نقلا عن العدد اليومى...
أى شخص طبيعى، لا شك تصيبه الحيرة من أن يكون المواطنون لديهم تساؤلات واهتمامات بما يجرى من حولهم، ولا تنعكس هذه المطالب والاهتمامات لدى قطاعات كثيرة من المثقفين والإعلام، أو حتى الأحزاب والقوى السياسية.
وكما أشرت من قبل إلى آراء أتلقاها من تعليقات القراء أو رسائل مباشرة تنقسم بين نوعين، منها نوع يرى أن أى ذكر لما يجرى على أرض مصر من نقلات فى التنمية والزراعة والتحديث والطرق هو أمر طبيعى لا يفترض أن نشير إليه، وإذا ذكرناه نكون مدافعين عن السلطة، وإذا تجاهلناه وتركناه وعارضناه نحن نكون بالفعل سياسيين وأقوياء ونجومًا لامعة.. ويطرح هذا كله تساؤلات من نوعية: هل يجب علينا أن نسلط الضوء على ما يتحقق من تنمية فى مجالات عديدة، أم نتركها ونتفرغ لخوض صراعات مع بعضنا، ونهاجم بعضنا، ونشغل الشعب بخلافاتنا وصراعات الأحزاب والقيادات؟ النوع الثانى، هو الأغلبية التى تفرح لتحقيق أى خطة حقيقية فى مستويات التنمية والبناء والزراعة والصناعة، وهى الخطوات التى تتم بالفعل على أرضنا ونراها، وكما أشرت من قبل، إذا كانت الأحزاب السياسية مهتمة فعلًا بالمشاركة فى العمل العام، فلماذا لا تنظم زيارات إلى الفرافرة أو سيناء أو جبل الجلالة لترى بنفسها ما يجرى وتحكم عليه، بدلًا من أن تبقى فى القاهرة؟، وهل يمكن مثلًا أن تغادر القيادات والنجوم الكبار فى الصحف والفضائيات غرفها، وتحمل الكاميرات، وتستعرض ما يحدث وتقول للناس إن هناك خطوات مهمة تمثل مكاسب للأجيال، وإنه توجد هناك فى الفرافرة أو سيناء مجتمعات ومدن كاملة تقوم، ويمكن خلال عامين على الأكثر أن تجد ابنك أو ابنتك فرصة عمل محترمة فى هذا العالم الجديد، وأن هذه المجتمعات توفر لأول مرة إمكانية انتقال مئات الآلاف ليخرجوا من الوادى الضيق إلى عالم من الزراعة والتنمية. طبعًا أى شىء يتحقق على الأرض يعتبره بعض نجوم الاكتئاب هزيمة لهم، لأنهم يخوضون حربًا لا يفرقون فيها بين أن تكون منافسة سياسية ببرامج وتصورات، أو عداء والتزام بالخارج وليس بالداخل.. القضية ليست معارضة أو رغبة فى النفاق، لكنها فقط تمييز وتعامل موضوعى، إننا جميعًا فى بلد واحد، ووطن واحد، نفرح لكل ميزة، ونحزن للعيوب، ويفترض أن ننتقد، وأيضًا نشاهد ونرى مدى ما تحقق من مطالب.. هذه هى السياسة، وليست فقط هؤلاء الجالسين لتمزيق وشجب وصراخ، وهل القضايا التى يفرضها السياسيون والفضائيات والنجوم هى التى تهم المواطن؟، وهل يجد الناس أنفسهم فى هذا الجدل والمعارك والصراعات المفتعلة؟.. الإجابة غالبًا لا.. والنتيجة أن المواطن الطبيعى يختلف عن السياسيين وصناع الضجيج، لأنه يعرف ما هو المفيد والضار، ومن يسعى لخدمته ومن يخدعه.. القضية أصبحت واضحة، ولا تحتاج إلى حصافة، هناك ناس تعمل وتبذل ما تستطيع، وفئات تدافع عن مصالحها فقط، وتبحث عن مكاسب أو مناصب إذا حصلت عليها تصمت، وإذا حرمت منها تغضب، والحقيقة أن أحدًا لا يريد نفاقًا، إنما فقط أن يرى بنفسه ويحكم على ما يجرى.