بالرغم من الإصلاحات الاقتصادية الجريئة التى شرعت الحكومة المصرية فى تطبيقها منذ وصول الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى الحكم منذ يوليو 2014، ومنها تخفيض عجز الموازنة، وترشيد فاتورة الدعم وتخفيض معدل البطالة، إلا أن التضخم لا يزال هو نقطة الضعف الأكبر فى الاقتصاد المصرى، وهو تحدى يعمل القائمون على السياسة النقدية والمالية على السيطرة عليه لما له من تداعيات اجتماعية واقتصادية شديدة الخطورة.
اقتراب شهر رمضان الكريم، والذى يسبقه عادة ارتفاعات ملحوظة فى أسعار السلع الغذائية، وقرار البنك المركزى فى اجتماع لجنة السياسة النقدية الأخير، الخميس الماضى، تثبيت سعر الفائدة على الإيداع والإقراض عند 10.75%، و11.75%، على التوالى، أثار التساؤل حول مدى استعداد الدولة المصرية لمواجهة التضخم المتوقع قبل الشهر الكريم.
وشهدت الأسواق ارتفاعات غير مسبوقة فى أسعار السلع والخدمات مؤخرا، إثر القفزات الأخيرة فى سعر الدولار فى السوق السوداء ليقترب من حاجز الـ12 جنيها لأول مرة فى التاريخ، فى أعقاب تخفيض الجنيه بمعدل 14% دفعة واحدة أمام العملة الأمريكية فى السوق الرسمية فى مارس الماضى، مما أدى إلى ارتفاع أسعار معظم السلع المستوردة وخامات ومدخلات الإنتاج الخاصة بالمنتج المحلى.
ويرجع ارتفاع معدل التضخم بالأساس إلى نمو معدل السيولة النقدية فى حسم الاقتصاد والذى تجاوز 1.98 تريليون جنيه فى مارس الماضى مقابل، 1.68 تريليون جنيه فى مارس 2015، محققا نموا بنسبة 18%، وفقا لبيانات البنك المركزى.
ويتم احتساب نسبة التضخم بحساب الفارق بين معدل نمو السيولة ومعدل نمو إجمالى الناتج المحلى. ولكبح جماح التضخم، يجب العمل على شقى المعادلة من خلال تقليل السيولة النقدية وزيادة النمو الاقتصادى.
تآكل الآحتياطى الأجنبى أبرز سلبيات التضخم
ويعد تدهور قيمة العملة المحلية وارتفاع تكلفة الإنتاج من أبرز تداعيات التضخم السلبية، مما يؤدى إلى تراجع تنافسية الصادرات المصرية وقدرتها على المنافسة فى الأسواق العالمية نتيجة ارتفاع أسعارها، وفى الوقت ذاته يميل المواطن إلى المنتج المستورد لانخفاض تكلفته مقارنة بنظيره المحلى، وتكون النتيجة النهائية تراجع الصادرات ونمو الواردات وبالتالى زيادة العجز فى الميزان التجارى وتراجع موارد البلاد من العملة الصعبة وتآكل الاحتياطى الأجنبى وهو ما يضعف قدرة البنك المركزى على دعم العملة المحلية أمام الدولار.
ويفسر ذلك ذلك اضطرار البنك المركزى إلى تخفيض قيمة الجنيه أمام الدولار، فى محاولة لتعزيز تنافسية الصادرات والحد من الواردات لتخفيف الطلب على الدولار.
ولاحتواء التضخم، لجأ البنك المركزى إلى عدة سياسات، أبرزها ما يعرف بـ"تعقيم السيولة" أى جعلها عقيمة، ومن هذه الأدوات طرح شهادات الادخار بالعملة المحلية بمعدل فائدة 12.5%، والتى بلغت حصيلة بيعها لدى البنوك العامة حوالى 125 مليار دولار، أى ما يعادل 4% من إجمالى السيولة.
وكان قرار البنك المركزى برفع أسعار الفائدة منتصف مارس الماضى بمقدار 150 نقطة أساس أى بنسبة 1.5%، من 9.25%، إلى 10.75%، ومن 10.25% إلى 11.75%، على التوالى، فضلا عن طرح شهادات ادخارية بمعدل فائدة 15 مقابل التنازل عن الدولار من بين قرارات المكرزة التى استهدفت السيطرة على ارتفاع الأسعار.
وتعليقا على مدى قدرة البنك المركزى على استخدام أدواته للسيطرة على الضخم، قال الدكتور فخرى الفقى، أستاذ الاقتصاد والمسئول السابق بصندوق النقد الدولى: "المركزى يسير فى الاتجاه الصحيح ولا يستطيع أن يقدم أكثر مما قدم خلال الفترة الماضية لامتصاص السيولة النقدية".
إجراءات إداراية مؤقتة لاحتواء التضخم
وأوضح الفقى فى تصريح خاص لـ"انفراد" أن هناك أيضا أساليب إدارية مؤقتة تستطيع الحكومة من خلالها حماية محدودى الدخل والفقراء من انفلات أسعار المواد الغذايئة، فى إشارة منه إلى قيام القوات المسلحة بالدفع بسيارات متنقلة لبيع اللحوم والخضراوات والفاكهة والمواد الغذائية فضلا عن منافذها فى مختلف المحافظات، وذلك بهامش ربح أقل بنسبة 20% من الأسبواق، بفضل امتلاكها للمزارع والسيارات وعدم وجود وسطاء.
وأضاف أن وزارة التموين تشترى أيضا السلع من القوات المسلحة وتبيعها من خلال منافذها وسيارات مؤجرة بهامش ربح منخفض جدا لكنه أعلى بنسبة بسيطة من القوات المسلحة، وذلك لعدم امتلاكها المزارع أو السيارات.
الشق الآخر الذى يمكن من خلاله احتوء التضخم، هو العمل على زيادة نمو الاقتصاد وهو ما يتطلب زيادة الاستثمارات لتشكل 20% من إجمالى الناتج المحلى، فى بلد يقدر معدل الادخار فيها بحوالى 14%، وبالتالى فهناك فجوة تمويلية تقدر بحوالى 6% أى ما يعادل 30 مليار دولار لمدة 3 سنوات.
وهنا أشار الفقى إلى أن الدكتورة سحر سحر وزيرة التعاون الدولى نجحت فى تدبير 50% تقريبا من قيمة الفجوة التمويلية من خلال اتفاقيات قروض ميسرة مع البنك الدولى وبنك التنمية الإفريقي وصناديق ومؤسسات التمويل العربية، مما يتيح تمويلا لحوالى 50% الاستثمارات المستهدفة، معلقا الأمل على وزارة الاستثمار لجذب استثمارات أجنبية مباشرة خلال الفترة المقبلة.
وشدد الفقى على عدم تخوفه من ارتفاع الأسعار فى شهر رمضان، مؤكدا أن وزارة التموين وضعا خطة محكمة تستهدف زيادة الدعم المخصص للمواطنين على بطاقات التموين بنسية 15% اعتبارًا من أول يونيو للسيطرة على التضخم بعد قفزة الدولار الأخيرة، فضلا عن وجود مخزون كاف من السلع العذائية وتوفير المنتجات التى يتم ضخها بمنافذ المجمعات الاستهلاكية والشركة القابضة للصناعات الغذائية التابعة لوزارة التموين بأسعار مخفضة.