نادرا ما تتبوأ الانتخابات الرئاسية فى النمسا صدارة الأحداث الدولية، غير أنه فى هذه المرة، الأمر يختلف بشكل كامل، فأنظار الأوروبيين وربما الكثير من دول العالم تتجه إلى فيينا لرؤية إن كان مرشح حزب الحرية اليمينى الشعبوى، نوربير هوفر، سيُنتخَب رئيسا للدولة.
الأحزاب التقليدية الكبرى أُقصيتْ من قبل الناخبين، على غير العادة، فى الدور الأول من الانتخابات، إذ اقتصرت المنافسة بين اليمينى المتطرف هوفر، صاحب الـ45 عاما الذى فاز بنسبة 35% فى الدور الأول، وأصبح المرشح الأوفر حظا بالفوز، والمرشح اليسارى الحر آلكسندر فان بيلن، ذو الـ72 عاما والذى حظى بـ 21% من الأصوات فى الدور الأول من الانتخابات.
وإذا ما فاز مرشح حزب الحرية فسيكون ذلك انتصارا تاريخيا للأحزاب الشعبوية فى أنحاء أوروبا التى استفادت من أزمة اللاجئين الفارين إليها، والاستياء الواسع تجاه الأحزاب التقليدية، إذ استغلت هذه الأحزاب موجة اللاجئين لإعادة ترتيب صفوفها، ورفع وتيرة خطاب الكراهية.
وأظهرت الانتخابات المحلية والبرلمانية فى السنوات الأخيرة ارتفاع شعبية الأحزاب اليمينية فى فرنسا والنمسا وهولندا، وحقق اليمين السويسرى ، العام الماضى، فوزا كبيرا، كما يشارك حزب يمينى فى الائتلاف الحاكم فى الدنمارك، وفى ألمانيا تنشط حركة "بيجيدا"، التى ترفع الحركة شعار معاداة الأجانب والمسلمين وتنظم مظاهرات ضد سياسة الأبواب المفتوحة فى وجه اللاجئين، التى تنتهجها المستشارة أنجيلا ميركل.
وأشارت صحيفة نيويورك تايمز فى تقرير الأسبوع الماضى، إلى أن حقيقة ارتباط الكثير من جرائم العنف فى النمسا وبلدان أوروبية أخرى بالمهاجرين حديثا من مناطق الحرب فى الشرق الأوسط وغيرهم ممن انتقلوا هناك قبل سنوات، يسبب تقلبا على المناخ السياسى قبيل الانتخابات الرئاسية فى النمسا التى ربما تنتخب أول رئيس يمينى متطرف فى أوروبا منذ نهاية النازية.
وتشير الصحيفة إلى أن القومية والمشاعر المعادية للمهاجرين تتزايد فى النمسا بعد موجة اللاجئين الذين تدفقوا إليها العام الماضى، والآن يجرى تغطية الاعتداءات التى يرتكبها المهاجرون بشكل موسع فى الصحف الشعبية النمساوية، مما يساعد المرشح اليمينى الذى أثبت تفوقا بالفعل فى الجولة الأولى من الانتخابات.
وتتعزز فرص اليمين مع زيادة النشاط الإرهابى فى أوروبا، وتنامى الخوف من التنظيمات الإرهابية فى الشرق الأوسط، مثل تنظيم داعش الذى استطاع تجنيد الآلاف من الشباب الأوروبى، ويظهر ذلك فى التقارير الأمنية التى تظهر زيادة أعداد المتطرفين الذين يشكلون تهديدا إرهابيا على أوروبا.
وكشفت تحقيقات لوكالة الاستخبارات الداخلية فى النمسا، عن زيادة فى عدد المشتبه بهم بصلات إرهابية داخل البلاد، مستشهدة بزيادة النشاط داخل جماعة الإخوان الإرهابية، بحسب وصفها، وقد لفتت صحيفة "كلين تسايتونج" النمساوية أن هذه الزيادة تتركز على الأكثر فى ولاية ستريا، الواقعة جنوب شرق البلاد.
وبحسب الإذاعة الألمانية فإن وكالة الشرطة الجنائية الألمانية كشفت، فى تقرير صادر هذا الأسبوع، عن زيادة كبيرة فى عدد المتطرفين، داخل ألمانيا، مشيرة إلى أنها تتبعت 497 حالة للتهديدات أو الأفراد ذوى وجهات النظر المتطرفة الذين يشتبه فى أنهم ربما ينفذون هجمات إرهابية، وأضافت أن هناك 339 شخصا آخرين تم تتبعهم باعتبارهم أشخاصا ذوى صلة أو ربما يكونوا متعاطفين مع الإرهاب.
وفى تصريحات صحفية لرئيس تحرير مجلة "شارلى إيبدو" الفرنسية الساخرة، جيرارد بيرد، قال إن الإفراط فى التسامح كان جزءا من أسباب صعود التيار الإسلامى فى أنحاء أوروبا، واتهم اليسار السياسى بالتورط فى هذا الأمر، مضيفا "كانت فضيحة أن تهتم الحركات اليسارية بالدفاع عن ارتداء المسلمات للنقاب أكثر من دفاعه عن مساواة الأجور".
وأضاف بيرد أن البروباجندا الإسلامية استطاعت إقناع الغرب أن انتقاد الأيديولوجية الإسلامية يعادل انتقاد الإسلام نفسه وأن الأمر يعد عنصرية، ووجهات النظر هذه تفسر سبب المكاسب التى استطاع اليمين السياسى المتطرف فى أوروبا تحقيقها منذ ظهور تنظيمات إرهابية وحشية فى الشرق الأوسط دفعت بمواطنيها للفرار إلى الدول المجاورة وعلى رأسها الدول الأوروبية.
وربما أدل مثال على ذلك، هو الصعود المفاجئ للملياردير الأمريكى دونالد ترامب، الذى استطاع أن يفرض نفسه على الحزب الجمهورى فى الولايات المتحدة ليصبح المرشح المفترض للحزب فى الانتخابات الرئاسية، رغم التوقعات التى كانت تستبعد ذلك ورغم محاولات العديد من قادة الحزب إبعاده.
وعلى الرغم من أن ترامب ليس يمينيا ويشكك الكثير من القادة الجمهوريين فى أنه محافظ، بل أشاروا إلى أنه دخيل على الحزب الجمهورى، لكنه استطاع توظيف خطاب متشدد تجاه المسلمين عقب هجموم سان بيرناردينو فى كاليفورنيا، نوفمبر الماضى، معلنا ضرورة حظر دخول المسلمين للولايات المتحدة حتى يتمكن المشرعون من فهم ما يحدث، بحسب تعبيره.
وذهب ترامب فى دعوته قائلا "حتى نحدد ونفهم هذه المشكلة والتهديد الذى تمثله، دولتنا لا يجب أن تكون ضحية لاعتداءات من أشخاص يؤمنون فقط بالجهاد وليس لديهم أى احترام للحياة الإنسانية".
واستغل ترامب الخوف من المسلمين، الشعور الذى يتنامى بعد كل هجوم يرتكبه متطرفون منتسبون للإسلام، كى يظهر للناخب الأمريكى أنه قادر على حمايته، وأن لديه استراتيجية لفرض الأمن وبالفعل نجح خطاب الكراهية فى تحقيق انتصار كبير للمرشح الجمهورى على منافسيه، وهو نفسه ما يتحقق فى أوروبا الآن.