تحولت جلسة المجلس الأعلى للصحافة التى انعقدت يوم 27 إبريل 1983 برئاسة الدكتور صبحى عبدالحكيم رئيس مجلس الشورى، لمناقشة كتاب «خريف الغضب» للكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل، إلى مباراة فى الهجوم على «هيكل» ووصفه بألفاظ مسيئة، وحصل الدكتور يوسف إدريس أيضا على نصيبه من الهجوم بسبب كتابه «البحث عن السادات»، وذلك للنقد العنيف الذى حمله الكتابان للرئيس السادات، ونشرهما فى صحف عربية خلال شهر إبريل 1983، ووفقا لكتاب «هيكل بين الصحافة والسياسة» للكاتب الصحفى رجب البنا، فإن الاجتماع استمر أربع ساعات، وقرر المجلس بناء على طلب الأعضاء نشر النص الكامل لما دار فيه وفقا لما سجلته المضبطة، وهو ماحدث فى اليوم التالى «28 إبريل، مثل هذا اليوم، 1983».. «راجع، ذات يوم، 27 إبريل 1983».
كان الاجتماع أحد محطات الهجوم «الرسمية» ضد «هيكل» وطال النقد جريدة الأهالى الأسبوعية «لسان حال حزب التجمع اليسارى» التى وقفت فى صف «هيكل» ونشرت أول حلقة من الكتاب لكنها توقفت بعد قرار وزير الداخلية اللواء حسن أبوباشا بمنع نشره.
كان الدكتور عبدالمنعم النمر (وزير الأوقاف 1979) أول المتحدثين فى اجتماع «الأعلى للصحافة» وقال عن هيكل: «إنسانا يمثل الحطيئة والمتنبى حين كان يسلط لسانه على من لا يمده بعطاء».. وأضاف: «لابد أن يكون للمجلس الأعلى للصحافة كلمة بصدد هذه الحالة السيئة التى انحدرت إليها لغة الصحافة، ولابد أن يقول شيئا بالنسبة لمسلك هذين الكاتبين «هيكل وإدريس» اللذين أساءا إلى تاريخنا وإلى زعمائنا، وإلى الزعيم الذى التفت الأمة كلها حوله».
وتساءل سمير رجب رئيس تحرير«المساء» عن «أين تطبيق ميثاق الشرف الصحفى على الكاتبين «هيكل وإدريس»؟.. وقال عبدالرحمن الشرقاوى: «إن ما ورد فى خريف الغضب مسرف وغير مفيد وضار، ونحن نناقش ظاهرة سيئة جدا فى الحياة الصحفية وهى ظاهرة التراشق بالاتهام، واستعمال ألفاظ لا تليق بمستوى المنافسة الصحفية، وفى رأيى أنها تسقطنا وتسقط سمعة المصريين وتسقط هيبتهم وقيمة كلمتهم أمام القراء..مع الأسف أصبحت هناك موضة وهى الهجوم على أنور السادات، أنور السادات فى ذمة الله وله إنجازات عظيمة، وله أخطاؤه العظيمة أيضا، لكن عندما يتساءل صحفى وعندما تنشر صحيفة مصرية، سواء نقلا عن كتاب أو جريدة أخرى نقدا للسادات ينبغى أن تتحفظ وتقدم موقفها هى».
كان موقف حسين عبدالرازق رئيس تحرير الأهالى ضد التيار العام فى الاجتماع، وقدم وجهة نظر شاملة.. قال: «صحيفة القبس الكويتية التى نشرت مقالات يوسف إدريس لم أطلع على أى نسخة منها، وصحيفة الوطن الكويتية منذ أن نشرت الحلقة الثانية من «خريف الغضب» منعت من دخول مصر ولم أطلع عليها، فأزعم أنه لا يوجد وغير متاح أمامنا موضوع «خريف الغضب» كاملا، أو مقالات يوسف إدريس كاملة، حتى يمكن أن نناقشها، ولكنى أعتقد أن المطروح علينا ثلاث قضايا أسياسية.. الأولى، أسلوب الحوار، القضية الثانية، حرية الصحافة، القضية الثالثة، ما أثاره الكتاب من نقد سياسى».
أضاف عبد الرازق: «بالنسبة لأسلوب الحوار، أنا أقول إن كثيرين من الزملاء الذين ناقشوا ما وصل إلى علمهم من كتاب خريف الغضب خرجوا على أدنى حقوق القيم والأخلاق والقانون فى المناقشة، ووصل الكلام إلى حد الاتهام، واستخدمت كلمات مثل، الانحطاط، والسفالة، والخيانة».. وكشف «عبدالرازق» أسرار ما جرى من اتصالات مع وزير الداخلية حول قرار منعه لنشر الكتاب بعد أن نشرت الأهالى الحلقة الأولى.. قال: «اتصل وزير الداخلية بأمين عام الحزب(خالد محيى الدين) واستقبله يوم السبت الساعة الثانية عشرة والثلث مساء، لكى يبلغه بمنع نشر هذا الكتاب، وأن الجرائد العربية التى نشرت فصول الكتاب صدر قرار بمصادرتها ومنع دخولها إلى مصر».
قال عبد الرازق: «ظل الحوار متصلا بيننا وبين وزير الداخلية حتى يوم الثلاثاء الساعة الحادية عشرة صباحا، لأننا كنا نريد قرارا مكتوبا، والدكتور يحيى الجمل كان موجودا، وهو يعلم قانونا أن القرار الإدارى يمكن صدروه شفهيا أو كتابة، ونستطيع أن نذهب إلى المحكمة بقرار إدارى وشفهى، وبالتالى فأنا لست كاذبا حين أقول إن الكتاب ممنوع من النشر».. كان عبد الرازق يرد بذلك على قول صبحى عبد الحكيم بأنه ليس هناك قرار بمنع نشر «خريف الغضب».
استمر عبدالرازق فى طرح وجهة نظره، وتحدث بعده آخرون، ورد هيكل فى جريدة «الأهالى».