قصد رسول من الوهابيين فى «الدرعية» أكبر بلاد نجد إلى معسكر إبراهيم باشا بن محمد على يوم 9 سبتمبر، مثل هذا اليوم، 1818، فصدر أمر بوقف ضرب النار، حسبما يؤكد الدكتور عبدالرحمن زكى فى كتابه «التاريخ الحربى لعصر محمد على الكبير».
كانت الحرب فى الدرعية على أشدها بين جيش محمد على والوهابيين، وهى الحرب التى خاضها الباشا استجابة لنداء تركيا، وفقا لعبدالرحمن الرافعى فى كتابه «عصر محمد على»، موضحا: «لما استفحلت الدعوة الوهابية فى بلاد شبه الجزيرة العربية تعطلت مراسم الحج السنوية، واضطربت تركيا إزاء امتداد دعوة الوهابيين واستيلائهم على الحرمين الشريفين، ومنعهم الحجاج الذين لا يتبعون تعاليمهم من الحج، وانتصارهم على الولاة فى العراق والشام، ووقع الشك فى مقدرة السلطان العثمانى بالاضطلاع بمهمة حامى الحرمين الشريفين، فاستنجدت بمحمد على باشا وطلبت إليه محاربتهم».
يذكر «الرافعى» أن تركيا بعد أن فشلت حملاتها فى هزيمة الوهابيين، كررت طلبها ثلاث مرات لمحمد على، الأولى فى أواخر ديسمبر 1807، والثانية فى 1808، والثالثة فى 1809، وكان يتعلل كل مرة بانشغاله فى محاربة المماليك، ثم استجاب وقام بتجهيز حملة وتسييرها فى 30 سبتمبر 1811 بقيادة ابنه طوسون باشا، ويعدد الرافعى أسباب موافقة الباشا بعد أن ظل رافضا لسنوات، قائلا: «رأى محمد على أنه إذا نجح فى هذه المهمة فإن مركزه سيتوطد أكثر لدى تركيا، ولن تعامله مثل معاملة سائر الولاة فى الدولة الذين كانت تتصرف معهم بالعزل والنقل، أى أنه كان يسعى لتثبيت مركزه».
واصل جيش محمد على انتصاراته على الوهابيين، وفى عام 1815 عاد طوسون باشا إلى مصر، وفى 5 سبتمبر 1816 سافر إبراهيم باشا لقيادة المعارك، وكانت «معركة الدرعية» ختامها، وكان عبدالله بن سعود هو أميرها، ويؤكد عبدالرحمن زكى: «كانت الدرعية معقل الوهابيين وعاصمة ملكهم ومركز حشدهم، وكانت تتألف من خمس مدن صغيرة لكل منها أبواب وأسوار، تتخللها الحصون والأبراج، فضلا عن قلعة كبيرة تحميها».
بدأ إبراهيم معاركه فى الدرعية منذ أبريل 1818، وواصلت مدفعيته ضربها، ويذكر «زكى»: «ساء موقف ابن سعود حتى رفع راية التسليم وطلب الكف عن القتال، وفى 9 سبتمبر 1818 قصد رسول من العدو معسكر إبراهيم باشا، فصدر أمر بإيقاف ضرب النار، وتحدد موعد للقاء الزعيم الوهابى للمفاوضة على التسليم».
بعد ساعتين جاء عبدالله وسط مائتين من رجاله، وكان إبراهيم يجلس على أريكة فى خيمته، وتلقاه برعاية وود، وأراد عبدالله أن يقبل يده، لكن إبراهيم سحبها منه تلطفا، ثم أجلسه إلى جنبه ودار بينهما حوار قصير، حسبما يذكر «عبدالرحمن زكى»، مضيفا: «قال ابن سعود فى نهايته: إنى أسألك الصلح يا سيدي، أفتمنحه؟.. أجاب إبراهيم: نعم وإنى لجاعلك الحكم فى شروطه، وإنما هناك أمر لا تصرف لى فيه ألا وهو بقاؤك فى الدرعية، فإن الأمر الوارد إلى من الوالى يقضى بذهابك إلى مصر، فأطرق عبدالله هنيهة وطلب إرجاء إجابته الختامية إلى الغد، ثم تناول القهوة وانصرف بعد أن رد إليه إبراهيم ابنه سعد الذى كان أسيرا».
فى اليوم التالى عاد عبدالله، فتلقاه إبراهيم بمثل ما تلقاه به يوم أمس، ثم سأله: بم نويت عليه؟، فأجاب: أسافر إلى مصر إذا ضمنت لى النجاة، فقال إبراهيم: إذا كنت لا أستطيع التصرف فى إرادة الوالى فإنى لعاجز من باب أولى عنه فى إرادة السلطان، ولكنى أعتقد عن ثقة أنهما من كرم النفس وسعة الصدر بحيث يأبيان التنكيل بمن سلم بنفسه إليهما، فقال عبدالله: إنى واثق بكرمك يا إبراهيم وأوصيك بأولادى وإخوتى وأبناء وطنى خيرا وأطلب لهم السلام جميعا قبلى».
انتهت إجراءات الصلح، وفى 15 سبتمبر 1818 ودع «ابن سعود» أسرته الحزينة وأصدقاءه ورجاله، ثم أوغل فى الصحراء يحف به أربعمائة جندى بقيادة رشوان أغا - وفقا لعبدالرحمن زكى - مؤكدا أنه فى 17 نوفمبر وصل إلى القاهرة فجئ به إلى شبرا، وقدم إلى الباشا فقبل يده وشرب القهوة، ثم سأله محمد على عن رأيه فى إبراهيم باشا، فأجاب: قام بالواجب عليه كما قمنا بالواجب علينا، وأراد الله ذلك وقضى به ولا راد لقضائه، وبعد انتهاء الحوار بينهما ألبسه محمد على خلعة من السمور وأسكنه فى بولاق، وبعد ثلاثة أيام ركب السفينة إلى الأستانة ووصلها يوم 16 ديسمبر، ولم تنفع شفاعة محمد على لدى السلطان للعفو عنه، وأمر بإعدامه.