نقلا عن العدد اليومى....
يعيش المرضى فى مصر أوقاتا صعبة فى الوقت الراهن، فى ظل اختفاء عدد ليس بالقليل من الأدوية المهمة والمؤثرة من الأسواق، مع ارتفاع أسعار الأنواع البديلة، مما يجعل المريض محدود الدخل بين شقى الرحى، تائها وحائرا أمام مبررات واهية لا تمنع آلامه، جنون الدولار لا يعنيه ولا يفهمه، إنما كل ما يشغله توفير علاجه بعيدًا عن بيزنس الشركات وحجج المسؤولين بالحكومة.
ويُعانى الاقتصاد المصرى فى الفترة الأخيرة من أزمة كبرى متمثلة فى ارتفاع قيمة الدولار، مقابل انخفاض حاد للجنيه.. مما تسبب فى نقص كبير بالأدوية الحيوية مثل علاجات الأورام والقلب والدم، بالإضافة إلى المستلزمات الطبية من الخيوط والجراحية وألبان الأطفال وغيرها، لاسيما مع زيادة أسعار ما يقرب من 280 صنفا دوائيا، على مدار الأيام الماضية، وذلك وفقًا لغرفة الأدوية باتحاد الصناعات المصرية.
القائمة شملت أدوية لعلاج الضغط والقلب، وعلاج حساسية الصدر، وعلاج البرد، وحقن الأنسولين لمرضى السكر، وعددا من منتجات ألبان الأطفال. وتباينت الزيادة وفقا لكل صنف، مع العلم بأن أكثر ارتفاع بلغ قدره 300% وكان لعقار علاج النقرص.
وفى 27 مارس الماضى تقدمت شركات الأدوية المحلية ومتعددة الجنسيات بطلبات إلى إدارة الصيدلة بوزارة الصحة لإعادة تسعير منتجاتها بعد خفض قيمة الجنيه أمام الدولار لعدم توقف خطوط إنتاج الأدوية، بسبب ارتفاع حجم تكاليف المنتجات، مقارنة بانخفاض أسعار بيعها للجمهور.
وفى حينها كشفت وزارة الصحة وفقًا لآخر نشرات نواقص الأدوية اختفاء 199 مستحضرًا لها بدائل بالأسواق و39 صنفًا آخر ليس لها أمثال وضخها لـ217 صنفًا لسد العجز بالصيدليات كانت ناقصة، بينما أجرت غرفة صناعة الدواء باتحاد الصناعات دراسة على سوق الأدوية رصدت التأثيرات السلبية لخفض الجنيه أمام الدولار، وكشفت عن نقص 1471 دواء بالأسواق لها بدائل و366 صنفًا مختفيًا وليس لها بدائل.
وفى 2 أبريل الجارى خرج محمد البهى، نائب رئيس غرفة الأدوية باتحاد الصناعات المصرية فى تصريحات صحفية قال فيها، إن حوالى 1500 صنف من الأدوية كانت ناقصة من الأسواق، قبل ارتفاع أسعار الدولار، مشيرًا إلى أن هناك مئات الأصناف من الأدوية فى حاجة إلى رفع أسعارها لوقف نزيف خسائر الشركات.
وكشف «البهى» عن أن الغرفة تقدمت منذ فترة باقتراح لمجلس الوزراء بمراجعة أسعار الأدوية التى يقل سعرها عن 20 جنيها لرفعها بنسب تتراوح ما بين 10 و20% وبحد أدنى ما بين 2 و4 جنيهات، موضحًا أن تلك الزيادة تحافظ على استمرار الشركات فى الإنتاج، وبالتأكيد يكون هذا أفضل من توقفها، خاصة إنها إذا توقفت لن يكون أمام المريض إلا الدواء المستورد بأسعاره المرتفعة.
الحديث عن رفع أسعار الأدوية حتى لا تتعرض الصناعة للانهيار والاختفاء من الاسواق، لا يلقى أى تأييد شعبى أو حتى تجرؤ الحكومة على اتخاذ قرارات جريئة وواضحة بشأن زيادة ثمن عدد من الأدوية التى تتدعى شركاتها أنها تخسر جراء تصنيعها، والدليل أن البرلمان حذر من المساس بتلك النقطة قبل وبعد موافقته على بيان الحكومة.
وفى 4 أبريل 2016، حذر المهندس أمين مسعود عضو مجلس النواب الحكومة من الإقبال على رفع أسعار الدواء بعد موافقة مجلس النواب على برنامجها برئاسة المهندس شريف إسماعيل رئيس مجلس الوزراء ومنحها الثقة بعدما نشرت وسائل الإعلام أخبارا تؤكد فيها الاتفاق بين الحكومة وغرفة الأدوية باتحاد الصناعات بتأجيل رفع أسعار الأدوية، لحين موافقة البرلمان على برنامج الحكومة، حتى لا يغضب النواب، مشيرا إلى أنه تم التنويه عن رفع أسعار الأدوية بنِسَب تتراوح ما بين 20% و 40%.
ورغم عدم تجرؤ الحكومة على اتخاذ قرارات الزيادة فى أسعار الدواء لا تزال المطالبات مستمرة حتى الوقت الحالى من أجل دفع المسؤولين لاتخاذ تلك الخطوات، فى محاولة لاستغلال أزمة الدولار التى تضرب الاقتصاد المصرى فى الوقت الراهن، لكن بالعودة إلى الوراء قليلا، سنجد أن الأزمة لها أبعاد ما يسبق جنون العملة الصعبة فى الوقت الحالى.
مؤامرة
فى 21 أبريل من العام الماضى، أصدر المركز المصرى للحق فى الدواء بيانًا يُحذر فيه من مؤامرة تستهدف صحة المريض المصرى تحت مسمى «ارتفاع أسعار الأدوية» ونقص أنواع منها.. وكل هذا يتوارى وراء شعارات جوفاء غير حقيقة تدلس الواقع ما بين خسائر شركات قطاع الأعمال وتدمير الصناعة.
وأشار بيان المركز المصرى للحق فى الدواء إلى العديد من النقاط وقتها مع الوضع فى الاعتبار أن أزمة ارتفاع، أو بمعنى أدق جنون الدولار، لم يكن وصل للحد الحالى، إلا أنه ذكر أن الحديث عن خسائر قطاع الأعمال وتدمير الصناعة مردود عليه بالأرقام، إذ إن مبيعات الدواء قاربت للقطاع الخاص 28 مليار جنيه، بنسبة نمو 14% عن العام الماضى، كما أن ازدياد نواقص الأدوية التى تعاظمت فى آخر خمس سنوات أدت إلى حدوث مشاكل تهدد حياة المواطنين.
وتحدث البيان وقتها عن صمت وزارة الصحة عن أزمة ارتفاع أسعار الدواء ونقص أنواع منها، والاكتفاء بالتعامل مع الأزمة ببيان ينفى وجودها تاركة المواطن المصرى يبحث عن الأدوية فى مختلف المحافظات، مع ترك الأمر لمستشارى الوزير للدواء، وهم فى الوقت نفسه صناع وأصحاب شركات ومصانع للأدوية.
وكشف المركز عن ظاهرة وجود نواقص للأدوية ترتبط بعدة أسباب، أهمها اقتصادية، بخلاف عدم وجود لوائح تعود على الشركات المتواطئة التى ترفض إنتاج المستحضرات، بحجة تحقيق خسارة من ورائها، إضافة إلى وجود نفوذ واضح وظاهر لبعض الشركات داخل الوزارة، مؤكدًا أن صناعة الدواء أفلتت تدريجيًا من سيطرة الدولة على مكونات هذه الصناعة الاستراتجية والحيوية التى تعتبر أمنا قوميا، أدى ذلك لوجود ضغوط هائلة تمارسها بعض الاتحادات ضد وزارة الصحة.
وضرب بيان المركز مثلا وقتها بإحدى الشركات أوقفت إنتاج أقماع جليسرين للأطفال منذ فترة طويلة، وقامت بإنتاجه بعد أن زاد سعره من 1.50 إلى 3 جنيهات، مما يدل على لجوء مافيا الأدوية لسياسة تعطيش السوق، لطرح المنتج بأسعار عالية، والحال نفسه بالنسبة لأدوية أمراض الكبد، وحقن علاج الاستسقاء وخروج الماء خارج تجويف البطن فى مرضى الكبد، وأدوية الجلطات.
مافيا الدواء
وكشف الدكتور أحمد عماد الدين، وزير الصحة فى 26 أبريل الجارى، خلال الاجتماع الذى جمع رئيس الوزراء ونقيب الصيادلة يحيى عبيد بمقر مجلس الوزراء، أن حجم تجارة الدواء فى مصر40 مليار جنيه، مشيرًا إلى أن حجم الصادرات منها 400 مليون دولار، معلقا على هذا الواقع بقوله: «هذا قليل جدًا، خاصة إن مصر لها الريادة فى الدواء فى أفريقيا»، لافتا إلى أننا نعمل على تذليل العقبات لزيادة تصدير الدواء والمستلزمات الطبية.
تجارة ضخمة يبلغ حجمها لـ«400 مليار جنيه».. تثير التساؤلات حول وجود أصحاب المصالح الخاصة، لاسيما مع كثرة التعرض تلك الصناعة لأزمات وإلقائها بظلالها على المجتمع المصرى بشكل واضح، وخصوصا فئة البسطاء التى تُعانى بشكل كبير فى حالة اختفاء دواء من السوق المحلى أو زيادة أسعاره.
50 شركة
فى مؤتمر صحفى للمركز المصرى للحق فى الدواء أقيم يوم 23 مارس الماضى، كشف الدكتور هانى سامح، صيدلى ومدير الملف، أن 50 شركة للأدوية أرباحها تراوحت خلال العام الماضى ما بين 2.5 مليار جنيه، مشيراً إلى أنهم يشكلون تحالفات للضغط على وزارة الصحة والسيطرة على أسعار الأدوية.
وقال مدير الملف بالمركز: «سيتم توجيه إنذار رسمى لوزارة الصحة والإدارة المركزية لشئون الصيادلة لمواجهة سيطرة تلك الشركات واحتكارها صناعة الأدوية، فى ظل استمرار تكبد قطاع الأعمال خسائر فادحة».
وفى تصريحات صحفية أخرى، حذر هانى سامح وزارة الصحة من الوقوع تحت قبضة ما أسماه «مافيا» شركات الدواء، مؤكدًا أن مكاسب تلك الشركات سنويا تبدأ عند نصف مليارت لأصغر شركة منها، وصولا لأرقام تصل إلى 2 ونصف مليار جنيه.
وأوضح مسؤول ملف الدواء بالمركز المصرى، أن هناك مجموعة من الادعاءات تروج لها تلك الشركات للتغطية على حجم أرباحها الضخمة بأنها تتأثر بارتفاع سعر الدولار، مطالبا رئاسة الوزراء بتشكيل لجان رقابية للتحقيق فى المكاسب الخيالية لهذه الشركات، صاحبة الأرباح الضخمة، رغم أن قوانين التسعير الجبرى للدواء تنص على هامش ربح لتلك الشركات لا يتجاوز الـ 15% من تكلفة المواد الخام.
وفى 5 أبريل الجارى، تقدم الصيدلى هانى سامح بشكوى إلى رئاسة الوزراء والرقابة الإدارية حملت رقم 524647 ضد قيادات وزارة الصحة يتهمهم فيها بالانصياع لما أسماه «مافيا ألبان الأطفال»، وعدم تنفيذ القانون بتسعير ألبان الرضع جبريًا.
يشار إلى أن الحديث عن استحواذ القطاع الخاص على 80% من حجم الدواء المصنّع فى مصر، يثير الشكوك حول كثرة عدد «المماثلات الدوائية» خاصة إن زيادتها فى السوق المصرية، لا يكون مفيدًا فى كل الأحوال بالنسبة للمرضى، بالقدر الذى يكون عليه للشركة، فى الوقت التى تتكبد فيه شركات قطاع الأعمال خسائر كبيرة، فى ظل عدم الاهتمام الكبير بها.
أزمة المواد الخام
نقطة أخرى فى هذا السياق يجدر الإشارة لها، وهى المواد الخام التى تتخذها الشركات كـ«حجة» لضرورة رفع أسعار الدواء بالأسواق المصرية يتمثل فى أن أكثر من 95 % من المواد الخام ومستلزمات تصنيع الأدوية يتم استيرادها من الخارج بالعملة الصعبة، مما يخلق أزمة للشركات الوطنية، ويزيد أعباء الصناعة، فى ظل ارتفاع أسعار الدولار بشكل كبير فى الأيام الحالية.
وكشفت التقارير العالمية عن وجود منافسة كبيرة، بين دولتى الصين والهند، وهما الأكبر عالميا فى تصنيع المواد الخام الدوائية، تلك التنافسية الشديدة ربما تتسبب فى غياب أنواع بعينها عن الأسواق، ثم يعاد طرحها مرة أخرى بأسعار باهظة.
تلك الأحاديث المشار إليها جعلت العديد من خبراء الدواء يؤكدون على ضرورة دخول مصر إلى عالم التقنيات الحديثة والتطوير بشكل مستمر حتى نواكب العالم المتطور، وذلك يحدث من خلال إنشاء مصانع للمواد الخام، وبهذا نتجاوز أزمة الدولار المزمنة، ولا نصبح تحت رحمة الشركات الأجنية، لاسيما أن خبراء الدواء يكشفون أن تلك المصانع غير مكلفة بشكل كبير، كونها تحتاج إلى جهد علمى أكبر من احتياجها للأموال.
وفى تصريحات إعلامية سابقة، كشف الدكتور جميل بقطر عضو مجلس النقابة العامة للصيادلة، أن علاج مشكلة نقص الأدوية فى مصر، لا يمكن من خلال رفع أسعارها باستمرار، وإنما يتمثل فى إنشاء الدولة مصنعا للمواد الخام، والذى لن يكلفها أكثر من 100 مليون دولار لينتج 850 مادة خام تمثل 80 %من الاستهلاك المحلى للبلاد.
وأشار إلى أن تعديل الأسعار للأدوية كل سنة أو عدة سنوات يؤدى إلى استمرار احتكار الشركات المنتجة للمادة الخام أو الشركات الأجنبية العاملة بمصر، ولا ينهى أزمة النواقص، مضيفًا: «تعديل الأسعار ليس الحل المثالى، خاصة إنه يتم تبعا لأسعار المواد الخام التى تحددها الدول المنتجة لها، إلا أن بناء مصنع مصرى لن يترتب عليه رفع الأسعار على المريض الفقير، لأننا أصبحنا نملك زمام صناعة الأدوية بداية من تصنيع المادة الخام إلى تصنيعها وطرحها بالسعر الذى يلائم دخل المريض المصرى، دون أن يتحكم فى أسعار الدواء منتجو المادة الخام، وهذا هو الاحتكار الذى يحدث حاليا».
40 مليار جنيه حجم تجارة الأدوية فى مصر
تبلغ تجارة الدواء فى مصر حوالى 40 مليار جنيه سنويا، حسب إحصائيات وزارة الصحة، وفى آخر إحصائية نشرت مجلة «فوربس» قائمة بأكبر عشر شركات للأدوية فى العالم، وتصدرت شركة «جونسون آند جونسون» «JNJ.N» الترتيب كأكبر شركة أدوية فى العالم، بينما جاءت فى المركز الـ34 فى الترتيب العام بين شركات من مختلف القطاعات، تلتها شركة «فايزر» «PFE.N»، حيث جاءت فى المركز الثانى هذا العام مقارنةً بتصدرها الترتيب فى عام 2014، واحتلت شركة نوفارتس سويسرا الترتيب 52، وحققت مبيعات بحوالى 58 مليار دولار عام 2013 احتلت بها المركز الأول عالمياً.
وجاءت فايزر فى الترتيب 48 وتراجعت إلى المركز الثانى عالمياً هذا العام من احتلالها صدارة الترتيب فى عام 2014.
ورصدت تقارير منظمات الصحة المستقلة أن الاحتكار يسيطر على أسواق الدواء، والمنظمات الدولية خاضعة لنفوذ الشركات العالمية والمراكز الطبية التى تمولها مالياً، وبلغت أرباح شركة «ميرك» الأمريكية لصناعة الأدوية ترتفع خلال عام واحد «فقط» من 342 مليون دولار إلى 1,69 مليار دولار، وذلك ضمن تقارير 2014 كما بلغت أرباح شركة «فايزر» 3,74 مليار دولار، فى حين بلغ حجم تجارة الأدوية المغشوشة يصل إلى 200 مليار دولار عالميا وبلغت مبيعات شركة صناعة الأدوية السويسرية «روش» حوالى 35,1 مليار دولار.