نقلاً عن اليومى..
عندما اندلعت شرارة الانتفاضات العربية بدأت من ذلك البلد الساحلى فى شمال أفريقيا، وعلى الرغم مما مرت به مثل غيرها من الدول العربية من اضطرابات فإن قيادات تونس وشعبها استطاعت تحكيم العقل، والتوصل إلى لغة تفاهم، وتشاركت التيارات المختلفة فى الحكم.
تحدث وزير الشؤون الدينية التونسى الدكتور محمد خليل لـ«انفراد» عن فترة حكم جماعة الإخوان المسلمين فى مصر، وعلاقة حركة النهضة التونسية بالتنظيم الدولى للإخوان، كما تحدث عن أوضاع اليهود والشيعة وغيرهما من الأقليات الدينية فى بلاده، ولم يرفض الدكتور خليل فقط وصف الشيعة أو غيرهم من أصحاب المذاهب الأخرى بأنهم يشكلون خطرا، لكنه أكد على أنه وزير الشؤون الدينية فى تونس، إيمانا منه بالمواطنة، فهو مسلم الديانة ووزير لجميع المواطنين.
الوزير التونسى تحدث أيضا عن المشهد فى العالم العربى، ودور الإعلام فى زيادة التوترات الطائفية، والتحديات التى تواجه المجتمعات العربية فيما بعد الربيع العربى، الذى أشار مازحا إلى أنه لم يكن سوى 3 أشهر فقط.. وإلى نص الحوار:
جئتم إلى مصر للمشاركة فى مؤتمر دور المؤسسات الدينية فى العالمين العربى والإسلامى فى مواجهة التحديات.. فما هو ذلك الدور بوجهة نظرك؟ وكيف تكون محاربة الإرهاب، وهل يكفى الحل الأمنى أم نحتاج إلى مواجهات من نوع آخر؟
- مثل هذه المؤتمرات دورها جاد ومهم لتبادل الآراء والخبرات والتصورات التى من شأنها أن تساعد على مكافحة الفكر الإرهابى الدخيل على مجتمعاتنا العربية الإسلامية.
أما عن مواجهة الإرهاب، فالحل الأمنى لابد منه بالطبع فى مواجهة من يحملون السلاح بوجه الناس، ولكن هناك أيضا مقاربات فكرية لابد من توافرها، ويجب أن نعتمد الثقافة والإبداع والوسائل التى تجعل الشباب يتفاعل مع الوسائل الجديدة خاصة الإنترنت، كما أرى ضرورة أن نكثف الدروس التى نبث من خلالها القيم الدينية الصحيحة، وأن نركز على القرآن الكريم الذى أعتبره اللقاح الأول ضد السموم والانحرافات.
إلى جانب هذه المسائل الثقافية، يجب أن نعتمد على الإبداع، وأن ننتج ونقدم مادة ثقافية من شأنها أن تقاوم الانحرافات الفكرية والدينية، ولا ننسى أن استقطاب شبابنا وقع فى وقت من الأوقات فى المساجد، لذا يجب تعمير الجوامع والمساجد بالدروس التى يلقيها شيوخ وأساتذة معتدلون.
لو انتقلنا إلى ما يتعلق بدعوات إصلاح الخطاب الدينى.. فما هو المقصود بهذا التعبير من وجهة نظرك؟ وكيف يكون؟
- أولا: أود أن أوضح أننى ضد كلمة تجديد الخطاب الدينى، لأنه يعنى أننا سنعيد القديم، إذ إن تجديد الخطاب سوف يقع على الأسس القديمة، لكن ما نحتاجه هو الاتجاه إلى تطوير مضمون الخطاب، لأن تطويره يعنى تناول موضوعات تتصل بالواقع المعاش وتعالجه فى جميع خصوصياته الاجتماعية والسياسية والروحية بشكل وبأسلوب يقبله ويمس العقل والوجدان، لأنه فى بعض الوقت كان الخطاب يمس الوجدان فقط.
كثيرون يرون أن بعض النصوص الدينية تحرض على الإرهاب وتستغلها جماعات الإرهاب وهناك دعوات لتنقيح الكتب الدينية الإسلامية منها.. فما رأيك؟
- لدينا تراث كامل من النصوص الدينية مرتبط بفهم القرآن الكريم وفهم أسلافنا له وللدين فى أبعاده الخاصة بالعقائد والمعاملات وغيرها، والواقع أن هناك من تعامل مع هذه النصوص وفق منهج عقلى خاضع للتأويل والفهم العميق، وهناك من تعامل معها وفق فهم حرفى ضيق، وهنا تبرز مسؤولية العلماء والمشايخ والمفسرين فى أن يوضحوا مرجعيات هذه النصوص، فعندما نجد نصا قد نفهم منه أن الدين دين عنف وقتل فعلينا أن نوضح أن هذه الآيات نزلت فى ظروف معينة وسياق معين حتى نخرج عن الاتهامات التى نكيلها لتراثنا وللقرآن الكريم.
هناك الكثير من الكتاب والمفكرين فى مصر وغيرها من الدول العربية والإسلامية حوكموا بتهم ازدراء الأديان.. هل ترى أن مثل هذه القوانين تمثل حماية للدين أم تتفق مع من يقولون إنها تضر بصورة الإسلام؟
- أولا: أود أن أوضح أن الفن وسيلة من وسائل التعبير وعنصر من عناصر الثقافة مثل الدين، وهناك تكامل بينهما، ولا يمكن أن نمنع الفن من حرية التعبير، لكن فى الحقيقة الفن والأدب والثقافة يرتبطون بقيم، والفن إما أن يكون راقيا أو لا يكون، لأن الغاية منه هو تهذيب النفس. وفى هذا الإطار أعتقد أن هناك بعض الخيوط الدقيقة التى إذا ما تجاوزها الفن فإنه يسقط فى عكس مقصوده.
هل تحمى قوانين ازدراء الأديان الدين؟ وهل تتفق مع محاسبة من يُعتبر أنهم متجاوزون؟
- الدين فى الحقيقة هو دين واحد، ولكن الذى يختلف فيه هو الطقوس والعبادة، فنحن متدينون ولابد أن يكون للإنسان عقيدة وأن نحترم عقائد الناس وكل شخص يعبر عن عقيدته بما لا يجرح به مشاعر وعقائد الآخرين.. لا أقول محاسبة المتجاوزين، لكنى أفضل أن أذهب فى إطار المحاسبة الذاتية، بحيث يحترم الإنسان سقفا معينا ولا يتجاوزه، حتى لا يسقط فى الاعتداء على مشاعر الآخرين، لكن بشكل عام لا أستطيع أن أقدم رأيا فى قضية محاسبة المتجاوزين بالسجن، لأن الإساءة تختلف من تعبير إلى تعبير، ولا يمكننى أن أصدر حكما طالما لا أعرف ما هى هذه الإساءة وشكلها.
بعض التقديرات تشير إلى أن 5 آلاف و500 شاب تونسى انضموا إلى التنظيمات المتطرفة فى سوريا والعراق وليبيا، فما تفسيرك لزيادة عدد الشباب التونسى المنضم لهذه الجماعات؟
- الأعداد تحتاج إلى تدقيق وضبط لأنه ليس هناك ما يثبتها إثباتا كاملا، لكن حتى لو كان هناك واحد فقط فهذا يجعلنا نهتم بالظاهرة، وهو ما نقوم به بالفعل، والدولة التونسية حريصة حتى على منع بعض الشباب الذى يشتبه أنه سيسافر إلى بؤر التوتر، كما قامت وزارة الشؤون الدينية بإطلاق حملة لمقاومة الفكر الدينى المتطرف تستمر عاما تحت شعار «غدوة خير» «غد أفضل».
هناك ظاهرة أخرى وهى موجة الإلحاد بين الشباب فى العالم العربى.. فكيف ترى سبل مواجهة هذا التحدى؟
- التطرف الدينى أو الإلحاد، هذه الظواهر عادية وأصبحنا نسمع عنها أكثر، لأن وسائل الاتصال باتت أكثر توافرا وشيوعا للناس، وكذلك لزيادة عدد سكان العالم، لكنها ظواهر موجودة عبر التاريخ وفى كل المجتمعات، وعلينا أن نتعامل معها وندرس أسبابها، وأن نضع الحدود لها دون أن نجعل من الأمر فزاعة كبرى.
وبالنسبة للإلحاد فهو حيرة فكرية وجودية يمر بها كل الشباب فى عمر معين، ويجب هنا أن نرافق الشاب بكل الوسائل علميا واجتماعيا وفكريا، حتى يجد الحلول، وتتضح له الرؤية ولا نجعل الأمر فزاعة كبرى.
أما ما يتعلق بالتعقب الأمنى للملحدين، فأنا أتحدث عن المجتمعات المتحضرة، والمجتمعات العربية أصبحت الآن متحضرة، أو أصبحت تتعامل مع كل الظواهر بأشكال تبنى أكثر مما تهدم، خاصة عندما يتعلق بالشباب وفكرهم وشخصيتهم، لذلك حتى لو كانت هناك بعض القوانين الصارمة داخل بعض البلدان فأعتقد أن هناك مرونة فى التعامل معها.
تقف جماعة الإخوان فى مصر خلف الكثير من العمليات الإرهابية.. فهل هذا الوضع ينطبق فى تونس على حركة النهضة؟
- حركة النهضة فى تونس هى حركة مشاركة فى الحكم الآن وهى حركة سلمية، وإذا نظرتم إلى تصريحات قادة حركة النهضة الآن سنجد أنهم يعبرون حقا عن الدولة المدنية، صحيح هناك مرجعية دينية بهم، لكنهم هم الآن فى صميم النهوض بمدنية الدولة، والحفاظ على أصالة الدولة التونيسية.
ومثلما قلت هم شركاء فى الحكم، لذلك هم يبنون ولا يهدمون، وهذا هو المطلوب من كل من يتعاطى السياسة فى ظل هذا الظرف الذى نعيشه.
وهل تأثروا بما حدث فى مصر؟
- أعتقد أن حركة النهضة جلبابها ليس الجلباب الإسلامى الذى تعتنقه بعض الجماعات الإسلامية الأخرى، مثل جلباب العنف والتطرف، فهى حركة واعية تعمل من أجل البناء والنهوض بالبلاد على جميع المستويات، وفى سبيل أن تكون هناك حياة سياسية منفتحة، وفعلا الآن تلاحظون أننا فى تونس وضعنا قدما شبه راسخة فى الديمقراطية.
وبرأيك ما الخطأ الذى ارتكبته جماعة الإخوان المسلمين خلال فترة حكمها فى مصر؟
- الحقيقة أنا لا أعرف الكثير عن خصائص هذا الموضوع وخصائص المجتمع المصرى، ولو كنت متعمقا فى الأمر لأجبت.
مرت 5 سنوات على الربيع العربى لكن الصحافة الغربية تتحدث عن تونس باعتبارها النموذج العربى الوحيد الذى استطاع تحقيق الديمقراطية.. فماذا عن الدول الأخرى؟
- الربيع ليس يوما واحدا هو 3 أشهر فقط، لكن عموما الثورات متواصلة وستشم كل الدول العربية بإذن الله رائحة الورد.
برأيك ما دور السلفيين فى تغذية الفكر المتطرف فى بلدكم؟
- لا يمكن أن نتحدث عن تطرف بالمعنى الكامل، قد يكون هناك تشدد فى الخطاب باعتبار أن كل طرف له مرجعية، وهذا موجود فى المناهج الفلسفية كذلك فى هذه الدراسات والمناهج الدينية، فالكل متأثر بشيخ وفكر معين، لذلك تجد أن تفكيره أو ردود فعله تخالف الغير، والتمسك برأيه هو ما أسميه التشدد.
لذلك نحن مطالبون بتكثيف تعاليمنا ودروسنا لتقديم الفكر الذى يجمع ونتفق عليه جميعا ويبعد عن الخلافات.
عقد مؤتمر كبير فى المغرب شهد كتابة وثيقة مراكش التى تدعو لحماية الأقليات الدينية مستندة إلى صحيفة المدينة المنورة، لكن البعض اعتبر الأمر صوريا.. فبرأيك ما هو دور المسلمين فى العالم العربى فى حماية مواطنيهم من الأقليات الدينية من بطش الإرهابيين؟
- لم تكن محاولة صورية، مؤتمر المغرب كان مهما جدا، وكان المؤتمر راقيا وعظيما، وانتهينا فيه من وضع هذه الوثيقة المهمة التى تستند لصحيفة المدينة المنورة، وما هو موجود بها ليس من باب الإنشاء أو حبر على وقت، إنما هناك سعى فى تطبيقها على الأقل لدينا فى تونس، فنحن نتعامل بكل أريحية وفى إطار السلم وحرية العقيدة مع الأديان الأخرى، سواء المسيحيين أو اليهود، وليس أدل على ذلك من أننى شخصيا وأنا وزير الشؤون الدينية ولست وزير الشؤون الإسلامية، أقوم بالإشراف على استعدادات موسم حج اليهود لبلدة جربا فى تونس وصيانة المكان.
هل تتفق مع مقولة أن الفكر الطائفى يسيطر على العقل العربى وكيف يمكن مواجهة ذلك؟
- هذا من باب التهويل، وأنا أرى أن الاختلافات الطائفية طبيعية، ولا يجب أن نجعل من هذه الظواهر الطبيعية فزاعات ونغذى بها الخلافات، فهذه فى الأساس ظواهر عادية، لكن عندما نوجهها بشكل معين تصبح مشكلة.
وللأسف فالإعلام العربى يغذى هذه المسائل رغم أن دوره المفترض هو أن يوجهها نحو التعايش والتسامح، لكنه على النقيض يتحدث أحيانا بلغة طائفية حول السنة والشيعة.