واصل الكاتب الروائى إحسان عبد القدوس توضيح وجهة نظره فى خطاب كتبه للرئيس جمال عبد الناصر، حول مجموعته القصصية «البنات والصيف»، التى بدأت مجلة «صباح الخير» فى نشرها مسلسلة من 28 أغسطس 1958.
كتب «إحسان» خطابه بعد أن أبلغه الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل، أن عبد الناصر لم يعجبه ما جاء فى المجموعة، ونشر إحسان هذا الخطاب فى بداية مجموعته القصصية «آسف لم أعد أستطيع»، وقال: إنه لا يتذكر ما إذا كان قد أرسله إلى عبد الناصر أم لا.. راجع ذات يوم 28 أغسطس 2020.
بعد أن استهل «إحسان» خطابه بتحيات الرئيس وشوقه، وتنويهه إلى ما ذكره له هيكل، قال: أنا لا أكتب هذه القصص بدافع الربح المادى، فإنى مازلت أقل كتاب القصص ربحا، ولا أكتبها بدافع الرغبة فى رفع توزيع المجلة، فقد كنت أكتب هذه القصص فى الوقت الذى لم تكن المجلة فى حاجة إلى رفع توزيعها، وقبل الثورة عندما كنت أكتب فى قضية الأسلحة الفاسدة، وأثير حملاتى على النظام القائم، وكان عدد روز اليوسف الواحد يباع بعشرين قرشا، فى نفس هذا الوقت كنت أكتب قصة «النظارة السوداء» وأنشرها مسلسلة، وهى تصور مجتمع المتمصرين تصويرا صريحا جريئا، وإذا كان رفع توزيع المجلة يعتمد على نشر القصص المسلسلة، فإن القصص الاجتماعية الصريحة ليست وحدها التى ترفع التوزيع، وسبق أن نشرت فى «روز اليوسف» قصة «فى بيتنا رجل» وهى قصة وطنية خالصة، ليست فيها مشكلة حب ولا مشكلة جنس، ورغم ذلك رفعت من توزيع المجلة، أكثر مما رفعته قصة «لا أنام» مثلا التى تدور حول مشكلة عاطفية، وذلك كما هو ثابت فى كشوف توزيع المجلة.
أوضح إحسان أنه لا يتعمد اختيار نوع أو اتجاه معين من القصص، وإنما تفكيره فى القصة يبدأ بالتفكير فى عيوب المجتمع، وفى العقد النفسية التى يعانيها الناس، وعندما ينتهى من دراسة زاويا المجتمع، يسجل دراسته فى قصة.. يؤكد: كل القصص التى كتبتها كانت دراسة صادقة جريئة لعيوب مجتمعنا، وهى عيوب قد يجهلها البعض، ولكن الكثيرين يعرفونها، وهى عيوب تحتاج لجرأة الكاتب حتى يتحمل مسؤولية مواجهة الناس بها، ومنذ سنين عديدة، وجدت فى نفسى الجرأة لتحمل هذه المسؤولية.
يوضح إحسان أن هدفه من إبراز هذه العيوب، أن يحس الناس بأن أخطاءهم ليست فردية، بل أخطاء مجتمع كامل، أخطاء لها أسبابها وظروفها داخل المجتمع، ونشرها سيجعلهم يشجعوه، وسيؤدى بهم السخط إلى الاقتناع بضرورة التعاون على وضع تقاليد جديدة لمجتمعنا تتسع للتطور الكبير الذى نجتازه، وتحمى أبناءنا وبناتنا من الأخطاء التى يتعرضون لها نتيجة هذا التطور، وهذا هو الهدف الذى حققته قصصه.
يضيف: بدأ الناس يسخطون ولكنهم بدل أن يسخطوا على أنفسهم، وبدل أن يسخطوا على المجتمع سخطوا على الكاتب، أى سخطوا على أنا، ولكنى كنت مؤمنا بأن مع استمرارى وتصميمى سينقلب السخط على إلى سخط على عيوب المجتمع، ومن ثم يبدأ الناس فى التعاون على إصلاح ما بأنفسهم، وإن ما أراه يا سيدى الرئيس فى مجتمعنا لشىء مخيف. إن الانحلال والأخطاء والحيرة والضحايا، كل ذلك لم يعد مقصورا على طبقة واحدة من طبقات المجتمع، بل امتد إلى كل الطبقات، وحتى الطبقة الثورية بدأ الجيل الجديد منها ينجذب إلى مجتمع الخطايا، وأصبحت البيوت المستقرة التى تقوم على الخلق القوى ، والتقاليد القوية، لا تمثل مجتمعنا بل تمثل حالات فردية متناثرة هنا وهناك.
يكشف إحسان أن صديقه هيكل أبلغه أن الرئيس فوجئ فى إحدى القصص بما يمكن أن يحدث داخل الكبائن على شواطئ الإسكندرية، وعلق: سيدى الرئيس الذى سجلته فى قصصى يحدث فعلا، ويحدث أكثر منه وبوليس الآداب لن يستطيع أن يمنع وقوعه، والقانون لن يحول دون وقوعه. إنها ليست حالات فردية- كما قلت- إنه مجتمع، مجتمع منحل، ولن يصلح هذا المجتمع إلا دعوة.. إلا انبثاق فكرة، تنبثق من سخط الناس كما انبثقت ثورة 23 يوليو، لهذا أكتب قصصى.
ذكر إحسان أمثلة لأدباء عالميين، قال: إنه يواجه فى مصر مثل ما وجهوه هم، وكتبوا قصصا أكثر صراحة وبشاعة مما كتب، ومع ذلك يتم ترشيحهم لجائزة نوبل، مثل «بلزاك والبرتومورافيا وسارتر و همنجواى وفولكنر»، ويضيف: فى مصر حاول كثيرون مثل المازنى فى «ثلاثة رجال وإمرأة»، وتوفيق الحكيم فى «الرباط المقدس» ولكنهم تراجعوا أمام ثورة الناس.
طرح إحسان فى رسالته سؤالا: هل أنا ملحد؟ وأجاب.. فماذا قال؟