-خبراء: المنشآت الحكومية تعتمد على وسائل تقليدية لا أمل فيها
تفتقر العديد من المستشفيات الحكومية لأدنى وسائل التأمين ضد الكوارث، وهو ما يستلزم وضعها فى الاعتبار لتفادى تكرار سيناريو الحرائق فى عدد من الأسواق الشعبية مثل "الرويعى" و"الغورية"، ومن قبلها حريق مستشفى أطفال أبو الريش بعد تعرضها لحريق فى فبراير 2015، وكذلك حريق مستشفى بنى سويف العام.. إثر اشتعال مخلفات بساحة المستشفى، ليلحق بهذا الحادث حريق بوحدة" الُكلى" بمستشفى قصر العينى القديم، وكذلك حريق مستشفى الحسين الجامعى بسبب ماس كهربائى، حسبما قالت تحريات المباحث الجنائية.
"انفراد" رصد مظاهر الإهمال وتدنى وسائل التأمين داخل خمسة مستشفيات كبرى، وهى" قصر العينى، ومعهد ناصر، وحميات إمبابة، والهلال، ومستشفى الصدر".
قصر العينى.. تأمين منعدم
لم يكن يعلم العينى باشا أن قصره الذى بناه، وتحول كأقدم مدرسة للطب فى مصر مرت بمراحل عديدة، قد يُصبح محرقة مُحتملة، نتيجة انعدام وسائل التأمين ضد الكوارث، فبجولة بسيطة يمكن ملاحظة انعدام وسائل التأمين ضد الحرائق المحتملة، خاصة مع توافر العديد من المواد القابلة للاشتعال داخل عنابر المرضى المتكدسين على أسرتهم هم وذويهم، الذين لا يبخلون على أنفسهم باشعال "وابور الجاز" أو "الشعلة" لعمل "كوباية" شاى.
الأمر يفسره "م. ك" أحد مرضى البطن، قائلا: لا توجد هنا كافتيريا نشترى منها ما نريده، فنضطر إلى الاتيان بـ" وابور صغير" نستخدمه فى تسخين الطعام أو عمل الشاى، "لزوم القعدة".
وعن مدى توافر الرقابة، قال:" أحيانا يمر بعض الممرضين علينا ويمنعونا أو يسيبونا بعد ما نعزمهم عالشاى"، وتابع :" ما الذى يمكن أن يفعله ذلك الوابور، ناخذ حيطتنا وربك الستار".
فى قسم الباطنة كانت هناك طفايات حريق وضعت داخل كل طرقة وجميعها طرقات ممتدة لمسافات طويلة، بينما خلت العيادات وغرف المرضى منها.
تقول "مى. ر" طبيب امتياز:" تفتقر المستشفى إلى أدنى وسائل التأمين، وربما هذا يرجع إلى أنها لم يتم بناؤها منذ تأسيسها على أنها مستشفى، ولذا لا نشاهد سلما للحرائق على سبيل المثال، وكذلك عدد كاف من طفايات الحريق، فضلا عما يحضره المرضى من مواد مشتعلة وأخرى قابلة للاشتعال، إلى جانب الماس الكهربائى الذى تكرر حدوثه فى العديد من المستشفيات وتسبب فى اشعال حرائق بها، وكل هذا يزيد من فرص اشتعال النيران وتسبب فى كوارث بشرية ومادية".
حميات إمبابة.. إهمال مستمر
ربما يتحول المستشفى المنٌقذ إلى ضحية يحتاج إلى من يُنقذه، فبفضل الإهمال تتحول المستشفيات نفسها إلى ضحية نتيجة لضعف أنظمة الأمان، هذا هو وضع مستشفى حميات إمبابة، الذى خَلَت طرقاته تماما من أى وسيلة أمان تُذكر، ولو طفاية حريق واحدة، الأمر الذى يهدد ألافا من زواره يوميا بكارثة.
تنقسم المستشفى إلى ثلاث مبان رئيسية، إحداها إدارى، والثانى خُصص للكشف وإجراء التحاليل والأشعة، بينما كان أهمها المخصص لغرف المرضى وذويهم ممن يأتون لزياراتهم، والغريب أن جميع تلك المنشآت خلت تماما من أى وسائل تأمين ضد الحرائق.
داخل المبنى المخصص للمرضى تكثر الأشجار وصناديق الأخشاب الملقاة هنا وهناك كما توجد أسلاك كهربائية عارية على بُعد أمتار منها كثير من السيارات.
المشكلة التقليدية تتكرر بداخل غرف المرضى، وكما هى عادة البسطاء، وهى مشكلة جَلْبْ" وبور الغاز أو الجاز" معهم بتلك الغرف، والتى تتسم بمساحتها الصغيرة وكثرة الأدوات المنزلية.
يقول رفعت محمد أحد الزوار ويعمل موظفا بأحد البنوك: "حُميات إمبابة مفيهاش طفاية حريق توَحِدْ ربنا، ونخشى على أنفسنا من "وابور الجاز" الذى يحضره الزوار، متسائلا: أين استعدادات المستشفى حال وقوع مكروه أو حادث، ومضيفا : يزيد من خطورة الوضع أننا وسط منطقة سكنية وشعبية، يكثر فيها انقطاع المياه، وإذا حدث واحتجنا – لا قدر الله – إلى الاتصال بالنجدة، فالمدة التى تستغرقها للمجىء إلينا ساعات عدة، وربما حان الوقت أن تتخذ حكومتنا كافة الإجراءات الوقائية وتعيد هيكلة المبانى بما يتناسب مع وسائل الأمن الحديثة، حفاظا على الأوراح والمبانى.
داخل المبنى الإدارى والآخر المخصص لإجراء الأشعة والتحاليل المختلفة، كان الزحام شديدا، لدرجة التصاق الناس بمكاتب الأطباء وأجهزتهم الطبية، نظرا لضيق الأماكن، وهو الأمر الذى تصفه "ش. ج" ممرضة بالمستشفى بـ"الكارثى" نظرا لكثرة أعداد المرضى، وانعدام وسائل التأمين، قائلة:" إدارة المستشفى نفسها لا تدرك حجم المشكلة التى قد نتعرض لها".
مستشفى الصدر.. تأمين على ورق
من الخارج تبدو مستشفى الصدر بإمبابة أكثر أمنا وأمانا من غيرها، أمر يؤكده أحد العاملين بها، قائلا:" نحن نختلف عن الآخرين، لدينا طفايات حريق وموظفين وعمال نضع أعيننا بمنتصف رؤوسنا، منتبهين لجميع الزوار، إلا ان الامر داخل المستشفى مختلف حيث يفتقر الى معايير السلامة والتأمين الدقيق، وعلى الرغم من ذلك تختلف مستشفى الصدر فى التشديد على عدم إصطحاب الاهالى لـ" وابور الجاز" وذلك نظرا إلى أن جميع المرضى يعانون حساسية بالصدر ومشاكل وأمراض جميعها تتعلق بالجهاز التنفسى.
وبالانتقال إلى مستشفى الهلال الواقع فى منطقة رمسيس، يقول أحد اهالى المرضى، قائلا:" وزارة الصحة اسلوبها واحد وعقليتها واحدة فى إدارة الأزمة وتأمين مستشفياتها، فلن تجد فى أى مستشفى سوى طفايات الحريق المتهالكة وغير صالحة للاستخدام غالبا، مسترسلا :" الصحة تستمد عقيدتها من الدول التى تتبنى نفس المبدأ، من إبراء ذمتها بوضع طفايات حريق لا تسمن ولا تغنى من جوع، هذا فى حال إذا افترضنا أنها تعمل من الأساس".
معهد ناصر.. قنبلة موقوتة
يعتبر مستشفى معهد ناصر من أكبر المراكز الطبية المتخصصة التابعة لوزارة الصحة بمساحة قدرها 104 ألف متر مربع تقريباً، تتوافر فيه جميع التخصصات، وهو ما يؤهله ليكون احد المراكز الطبية على المستوى العربى، إلا أن الحالة الأمنية والتأمينية لا تختلف عن غيره من المستشفيات.
طفاية الحريق المتواجدة داخل المعهد تفتقر إلى أهم شئ وهو إرشادات الاستخدام الخاصة به وهو ما يقول عنه محمد جميل محافظة القليوبية مُدرس:" أتردد على معهد ناصر منذ فترة بسبب مشكلة صحية، ولا أجد فرقا من حيث الوسائل التأمينية بينه وبين مستشفى بنها العام، ولكن لو افترضنا أن طفاية الحريق تعمل، فأين ارشادات استخدامها فى حال – لا قدر الله – وقع حريق، وإذا لم استطع ذلك، فكيف للعامل أو موظف المستشفى فعلها أو الوصول إليها وهذه الأعداد الغفيرة".
ومن جانبه، قال خالد عكاشة مدير المركز الوطنى للدراسات الأمنية:" ليس هناك سبيل لحماية المنشآت الحيوية كالمستشفيات وغيرها، إلا من خلال وسائل الدفاع المدنى الحديث، أى أجهزة الإطفاء التلقائى والمُبَكِّر ضد الحرائق وضد تسرب المياه، ويتم تركيبه من قبل شركات ومتخصصة ولدينا شركات تمتلك تلك المهارات.
ويتابع :"من غير هذه التقنيات الحديثة لا سبيل لحماية المبانى وستظل معرضة لأن يصيبها التلف أو التخريب المتعمد وغير المتعمد أو تكون عرضه للكوارث والحرائق.
وعن مميزات وسائل الأمان الحديث فيقول عكاشة:" تساهم فى توفير أمان مميز، وتقلل حجم الخسائر ونسبة الخطر فى المبانى وتساعد على محاصرة لخطر لحين وصول المتخصصين، العيب الوحيد الذى يجعل الحكومة لا تستطيع استخدام هذه التقنيات هو تكلفتها العالية وميزانية الحكومة لا تستطيع توفيرها، والحل توفير التمويل لتركيب تلك التقنيات الحديثة، وسيتم إدخالها وحماية المواطنين ومصالحنا.
فى السياق ذاته، يقول محمود زاهر الخبير الأمنى :" الامكانيات المادية هى الحل، المشكلة أن جميع تلك المنشات لازالت تعتمد على وسائل تأمينية تقليدية، نتحول إلى الامكانيات التكنولوجية والأساليب الحديثة، من حيث الأدوات وتدريب العنصر البشرى، وتغيير ثقافة الناس والحماية نفسها.
ويتابع :" يجب أن تكون جميع القوات الشرطية والإسعافية والمطافئ جميعها فى كامل التأهب والاستعداد، بحيث تكون لديهم خطة تمركزات على الخريطة بسرعات محسوبة، تستغرقها للوصول إلى محل الحريق أو الكارثة، إلا أن تلك الامكانيات غير متوفرة، ولكن الوقت عامل مهم.
وعن رؤيته لحل الأزمة يقول زاهر:" لابد أن يكون لدى المواطنين إحساس بالمسئولية واحترم الإنسان الذى أسير بجواره والمنشأة التى أعالج فيها، على الأقل لابد أن يكون العنصر البشرى مُدَربْ بشكل جيد، لتفادى حدوث تلك المشاكل.
ومن جانبه، قال جمال عبد المنعم مدير الحماية المدنية بالجيزة سابقا والخبير الأمنى:"لابد من توفر اشتراطات الوقاية من اخطار الحريق، ولدينا الكود المصرى للحريق وهو تشريع يضع اشتراطات لكل منشأة تابعة للحكومة تختلف عن غيرها، وفائدته تعود فى أنه يقلل الحرائق ومخاطرها، وعدم وجودها أو التدريب عليها يؤدى إلى مشاكل كبيرة جدا فى منشآت مصر باختلاف أنواعها.
ويتابع مدير الحماية المدنية بالجيزة سابقا قوله:" المحاكم والمستشفيات والمدارس تحتاج إلى تحديث، وتدريب وصيانة، فالأمر ليس قاصر فقط على وضع طفاية حريق والاكتفاء بذلك، ولكنها تحتاج إلى صيانة وتدريب لأنه يمكن أن تنتهى صلاحيتها، فاذا لم يتم تحديثها عمرها الافتراضى ينتهى فتكون مجرد قطعة حديد ليس لها قيمة، الأمر كبير ويحتاج إلى توعية وثقافة.
وعن الجهة المنوط بها مراقبة وصيانة وتحديث وسائل التأمين بالمنشآت الحيوية فيقول عبد المنعم:"الحماية المدنية هى التى تشرف وتراقب على هذه الأمور‘ مؤكدا أن الوعى الاطفائى لدينا ضعيف جدا ولا يكفى مجرد تركيب الأجهزة ولو كانت حديثة، فيجب تدريب العنصر البشرى عليها جيدا، كما أنه لابد من صيانتها بشكل دورى وإلا أصبحت مجرد قطعة حديد لا فائدة منها، الحريق يحدث من شرر صغير جدا إلى أن يصل لنيران كغول، وإذا لم نلحقها وهى صغيرة بالتجهيزات والعنصر البشرى المُدرب، ستكون كارثة.
واقترح عبد المنعم وضع مناهج يتم تدريسها للطلاب تتناول نشر الوعى الاطفائى، وتدريب الأطفال على كيفية التعامل مع مسببات الحرائق، مثلهم مثل أطفال أوروبا الذى ينام تحت الترابيزة بمجرد شعوره بزلزال، ولذا تقل المخاطر.