توجهت الأنظار إلى القاهرة بعد دعوة الرئيس مبارك لعقد قمة عربية فى خطابه يوم 8 أغسطس 1990 لبحث مسألة غزو العراق للكويت يوم 2 أغسطس 1990..«راجع، ذات يوم، 8 أغسطس 2020».
كانت الخطى تتسارع نحو تهيئة المسرح لتنفيذ المخطط الأمريكى.. «وكان الرئيس مبارك لايزال يحاول» بتقدير الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل فى كتابه «حرب الخليج.. أوهام القوة والنصر» مضيفا: «اتصل الرئيس مبارك صباح يوم 9 أغسطس، مثل هذا اليوم، 1990 عند الفجر بالسفير العراقى فى القاهرة نبيل نجم، وطلب إليه أن يتوجه مرة أخرى إلى بغداد حاملا رسالة شفوية منه إلى الرئيس صدام حسين، وكان مؤدى الرسالة أن الرئيس المصرى ينصح نظيره العراقى بأنه إذا تعذر حضور مؤتمر القمة فإنه من المهم أن يوفد وفدا على مستوى عال يتيح له اتخاذ موقف مرن والتجاوب مع الموقف بما يتطلبه من أخذ وعطاء، وعند الظهر يوم 9 أغسطس أُعلن فى بغداد أن وفدا عراقيا عالى المستوى فى طريقه الآن إلى القاهرة، وفى الساعة السادسة مساء هبطت طائرة عراقية خاصة فى مطار القاهرة الدولى ونزل منها وفد عراقى كان بالفعل على أعلى مستوى، فقد رأسه «طه ياسين رمضان» نائب رئيس الجمهورية والرجل الثانى فى العراق بعد الرئيس صدام حسين، وكان الوفد يضم طارق عزيز وهو من المقربين إلى الرئيس العراقى».
يكشف هيكل، أن التوتر بدأ يظهر من أول لحظة فور وصول الوفد العراقى، حيث عرف أنه لن ينزل فى فندق مثل باقى الوفود، وإنما قيل له إن أحد قصور الضيافة خصص لإقامة أعضائه.. وتساءل طارق عزيز: لماذا ننزل فى قصر الضيافة بينما كل الوفود الأخرى فى الفنادق؟.. وكان الرد، إن الوفد العراقى يواجه مشكلة أمن تجعل حالته مختلفة عن حالة بقية الوفود، وبدأ طارق عزيز يشك ويعرب عن شكه، قائلا: هل المقصود هو حمايتنا أم عزلنا؟..إذا كان الأمر أمر حمايتنا فنحن على استعداد لأن نتحمل مسؤولية أنفسنا، وليس لكم إلا أن تتركونا لمقاديرنا، نحن نثق فى الشعب المصرى».. يؤكد هيكل: «رد عليه مسؤول مصرى قائلا: «المشكلة ليست الشعب المصرى، ولكن القاهرة تموج بعشرات الألوف من الكويتيين الآن».
يذكر هيكل: «لم يكن طارق عزيز على استعداد لأن يقتنع، واعتبرها محاولة لعزل الوفد العراقى تحول بينه وبين الاتصال ببقية الوفود، ثم طرأت مشكلة ثانية، فقد دُعى طه ياسين رمضان لمقابلة الرئيس مبارك مساء يوم 9 أغسطس، واحتج طارق عزيز، وقال:جئنا كوفد واحد ومن الضرورى أن نقابل الرئيس، ثم إننى أعتبر نفسى صديقا شخصيا للرئيس مبارك، ومع أن طه ياسين رمضان أيده فى موقفه فإن الترتيبات لم تتغير، وكانت تقضى بأن يذهب «رمضان» وحده لمقابلة الرئيس مبارك».
ذهب «رمضان» للقاء مبارك، ويذكر «هيكل» روايتهما حول ما حدث..قال مبارك، إن رمضان قال له فى نهاية مناقشة طويلة، إن ضم الكويت للعراق هو إجراء نهائى لا مراجعة فيه ولا عدول عنه لأى سبب، وأن العراق يعتبر هذا قرارا وطنيا لا يمكن طرحه للمناقشة عربيا وهو (أى رمضان) يحضر المؤتمر لمناقشة الأوضاع العربية كلها.. أما رمضان فيروى، أنه بدأ فقال للرئيس مبارك إن دولا عربية معينة عبرت خط الأمان وتورطت مع الأمريكيين بغير عودة، ولكنهم يثقون به (أى الرئيس مبارك) وإن كانوا فقدوا الثقة بالآخرين».
يعلق هيكل: «الحقيقة أن الوفد العراقى جاء إلى القاهرة يحمل شكوكا كبيرة، فقد كان سفر»ديك تشينى» وزير الدفاع الأمريكى إلى جدة ومعه الجنرال «شوارنزكوف» كافيا لإضاءة أنوار الخطوط الحمراء فى بغداد، وعندما اعلن أن حاملة الطائرات النووية «داويت إيزنهاور» على وشك أن تعبر قناة السويس، كان ذلك كافيا ليجعل أجراس الإنذار تدق».. يضيف: «بدا العمل السياسى العربى فى تلك اللحظات وكأنه مباراة فى لعبة العلاقات العامة أكثر منه فعلا إيجابيا وإرادة تمسك بزمام الحوادث، وكانت أجواء الحالة المترددة والمتردية فى العالم العربى تعكس نفسها فى قصر المؤتمرات بمدينة نصر».
يؤكد هيكل: «كانت الفوضى تعم داخل أروقة المؤتمر، فلا هيئة الأمانة العامة للجامعة العربية التى تتحمل مسؤولية الإعداد وصلت لتباشر مهامها، وإنما كانت الطائرة الليبية المقلة للأمين العام»الشاذلى القليبى» ومساعديه وصلت بالكاد إلى مطار القاهرة، ولم يكن هناك جدول أعمال قمة» .. وتواصلت الفوضى.