الحكومة تناقض نفسها: تستهدف الاستقرار المالى وتصرف أكثر من ربع الموازنة سنويا لسداد فوائد القروض الدين العام يتخطى الحدود الآمنة والمصريون يأكلون بالديون

تطل علينا وزارة المالية سنويا مع بداية إعداد الموازنة الجديدة، لتؤكد أن أحد أهم أهدافها هو الاستقرار المالى والاقتصادى خفض العجز وتخفيض الدين العام، ولكن يبدو أن هذه الأهداف السامية أصبحت حلم بعيد المنال، فى ظل التطور الذى تشهده الموازنة سنويا من زيادة أعباء الدين، والذى ستجنى ثماره الأجيال القادمة.

حقيقة الأمر أن الحكومة تناقض نفسها فى الحديث عن اتجاهها لخفض عجز الموازنة والدين العام على وجه التحديد، فلا العجز يتراجع ولا الدين يتقلص، وتلجأ الحكومة سنويا لمزيد من الاقتراض خاصة الداخلى لسداد العجز، وهو ما يحمل الموازنات القادمة مزيد من الأعباء لسداد فوائد هذا الاقتراض ويزيد من حدة مشكلة الدين العام.

وتخطى حجم الدين العام محليا وخارجيا الحدود الآمنة، فطبقا للأدبيات الاقتصادية فإن الحدود الآمنة للدين العام تتراوح ما بين 60 – 95% من الناتج المحلى الإجمالى بالنسبة للدول ذات الدخل المرتفع، أما الدول ذات الدخل المنخفض مثل مصر فتتراوح النسبة ما بين 47 - 53% وهو ما تخطيناه بكثير، حيث كسر الدين العام بمصر حاجز الـ100% من الناتج المحلى الإجمالى، وهو ما يهدد بخطورة على الاقتصاد القومى حال عدم تدارك هذا الأمر على وجه السرعة بسياسات من شأنها تقليص الاقتراض.

وطبقا لأحدث إحصائيات البنك المركزى بلغ مستوى الدين العام المحلى 2.1 تريليون جنيه بنسبة 87.5% من الناتج المحلى الإجمالى بنهاية يونيو الماضى، فى حين سجل الدين الخارجى 46.1 مليار دولار بنسبة 12.6% من الناتج المحلى بنهاية سبتمبر الماضى، وهو ما يعنى أن نسبة الدين العام "محلى وخارجى" بلغت 100.1% من الناتج المحلى الإجمالى، أى بشكل أكثر بساطة ديوننا تخطت حجم كافة ما ينتج بالدولة من السلع والخدمات سنويا، وأصبحنا نقترض لنأكل.

الرسم البيانى ومن خلال تحليل ميزانيات خمس أعوام مالية متالية اعتبارا من عام 2010/2010، وحتى العام المالى الحالى 2015/2016، نجد أن مصروفات الفوائد ترتفع بصورة متزايدة بلغت نسبتها 187% خلال 5 سنوات، وهى زيادة كبيرة قياسا إلى أهداف الحكومة السيطرة على الدين العام.

وتحتل فوائد القروض التى تتحملها الموازنة العامة سنويا ربع المصروفات تقريبا، وتخطت هذه النسبة لترتفع إلى 28.2% من المصروفات العام المالى الحالى محققة 244 مليار جنيه خلال العام المالى الحالى.

ويظهر الرسم البيانى المرفق تطور الزيادة فى الإنفاق على فوائد الديون خلال 5 سنوات، حيث بدأت هذه الفوائد بقيمة 85 مليار جنيه خلال العام المالى 201/2011، وظلت فى زيادة بمتوسط 30% سنويا، حتى بلغت قيمتها 244 مليار جنيه مستهدفة بموازنة العام المالى الحالى 2015/2016.

ويظهر هذا التحليل حالة التناقض الشديد بين التصريحات الحكومية الوردية لوزير المالية سنويا عن أهداف استقرار السياسة المالية والسيطرة على العجز والدين، وبين الواقع الفعلى الذى يكشف أن أكثر من ربع الإنفاق العام يتم توجيهه لسداد أعباء الديون سواء الداخلية أو الخارجية، فهل هذا الإنفاق يعبر عن حقيقة رغبات المواطنين، حيث مفترض أن تعبر الموازنة عن الاحتياجات الفعلية لهم سنويا وتوجه مصروفاتها لتحقيق هذه الاحتياجات.

وبالنظر فى مصروفات موازنة العام المالى الحالى 2015/2016، فإن سداد أعباء الدين العام احتل الجانب الكبر من الإنفاق وتخطى حتى مصروفات الأجور أو الدعم، حيث تستهدف الموازنة إنفاق 244 مليار جنيه لسداد فوائد الديون بنسبة 28.2% من الموازنة، وجاء فى المركز الثانى مصروفات الدعم بأنواعه المختلفة بقيمة 231 مليار جنيه تمثل بنسبة 26.7%، وفى المركز الثالث الأجور بقيمة 218 مليار جنيه تمثل 25.2% من مصروفات الموازنة.

الرسم البيانى وبدلا من أن تتجه الحكومة لزيادة إيراداتها خاصة الحصيلة الضريبية – التى تفشل فى تحقيق المستهدف منها سنويا – لسد عجز الموازنة، لجأت الحكومة للحل الأسهل وهو الاقتراض سواء الداخلى من خلال طرح أوراق الدين الحكومية من أذون وسندات خزانة، أو الاقتراض الخارجى، حيث وقعت اتفاقية اقتراض 4.5 مليار دولار من البنكين الدولى والإفريقى على شرائح لمدة 3 سنوات تبدأ العام المالى الحالى بقيمة 1.5 مليار دولار، بهدف سد العجز.

إت استمرار هذا الوضع بلا شك يزيد الوضع الاقتصادى سوء،ا فقد يتحسن نسبيا فى عام ما، إلا أنه سيحمل الموازنات القادمة أعباءا كبيرة قد تفوق قدرة الأجيال القادمة على السداد، مما يهدد مستقبل أبنائنا، خاصة مع لجوء الحكومة للاقتراض لديون غير منتجة، أن المواطن المصرى سيأكل بالدين، ولن توجه هذه الديون الخارجية لمشروعات منتجة يمكن من خلال عوائدها المالية سداد القروض وفوائدها، وهو الخطر الأكبر.

الحكومة عليها بذل جهد حقيقى لخلق بيئة اقتصادية منتجة من خلال عدة طرق منها تحسين مناخ الأعمال بالقضاء على الفساد والبيروقراطية، وهو ليس مجرد حديث صحف، فلو كانت الحكومة جادة بالفعل فى القضاء على الفساد بكافة مستوياته من أكبر موظف بالدولة لأصغر موظف، سيختلف الوضع كثيرا، والبرلمان القادم أصبح الآن مسئولا عن إصدار التشريعات المطلوبة للبيئة الاستثمارية، والدور الأكبر هنا على المواطن الذى عليه العمل والإنتاج، لأن الاقتصاد المنتج هو السبيل الأول للتقدم الاقتصادى، والقروض ما هى إلا مسكنات لألم قد تزيد حدته مع استمرار العلاج بنفس المسكن المؤقت.




الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;