كانت أجواء المنطقة العربية تنذر بخطر قادم، والعراق تستضيف مؤتمر القمة العربية يوم 28 مايو، مثل هذا اليوم، عام 1990 وافتتحه الرئيس العراقى صدام حسين بخطاب «كان البداية الحقيقية لأزمة الخليج «بتقدير الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل فى كتابه «حرب الخليج، أوهام القوة والنصر».
يقصد هيكل بأزمة الخليج تلك التى بدأت بغزو العراق للكويت يوم 2 أغسطس 1990، ويذكر أن خطاب صدام برزت فيه نقاط أهمها قوله: يجدر بنا أن نعلن بوضوح أن إسرائيل إذا ما اعتدت وضربت فإننا سنضرب بقوة، وإذا ما استخدمت أسلحة دمار شامل ضد أمتنا فسنستخدم ضدها ما نملك من أسلحة دمار شامل، وأنه لا تنازل عن تحرير فلسطين، ومن الحقائق التى أكدتها التجارب أن الولايات المتحدة الأمريكية تتحمل مسؤولية رئيسية، بل مسؤولية أولى فى السياسات العدوانية والتوسعية التى يمارسها الكيان الصهيونى ضد الشعب الفلسطينى والأمة العربية.
وأضاف صدام: إننا كعرب مستهدفون فى صميم أمننا ومصالحنا من هذه السياسات الأمريكية، وعلينا أن نقول ذلك لأمريكا صراحة، وعلينا أن نقول لها إنها لا يمكن أن تواصل هذه السياسة فى الوقت الذى تدعى فيه الصداقة للعرب، فهذه السياسة ليست سياسة صداقة، وإنما هى سياسة تضر وتهدد أمن الأمة العربية والمصالح الجوهرية للأمة العربية، وعندما نقول لها هذا بصوت واحد، وبنفس النظرة والقدرة والوضوح، فإننا على ثقة أنها ستتدارس هذا بعمق وستنظر لمصالحها بدقة.
وقال صدام: علينا أن نعلن بصوت قوى بأنه لا يحق لكائن من يكون أن يتمتع بخطوة فى مواردنا وثرواتنا فى الوقت الذى يحاربنا أو يناهض تقدمنا العلمى والتكنولوجى، وأن نحول هذا المبدأ إلى سياسة ومفردات تطبق ونلتزم بها بصورة جماعية. يذكر هيكل، أن افتتاح القمة كان يوم 28 مايو 1990 وأثناء جلساتها وقعت محاولة إغارة على الشواطئ الإسرائيلية استشهد فيها أربعة من الفدائيين الفلسطينيين، وأسر اثنا عشر آخرون، وأعلنت منظمة «تحرير فلسطين» بزعامة «أبو العباس» مسؤوليتها عن الغارة، واتخذتها أمريكا فرصة لتجميد حوارها مع منظمة التحرير الفلسطينية، يؤكد هيكل: زاد مؤتمر القمة كآبة فوق سائدا فيه أصلا، وحين ظهر القلق على بعض المشاركين فى القمة من دول الخليج، قال صدام: «إن الأمة العربية كلها مستهدفة، والعراق أول المستهدفين، فهو الآن فى مواجهة عسكرية واقتصادية وحصار تكنولوجى وإعلامى، ويتحتم على الأمة أن تتصرف على اعتبار أنها كلها «حالة واحدة»، لأن الأعداء يعاملونها كحالة واحدة، حتى وإن استعملوا البعض منا أحيانا ضد البعض الآخر، ونحن جميعا فى فوهة بركان، ولا يتصور أحد أن بمقدوره أن يجرى بسرعة ليبتعد عن مركز الانفجار أو مجرى الحمم».
يصف هيكل أجواء المؤتمر بعد كلمة صدام قائلا: كان السكون ممسكا بالجميع، ولعله تجنب المشاكل حتى تمر الساعات وينفض المؤتمر، ويذهب الكل إلى حال سبيله، ولكن الساعات تمشى ببطء، وعندما طرح طلب منظمة التحرير الفلسطينية بدعم مقداره 150 مليون دولار ران صمت على القاعة، وعندما عرض الأردن طلبا بتحديد دعم يعوض انتهاء دعم قمة بغداد السابقة «1979»، كان الرد أنه من الأفضل أن تجرى المساعدات على أساس اتصالات ثنائية، ومرة أخرى وقف صدام غاضبا يقول: عندما يطلب العراق مشاركة إخوانه له فى ظروفه الصعبة يتلقى دائما نصيحة بالصبر، والعراق قادر على الصبر، ولكن شعب الانتفاضة «الانتفاضة الفلسطينية» غير قادر عليه.. يؤكد هيكل: وقف الملك حسين ملك الأردن، وألقى خطابا مؤثرا وحزينا عن عالم عربى فقد رؤيته لحاضره ومصيره، وختمه مستشهدا بشطرة من بيت شعر: أضاعونى وأى فتى أضاعوا، وكان يقصد الأردن.
كان عمرو موسى رئيسا لبعثة مصر فى الأمم المتحدة وقتئذ وضمن وفد مصر، وكان الدكتور عصمت عبد المجيد وزيرا للخارجية.. يتذكر موسى فى مذكراته «كتابيه»: لما بدأ صدام يهاجم دول الخليج فى خطابه طلب منى الرئيس مبارك أن أذهب إلى حيث يجلس الرئيس العراقى، وأطلب منه تأجيل مناقشة مثل هذه الأمور للجلسة المغلقة، لأنه من غير المفيد الخوض فيها فى الجلسة المفتوحة، فتوجهت وأبلغت طه ياسين رمضان نائب الرئيس العراقى برسالة الرئيس مبارك التى أبلغها بدوره إلى صدام حسين بوشوشه فى أذنه، فأومأ صدام وقال بصوت خفيض سمعته «إن شاء الله خير».. يعلق موسى: «لم أفهم ما الذى يقصده بتعبير «إن شاء الله خير»؟