"إن وراء الأكمة ما وراءها".. يعبر هذا المثل بدقة عن الانطباع الذى سيتركه الكتيب الصغير المعنون بـ"مذكرات سلفى فى حزب النور" لدى المتلقى بمجرد الانتهاء منه، فليست الصورة دائما كما يحاول صاحبها أن تبدو، وليس معنى أن اللحية طالت حتى وصلت إلى منتصف الصدر أن صاحبها سيمارس العمل السياسى مجردا من الألاعيب والالتفاف وحظ النفس، السياسة فى كل الأحوال هى السياسة سواء مع أصحاب اللحى أو غيرهم.
خلال 110 صفحة انشغل محمود عباس الكادر السلفى الشاب بتوثيق عملية السطو التى قام بها برهامى ورجاله على حزب النور عبر الغوص فى تفاصيل تنظيمية دقيقة، وسرد عشرات القرارات والقرارات المضادة، كان مبرره لكتابة المذكرات هو ما كتبه بوضوح فى المقدمة حين قال:"جثمت الأحداث على صدرى والذى كاد أن ينفجر غيظا مما مر بى، ولم يكن أمامى إلا كتابة تلك المذكرات، وكذلك أيضا عندما رأيت انخداع عدد كبير من الأعضاء ومن غير الأعضاء ببعض الشخصيات حتى وضعوهم فى مصاف الرسل والأنبياء".
بين السطور تسرب من حيث لا يدرى الكاتب أو يدرى كم هائل من العشوائية، والتخبط اتسمت به إدارة حزبا حصد فى يوم من الأيام نحو 25% من مقاعد البرلمان، فيبدو الأمر مضحكا حين تطالعنا سطور الكتاب أن الحزب كان فى مأزق قبل أيام من بدء الانتخابات البرلمانية بعد أن اكتشفوا أن أحد المرشحين متورطا فى قضايا نصب، وأنهم اضطروا فى اللحظات الأخيرة لإقناعه بالتراجع والانسحاب من الترشح ليضعوا مكانه شخصا أخر، وأن الكاتب اضطر للانسحاب من أحد المؤتمرات بعد أن تبين له أن الرؤية الاقتصادية للأعضاء أقصى مبلغها هو مشروع "قومى" لبيع الطرح والسواك فانصرف الكاتب قبل أن تكتمل فقرات المؤتمر خوفا من ارتفاع ضغط الدم.
كان قرار تأسيس الحزب من البداية –بحسب ماورد فى الكتاب - تحرك فردى بعيدا عن جمعية الدعوة السلفية من جانب مؤسسه الأول عماد عبد الغفور مساعد المعزول مرسى والمختفى اختياريا منذ 2013 وحتى الآن، والبدايات دائما تقود إلى النهايات فالرجل لم يستبعد فى الاجتماع الأول أن يكون أحد خياراتهم الانضمام إلى حزب الإخوان، أو حزب العمل الشقيق الملتصق دائما بالجماعة، ثم كان الخيار الثالث الذى انحاز إليه الحاضرون هو تأسيس حزب سلفى جديد.
لدى رجال الدعوة السلفية وبالتحديد برهامى كان الحزب فرصة لإظهار التنظيم الذى أسسه وكان مخفيا تحت الأرض منذ نهاية السبعينات وحتى قيام الفرصة، ورغم أنه لم يتحمس فى البداية ومعه باقى شيوخ الدعوة لفكرة تأسيس الحزب واستغرق إقناعهم جلسة نقاش مطولة، لكن حين أصبح الحزب على بعد خطوات البرلمان دفع برجاله للاستيلاء –والوصف هنا دقيق- على كل مفاصل الحزب، وهبط رجاله بالبراشوت على رؤوس القوائم الانتخابية ليضمنوا فرصهم داخل البرلمان.
وثق الكاتب التفاصيل الدقيقة للخلاف الذى حدث بين الفريقين، وانتهى فى النهاية إلى خروج المؤسسين وتأسيس حزب جديد انضم لاحقا إلى معسكر الإخوان واصطف معهم فى رابعة وبعض من قياداته الآن هاربون فى الخارج، بينما استحوذ برهامى ورجاله على الحزب بالكامل واختار أن يبقى فى الظل على النحو الذى رأيناه من 2013 حتى الآن.
لكن يبقى أبشع ما فى الخلاف هو تراشق والتنابذ بين أصحاب اللحى التى وصلت على حملات سب وشتم بأقذر الألفاظ انتهت معها أسطورة السلفى الخجول وأظهرت شيئا مما وراء الأكمة.