خفضت مجموعة من المؤسسات الدولية توقعاتها لنمو الاقتصاد المصرى خلال العام المالى الحالى إلى حدود 3.3% و3.5%، وهى تقديرات تبدو بعيدة عن الرقم الذى تستهدفه الحكومة رغم تخفيض توقعاتها هى الأخرى من 5.5% إلى 4.5%، على خلفية استمرار أزمة السياحة والتى شكلت حوالى 20% من إجمالى الناتج المحلى فى العام المالى السابق، بالإضافة إلى تضرر القطاع الصناعى من أزمة نقص العملة الأجنبية والتى أثرت على استيراد المواد الخام ومدخلات الإنتاج.
وتضاعف النمو الاقتصادى فى العام المالى الماضى إلى 4.2% بعد 4 سنوات من النمو الضعيف منذ ثورة يناير فى 2011.
ولم تعلن الحكومة المصرية رسميا حتى الآن عن نتائج الأداء الاقتصادى للنصف الأول من العام المالى الحالى (2015-2016)، وهو التقرير الذى كان متوقعا صدوره فى فبراير الماضى، واكتفت فقط بتخفيض توقعاتها للنمو المستهدف من 5.5% إلى 4.5%، وفقا لتصريح لوزير التخطيط الدكتور أشرف العربى.
وقال مصدر حكومى رفيع المستوى بوزارة التخطيط، طلب عدم ذكر اسمه، إنه جار حاليا مراجعة البيانات وبعض البيانات القطاعية وسيتم الإعلان عنها قريبا. وتعليقا على تأخر النتائج، قال الدكتور أشرف العربى عضو لجنة الشئون الاقتصادية فى مجلس النواب، إن لجنته اجتمعت فقط مرتين بعد تشكيلها، وأنها تعتزم بعد وضع خطة العمل مطالبة الحكومة بنتائج النصف الأول.
وأضاف العربى فى تصريح خاص لـ"انفراد"، أنه لا يوجد ما يلزم الدولة دستوريا بالإفصاح عن تلك النتائج فى فترات زمنية محددة.
ضغوط داخلية وخارجية تدفع النمو للتراجع
وفى تقرير المرصد الاقتصادى لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا- ربيع 2016، توقع البنك الدولى أن يتراجع النمو فى مصر إلى 3.3% خلال العام المالى الحالى ليرتفع مجددا فيما بعد.
وعزا البنك الدولى التراجعات إلى ضغوط داخلية وخارجية غير مواتية، فعلى الصعيد الداخلى، سجَّلت قطاعات حيوية أداء ضعيفا، لاسيما قطاع الصناعات الاستخراجية الذى ظل يعانى من قضايا نقص السيولة (وبلغت المتأخِّرات المتراكمة 3 مليارات دولار فى نهاية 2015)، كما تضرر قطاع السياحة بشدة من جراء حادثة سقوط الطائرة الروسية فى أكتوبر الماضى.
وعلى الصعيد الخارجي، توقع البنك الدولى أن يُؤثِّر تباطؤ التعافى فى منطقة اليورو على معدل النمو فى مصر، مرجحا أن يُؤثِّر هبوط أـسعار النفط وتباطؤ النمو فى بلدان الخليج تأثيرا سلبيا على تحويلات المصريين العاملين فى الخارج، ومن ثم على الاستهلاك الخاص.
وتوافقت تقديرات صندوق النقد الدولى مع البنك الدولى، متوقعا فى تقرير "آفاق الاقتصاد العالمى" الصادر بالإنجليزية، نمو الاقتصاد المصرى بنسبة 3.3% خلال العام المالى الحالى، على أن يرتفع المعدل فى عام 2017 إلى 4.3%. ويأتى التوقع أدنى من تقدير سابق بمعدل 4.3% فى تقرير أكتوبر الماضى. أيضا، خفضت مؤسسة "موديز" العالمية للتصنيف الائتمانى وخدمات المستثمرين توقعاتها لنمو الاقتصاد المصرى خلال العام المالى الحالى من 5% إلى 3.5%.
السياسات الانكماشية تحد من الاستهلاك وبالتالى النمو
وفيما تبدو السياسة الاقتصادية التى تتبناها الدولة المصرية "انكماشية" إلى حد كبير، وعزز من ذلك إجراءات الحد من الواردات ورفع الجمارك على السلع غير الضرورية والرفاهية، التى عرفت إعلاميا بالاستفزازية، وهو ما يؤثر على الاستهلاك بشكل مباشر، فضلا عن التحديات التى تواجه الإنتاج، فهناك مصانع متوقفة إما بسبب نقص المواد الخام أو إمدادات الطاقة، وأخيرا قرار البنك المركزى المصرى بالسماح للجنيه بالهبوط أمام الدولار بمعدل 14% دفعة واحدة، مما ساهم فى ارتفاع أسعار السلع المحلية والمستوردة بمعدلات قاربت 40%، فى بلد يستورد أكتر من 70% من احتياجاته من الخارج.
واستهدف قرار المركزى تخفيف الطلب على الدولار وتقويض السوق السوداء التى دفعت سعر صرف العملة الأمريكية بالقرب من 12 جنيها، بسبب اشتعال المضاربات وسط شح العملة الأجنبية وتراجع الاحتياطى الأجنبى إلى 16.5 مليار دولار فى مارس الماضى مقابل 36 مليار دولار قبل ثورة يناير.
وفى محاولة للتعرف على مصير النمو الاقتصادى فى ضوء التوقعات الدولية والحكومية المتضاربة، استطلعت "انفراد" آراء مجموعة من الخبراء، الذين جاءت آراؤهم متباينة نسبيا.
وأبدى الدكتور مدحت نافع الخبير الاقتصاد وأستاذ التمويل، دهشته من عدم إعلان الحكومة وتحديدا وزارة التخطيط على نتائج النصف الأول من العام المالى الحالى، مع عدم وضوح المحفزات، وهو ما يجعل الصورة "ضبابية" فيما يتعلق بتقدير النمو الاقتصادى للعام المالى الحالى.
وأردف قائلا: "السياسات انكماشية فى حين تصر الحكومة على استهداف معدلات نمو لا يمكن تحقيقها فى ظل تراجع الاستهلاك والإنتاج فى آن واحد، فى حين تعتمد خطة الحكومة على المشروعات القومية وهى استثمارات طويلة الأجل ولن تحقق عوائدها الاستثمارية، قبل 5 سنوات على الأقل".
ورجح نافع أن يسجل النمو الاقتصادى معدلا قريبا من توقعات صندوق النقد والبنك الدوليين خلال العام المالى الحالى.
واتفق "العربى" مع الرأى السابق، مؤكدا أن توقعات صندوق النقد والبنك الدوليين هى الأقرب إلى الواقع، لأن التحديات الاقتصادية ما زالت قائمة، كما أن السياسات الانكماشية التى تتبناها الدولة أدت إلى حالة من الركود والإحجام على الشراء والاستهلاك، وبالتالى فمن الطبيعى تباطؤ النمو.
عمرو حسنين: التكهن بمصير الاقتصاد "ضرب ودع"
واختلف هانى توفيق، الخبير الاقتصادى ورئيس الجمعية المصرية للاستثمار المباشر، مع الرأى السابق، متوقعا أن ينمو الاقتصاد بمعدلات قريبة من التقديرات الحكومية بنسبة 4 إلى 4.5%، بسبب زيادة الإنفاق الحكومى فى المشروعات الضخمة ومشروعات البنية التحتية والطرق والكبارى والإسكان.
من جانبه، أكد الدكتور عمرو حسنين، رئيس شركة الشرق الأوسط للتصنيف الائتمانى "ميرس"، أنه من الصعب التكهن بمعدل النمو الاقتصادى خلال العام المالى الحالى، نظرا لعدم إعلان الحكومة عن نتائج النصف الأول، وعدم وجود رؤية اقتصادية واضحة.
ويرى حسنين أن التكهن بمصير النمو الاقتصادى هو بمثابة "ضرب ودع"، متوقعا استمرار ضبابية المشهد الاقتصادى خلال العام المالى المقبل رغم ما يتردد حول تعافى السياحة بحلول موسم الشتاء المقبل واستعادة الوفود الروسية والألمانية.