دخل الملك فاروق إلى المسجد لأداء صلاة الجمعة، لكنه بدا منكسرا، وعاداته فى مثل هذه الظروف تغيرت، فبعد أن كان يتبادل التحيات مع الجماهير فى مثل هذه الظروف، شوهد يوم 19 مايو، مثل هذا اليوم، عام 1950 «عيناه فى الأرض أثناء دخوله المسجد»، حسبما تذكر الدكتورة لطيفة سالم فى كتابها «فاروق وسقوط الملكية فى مصر»، فلماذا كان إنكساره؟
كان فاروق فى سنواته السابقة يؤدى فريضة الجمعة كل أسبوع فى أحد المساجد وتحيط الجماهير الغفيرة به، ثم يدعو كبار المقرئين فى شهر رمضان الكريم ليسمع الناس إلى أصواتهم فى المساء، وتضع «سالم» هذه التصرفات فى سياق ما تسميه بـ«الخط الإسلامى» لفاروق، الذى رسمه له كل من على ماهر «رئيس الوزراء عام 1936وعام 1939»، وشيخ الأزهر محمد مصطفى المراغى، الذى اشتهر بانحيازه إلى القصر الملكى، وكان القصد من ذلك، حسب الدكتورة أمل فهمى فى كتابها «فاروق والخلافة الإسلامية»:«تحقيق رصيد شعبى يدعم من موقفه فى مواجهة خصومه السياسيين فى الداخل خاصة حزب الوفد ويهيئ له مكانة متميزة بين البلاد الإسلامية».
قام هذا «الخط» على طقوس دينية يمارسها فاروق، أهمها زيارته إلى المساجد لأداء صلوات الجمعة، وخلالها يختلط بجماهير المصلين التى تشاهد مظاهر تدينه وورعه، حتى أطلق عليه الملك الصالح. تذكر سالم: تناولت الصحف المصرية أحاديث الشيخ المراغى عن تدين الملك وغيرته على الإسلام والتزود بمفاهيمه، كما ذكر أنه يضرب خير المثل للشباب، وهو بذلك يعيد عهد الخلفاء الراشدين، ويعلى كلمة الحق والدين.
تصاعد «الخط الإسلامى» المرسوم لفاروق حتى بلغ الطموح بأن تكون مصر مقرا للخلافة الإسلامية، وأن يكون هو خليفة للمسلمين، لكن مع بداية الخمسينيات من القرن الماضى تغير الحال تماما، وتشير«سالم» إلى أنه فى هذا الوقت أسرته الشهوات، واقتنصه الاستهتار وتملكه الفساد، وبالتالى بدأ مؤشر الخط الإسلامى فى الهبوط سريعا، خاصة أن سياسة الوزارة الوفدية تغيرت تماما، وسلمت له بالكثير، ومن ثم لم تعد محركا له على الظهور بالصورة الإسلامية التى يتطاول بها على غريمه النحاس، وفى الوقت عينه صدمته تصرفات أمه وأخته فى أمريكا، وترجمت صورته أثناء دخوله المسجد لتأدية صلاة الجمعة فى 19 مايو 1950 حالته، إذ بدت عيناه فى الأرض ليس خشوعا هذه المرة، وإنما خجلا من أثر الفضيحة.
تذكر لطيفة سالم أن نازلى غادرت مصر إلى أوروبا بعد فقدانها حبيبها أحمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكى، الذى مات فى حادث تصادم يوم 19 فبراير1946، ومن أوروبا انتقلت إلى أمريكا ومعها ابنتيها «فائقة وفتحية»، وتزوجت فائقة من فؤاد صادق فى 10 مايو 1950، وكان يعمل فى القنصلية المصرية فى سان فرانسسكو، أما فتحية فلم تكن بلغت سن الرشد، وبالرغم من ذلك زوجتها من رياض غالى، الموظف المسيحى فى أرشيف السفارة المصرية بفرنسا، ومن فرنسا أصطحبته نازلى إلى أمريكا مع الحاشية الخاصة بها ليعمل سكرتيرا لها، وحاول فاروق بكل الوسائل إفساد هذا الزواج، تارة باسم اختلاف الديانة، وتارة باسم عدم التكافؤ، لكن «نازلى» كانت ترد على كل ذلك بقولها: «لن أقف أمام قلب ابنتى»، وردت على اختلاف الديانة بأن رياض أشهر إسلامه.
استدعى فاروق مجلس البلاط الملكى لاجتماع فى15 مايو 1950برئاسة الأمير محمد على، وحضره النائب العام، وطالب فيه بتوقيع الحجر على الملكة الأم، وكان الدكتور محمد حسين هيكل عضوا فيه بصفته رئيسا لمجلس الشيوخ، وسأل حسن يوسف سكرتير المجلس عن طلبات الملك، فذكر أنه يطلب اتخاذ إجراءات تحفظية على أموالها، وقدم فاروق مذكرة يذكر فيها أن أمه تنفق نصف مليون جنيه، وأن رياض غالى يبتز أموالها، وانتهى المجلس إلى قراره بتوقيع الحجر على نازلى، وعدم جواز رياض وفتحية.
بلغ الغضب ذروته فى مصر مما يحدث فى أمريكا من الملكة التى ضربت عرض الحائط بكل شىء، وأكملت زواج «فتحية ورياض»،وعقد قرانهما شيخ باكستانى، ومع متابعة الصحف لكل هذه التطورات، أحاطت الفضائح بالملك، فلم يعد يذهب إلى المساجد مرفوع الرأس كما كان يفعل من قبل.