بعد أن ظهر الصراع السعودى الإيرانى جليا، وصار على المكشوف بعد تدخل طهران المباشر فى شئون المملكة وتعقيبها على أحكام القضاء الذى حكم بالإعدام على 47 إرهابيا بينهم القيادى الشيعى المعارض باقر النمر، واحتجاج طهران وتعرضها باقتحام سفارة المملكة العربية السعودية وإحراقها، وهو ما انتهى بقطيعة سياسية، اتخذت المملكة قرارا بقطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع طهران، هذه القطيعة أثارت تساؤلات فى الذهن أبرزها كان سؤال "من يدفع فاتورة هذا الصراع بين أكبر بلدين إسلاميين فى المنطقة؟".
بالنظر إلى الصراع السعودى الإيرانى فى المنطقة الذى بدا منذ سنوات، والسياسة التى انتهكتها طهران أمام دول الخليج لاسيما المملكة العربية السعودية منذ الثورة الإسلامية، سنجدها تسير على وتيرة واحدة نحو مزيدا من التوتر وإن تغيرت الوجوه فى الساحة السياسية الإيرانية على مدار سنوات هذا لأن الفاعل الحقيقى فى السياسة الخارجية الإيرانية هو واحد، وهو دائما ما يقبع خلف الستار مع تصدير وجوه حاولت أن تنقلب على الداخل وتغير فى ثوابت وضعتها التيار المتشدد، لكن لأى سبب كان لم تجد دعوات الحوار بين البلدين فى السنوات الأخيرة صدى، وأخذ الصراع يتنامى ويتخذ اشكالا عديدة فى العديد من ملفات المنطقة وقد برز فى السنوات الأخيرة فى سوريا واليمن والبحرين ومحاربة داعش.
ويدرك المجتمع الدولى خطورة التصعيد فى العلاقات بين طهران والرياض وانعكاسات ذلك الصراع على ملفات الشرق الأوسط، لذا تُبذل جهود من قبل بعض الدول لاحتوائه واختيار مسيرة استكمال السلام فى ملف الأزمة السورية واليمنية، خاصة وأن الطرفين يعيان تماما حجم المأساة الإنسانية التى خلفتها هذه الأزمات، فالقطيعة السياسية بين الرياض وطهران لن يدفع ثمنها سوى الملفات المتداخلة بين الطرفين والتى تأخذ بعدا مذهبيا، وعلى سبيل المثال مع المحاولات الحثيثة التى تجرى للتوصل لحل فى الأزمة السورية ساذج من يظن أنها لن تتضرر وتستمر الأزمة لسنوات، لبنان الذى دخل فى صراع طائفى منذ القطيعة بين التيارات السياسية المختلفة وحزب الله الموالى لإيران، أو العراق الذى سيعود للصراع الطائفى خاصة وأن طهران لديها نفوذ كبير على التيارات الشيعية، واليمن الذى تمتلك إيران فيه ورقة ضغط على المملكة وهم المتمردون الحوثيون، ويُتوقع أن تصبح الأمور أسوأ بكثير، وسط تزايد أساليب "الحرب بالوكالة" بين البلدين.
"لبنان" مهدد بعودة الصراع الطائفى
لبنان بلد يعيش منذ سنوات أسير الصراع الإقليمى وحساباته، ولا شك أن تداعيات الصراع بين الرياض وطهران بدأ يظهر فى بيروت الذى تحول إلى ساحة المواجهة والتراشق السياسى بين تيار المستقبل وحزب الله، الذى دخل على خط النزاع عبر التصعيد الكلامى الذى قام به أمينه العام السيد حسن نصرالله، كما أطلقت دعوات فى الضاحية الجنوبية وأكثر من منطقة لبنانية لمقاطعة البضائع المستوردة من السعودية.
لكن رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريرى هاجم حزب الله وقال إنه يتصرف وكأنه ينطلق من مرجعية سياسية زائفة، لإسقاط حدود السيادة الوطنية للدول القريبة والبعيدة"، وقال: يتولى البعض فى لبنان، تشريع الأبواب أمامها ويتقدم صفوف التحامل على المملكة وقيادتها، بأساليب مرفوضة ومقيتة، ولم تقتصر الأمور على كلام رئيس تيار "المستقبل" حتى دخل على خط الهجوم وزير العدل اللبنانى اللواء أشرف ريفى الذى اعتبر أن "نصر الله مدان بارتكاب جرائم كبرى ومكانه الطبيعى فى قفص الاتهام".
وبات واضحا أن الحلول التى كانت تبحث فى الأسابيع الأخيرة من العام الماضى لخروج لبنان من أزمة اختبار رئيس للجمهورية قد تجمدت، وعادت الأمور إلى نقطة الصفر.
الأزمة السورية الخاسر الأكبر
لا شك أن ملف الأزمة السورية سوف يدفع النصيب الأكبر من فاتورة الصراع السعودى - الإيرانى، فهو أكثر ملف سيتأثر بالقطيعة السياسية بين الرياض وطهران، لأنهما من أكثر البلدان الفاعلة فى الصراع الدائر على الأراضى السورية، ففى الوقت الذى وقفت فيه طهران بكل ثقلها إلى جانب بشار الأسد اعتبرت المملكة أن الأخير لا يمثل تطلعات الشعب السورى ووقفت إلى جانب المعارضة، ومع تكثيف الجهود العام الماضى خلال مباحثات فيينا حاول الفرقاء التوصل لاتفاق لحل الأزمة السورية وإقناع السعودية وإيران بالتعاون من أجل التوصل لوقت إطلاق النار بين الأحزاب المتحاربة، وتم الاتفاق حول إطار زمنى لحل الأزمة السورية يتضمن خارطة طريق لإقرار وقف إطلاق نار شامل مدعوما بقرار دولى، وبالقطيعة الدبلوماسية بين البلدين تجددت المخاوف من انسحاب الطرفين من اجتماعات فيينا وضياع مكتسبات الاجتماعات السابقة التى تضمنت الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا وفرنسا وألمانيا والعراق ومصر والاتحاد الأوروبى وروسيا والصين والإمارات وعمان.
لذا تحركت الأمم المتحدة لتدارك تداعيات الأزمة الدبلوماسية بين السعودية وإيران على جهود السلام فى سوريا واليمن، وغادر وسيط الأمم المتحدة لسوريا ستافان دى ميستورا إلى الرياض، لإجراء محادثات، وبعدها سيتوجه إلى طهران للحصول على ضمانات بأن التقدم الذى تحقق فى جهود إحلال السلام فى سوريا ليس فى خطر.
اليمن
النزاع الدائر فى اليمن بين المتمردين الحوثيين المدعومين من طهران يعتبر كارت ضغط لن تنساه طهران لممارسة ضغط على المملكة العربية السعودية، وستزيد إيران دعمها وتزيد دعمها لمليشيات الحوثى، فى المقابل التحالف العربى صعّد من غاراته على مواقع قوات الرئيس اليمنى السابق والحوثيين بشكل كبير، خصوصا فى صنعاء ومحيطها منذ اليوم الأول للقطيعة السياسية بين طهران والرياض، وأصبح التحالف بقيادة المملكة أكثر عزيمة على تحقيق انتصار واضح فى اليمن أمام الدعم الإيرانى للحوثيين ومحاولاتها لتأجيج التوتر شرق المملكة.
العراق وتأجيج العنف الطائفى
العراق الذى يشهد حربا مذهبية دموية بين العامين 2006 و2008، مع النفوذ الإيرانى الكبير ودعمها للأحزاب والفصائل الشيعية، والحشد الشعبى العراقى، مهدد بالدخول إلى نفق الصراع الطائفى المظلم وزيادة التوترات الأمنية بين السنة والشيعة، ومنذ القطيعة السياسية شهد العراق تفجير مسجدين لأهل السنة ومقتل إمامهما وهو ما وجد إدانات عالمية.