اليوم يحتفل المصريون كعادتهم من قرون بأعياد شم النسيم، وهو عيد يجمع المصريين معا، ويأتى فى نهاية أعياد القيامة وأسبوع الآلام. المصريون يتشاركون معا فى الاحتفال بشم النسيم الذى يمثل رباطا تاريخيا وإنسانيا يمتد من قرون ومنذ كان الفراعنة يحتفلون بمواسم الحصاد والخير والنيل والزهور والربيع. يجمعهم هذا كله واليوم تبقى هذه الاحتفالات التى تتجاوز الدينى إلى الإنسانى والمصرى، التسامح والمحبة.
وحتى فى احتفالات سبت النور وحد السعف فهى احتفالات جماعية تجمع المصريين وترمز لوحدتهم. ولهذا تتراجع دائما دعاوى الظلام التى تحاول نقل الأمر وتحويله إلى خلاف دينى بينما المصريون يعطون ظهورهم لكل هذا ويواصلون الاحتفال بالربيع والخير والحصاد. أحد الأمثلة المهمة على وحدة المصريين وإصرارهم على الحياة معا.
دروس بسيطة ومهمة تظهر أكثر ما نقوله إننا شعب يستعصى كثيرا على محاولات التفتيت والتقسيم العرقى والطائفى. ونظرة على ماحولنا نرى كيف تم إشعال الطائفية ونشر الكراهية وشق الصفوف وتحويل الأمر إلى خلافات وشقاقات وحروب تأكل دولا وتدمر شعوبا. هو درس المصريين للعالم ولكل الدول التى تبدى الكثير من الدهشة وهى ترى هذا الشعب يواجه العالم بالابتسامة والوحدة حتى لو كان يواجه مشكلات من فقر أو تراجع. وهذه الوحدة هى التى تضمن لنا أن نواصل حياتنا ونعبر على كل مانواجهه من أزمات.
هذه الصورة التى يقدمها المصريون لأنفسهم وللعالم تعنى الكثير لمن يريد أن يعرف ومن يريد أن يشعر ببعض الفخر والأمل فى بلد يضم 90 مليونا يحتفظ بقدرته على الامل.
وكل هذا يعيدنا إلى ما كنا نقوله خلال يومين الأمر كله يحتمل الخلاف والاختلاف فى تصورتنا للوطن، مع الالتزام بوحدة المصريين وعدم الانجراف إلى صراعات وشتائم واتهامات، وألا نسير خلف زعامات وهمية أو شخصيات كارتونية. هذه الدروس، كما أشرنا، تكشف ببساطة وبلا أى درجة من الادعاء أن الأغلبية من المصريين تعرف دورها وتستوعب ما يدور حولها بشكل أكثر كثيرا من النخب السياسية والاقتصادية، التى تسعى لمصالحها وتحاول زرع اليأس، المصريون يفعلون ذلك من غير خطب أو صراخ. ومن مشهد احتفالات شم النسيم أو حالة الود والتسامح التى تربطنا ونحن نحتفل بمولد النبى أو الاعياد تعطينا الكثير من الأمل بعيدا عن عويل هنا أو صراخ هناك.
ونفس هؤلاء المصريين حتى لو كانوا ليسوا أغنياء لكنهم يستوعبون ما يرونه من حولهم، ويعطون درسا لمن يجلسون فى مكاتب وغرف معزولة، يمارسون عادة الخلاف السياسى غير قادرين على إيجاد حالة وحدة وتضامن وتحمل، يمكنهم قبول أى شىء إلا أن يقبلوا الشقاق والصراعات. طبعا تقع حوادث هنا أو هناك لكنها تنتهى دائما لأن المصريين معا يعرفون قيمة وحدتهم ووطنهم. يفعلون ذلك من غير خطب أو ادعاء، وكل عام وأنتم بخير.