى أدى إلى إصابتى بنزيف متكرر ومتاعب كبرى فى المفاصل.
ومن العاصمة إلى المحافظات ومنها القليوبية والمنصورة وطنطا، حيث كانت الشكوى من اختفاء الدواء حاضرة بقوة، سواء فى المستشفيات التابعة للتأمين الصحى أو للعلاج على نفقة الدولة، حيث أكد عشرات المرضى عدم صرف الدواء منذ عدة أشهر.
أحمد سمير البالغ من العمر 28 سنة، والذى ينتمى إلى محافظة طنطا، يعانى من تلف فى مفصل الركبة والكوع، ويتلقى علاجه بموجب قرارات العلاج على نفقة الدولة، حيث يحصل على مبلغ 2500 كل 6 شهور بواقع 5000 جنيه سنويًا قيمة العلاج من قبل الدولة بمعدل حقنة واحدة شهريًا، وهو مبلغ أقل بكثير عن الاحتياج الفعلى، وعن ذلك يقول "سمير" إن حالته تحتاج إلى 13 حقنة شهريًا للسيطرة على النزيف.
وكشف "سمير"، أن قلة العلاج تدفع المرضى للجوء إلى بلازما الدم، والتى تصيبهم بفيروسات كبدية.
وبحسب الدكتورة "سونيا حبيب"، أستاذ امراض الدم بالمركز القومى للبحوث وسكرتير عام جمعية معا لمساعدة مرضى النزيف، فإن هناك أكثر من 10000 مصرى مصابين بمرض الهيموفيليا مسجل منهم فى الجمعية 7000 آلاف فقط.
وأوضحت، لـ"أليوم السابع"، أن هناك أنواعًا للهيموفليا، منها هيموفيليا "8"، والتى تنشأ نتيجة نقص عامل التجلط رقم 8، وهى الأكثر شيوعًا، ولذلك تسمى "الهيموفيليا الكلاسيكية" وهناك الهيموفيليا "9" والتى تنشأ عن نقص عامل التجلط رقم 9، مشيرة إلى أن مرضى الهيموفيليا معرضون إلى النزيف الداخلى وتحديدًا فى المفاصل والأماكن الحيوية فى الجسم، مما يعرضهم إلى حدوث إعاقات أو قد تصل بهم إلى خطر الوفاة فى حالة عدم السيطرة على النزيف وعدم الحصول على العلاج.
وأكدت، أن الأزمة التى يعانى منها مرضى الهيموفليا هى نقص العلاج، سواء فى مستشفيات التأمين الصحى أو مرضى العلاج عل نفقة الدولة، حيث اختفى دواء "الفاكتور 8"، منذ فترة ولم يعد يصرف للمرضى، وهو ما يعرضهم إلى مخاطر صحية شديدة.
وأضافت، أن الأزمة لا تقتصر على نقص الأدوية فقط فى التأمين الصحى، وإنما هناك معاناة أخرى لا تقل عنها بالنسبة لمرضى العلاج على نفقة الدولة، حيث يتم تخصيص مبلغ 5000 جنيه سنويًا لكل مريض للصرف على العلاج، وهو مبلغ لا يساوى قيمة العلاج المستحق شهريًا.
وكشفت لـ"انفراد"، عن مفاجأة صادمة وهى أن هناك من استغل تلك الأزمة وقام بعرض بعض أنواع الأدوية الخاصة بمرضى النزيف، وتحديدًا مرضى هيموفيليا 9 فى الأسواق، مشددة على أن تلك الأنواع من الأدوية مجهولة المصدر وغير مسجلة فى وزارة الصحة، ويرفض الأطباء التعامل بها.
ومن جانبه قال الدكتور ناصر محمد وكيل إحدى شركات الأدوية المتخصصة فى استيراد علاج الهيموفليا، إن توفير أدوية مشتقات الدم أمر فى غاية الصعوبة، لأن الدواء يتم إنتاجه من بلازما بشرية، ولذلك يتم استيراده من دول خارجية مثل الولايات المتحدة الأمريكية وسويسرا التى تمتلك بنوك دم ضخمة.
وبخصوص نقص الدواء، أوضح لـ"انفراد"، أن استيراد الدواء يتأثر بارتفاع سعر الدولار بالتزامن مع ضرورة الالتزام بالتسعيرة الجبرية التى وضعتها الدولة للدواء مهما ارتفع سعر الدولار، الأمر الذى يؤدى إلى عزوف الشركات عن استيراد الدواء بسبب ارتفاع تكلفة الاستيراد فى مقابل بيعه، حتى لا تتعرض الشركات لخسائر فادحة.
وطالب الدولة بضرورة التدخل بشكل آخر فى مسالة الاستيراد، بحيث يتم ربط التسعيرة الجبرية بسعر الدولار، فضلاً عن ضرورة الاتجاه نحو تدشين مصنع لمشتقات الدواء فى مصر.
فيما نفى الدكتور على حجازى رئيس هيئة التأمين الصحى، نقص الدواء، مؤكدًا توفيره فى مستشفيات التأمين الصحى، وفسر شكوى بعض المرضى برغبتهم فى الحصول على الدواء على الرغم من عدم حاجتهم إليه.