رحب الرئيس محمد أنور السادات، بضيفه وخصمه الفريق أول محمد فوزى وزير الحربية من 11 يونيو 1967 حتى 13 مايو 1971، وبدأ فى الحديث معه عما يريده منه.
كان اللقاء فى استراحة القناطر الخيرية، والثانى بينهما منذ خروج فوزى من السجن بعد قرار السادات بالإفراج عنه خلال عام 1974، قبل انتهاء فترة عقوبته 15 عاما أشغال الشاقة فى قضية «15 مايو 1971» التى اشتهرت إعلاميا باسم «مراكز القوى»، «راجع، ذات يوم، 6 يناير 2020».
حضر محمد حسنى مبارك، نائب الرئيس، هذه المقابلة، وفيما كان «فوزى» على خصومة تاريخية مع السادات بسبب قضية «15 مايو»، كان مبارك يحمل تقديرا لـ«فوزى»، فهو قائده فى الجيش، والسبب فى تعيينه مديرا للكلية الجوية فى نوفمبر 1967، كما أشاد به أمام عبدالناصر حين رشحه ليكون رئيسا لأركان القوات الجوية، وفقا للكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل، الذى يقول فى كتابه «مبارك وزمانه»: «للأمانة فقد سمعت الفريق محمد فوزى وزير الحربية يقدم مبارك عند جمال عبدالناصر عندما رشحه له رئيسا للأركان فى سلاح الطيران 22 يونيو 1969، أثناء حرب الاستنزاف، وكانت شهادته تزكية لما رُشح له.
يتذكر «فوزى» للكاتب الصحفى عبدالله إمام، فى كتاب «الفريق أول محمد فوزى، النكسة، الاستنزاف، السجن»، أسرار ما دار فى اللقاء، قائلا: «فتح الرئيس السادات الحديث عن رغبته فى تسجيل أحداث الثورة بواسطة لجنة على مستوى عال يرأسها النائب حسنى مبارك، لأن الزمن يمر سريعا على شعب مصر، بدون أن يعرف الحقائق عن الثورة وبالذات عن معركة 5 يونيو 1967»، أضاف السادات لـ«فوزى»: «أنت عاصرت هذه المعركة، حيث كنت فى موقع رئيس هيئة الأركان، ولم يصدر عن المعركة أية كتب أو دروس يمكن أن تعتمد عليها اللجنة فى كتابة تاريخ هذه المعركة».
عند هذا الحد، قاطع «فوزى» كلام «السادات»، وارتفعت حرارة الحوار بينهما لساعتين، يذكر «فوزى» مقتطفات منه، قائلا: «قاطعت الرئيس، وذكرت له أننى أصدرت كتابا رسميا يعتبر تسجيلا تفصيليا عن معركة يونيو 1967 مع ذكر أسبابها ودوافعها وإدارتها مدعما بالخرائط الكونتورية، وكان توزيع هذا الكتاب الذى أخذ صفة السرية مقصورا على القادة فقط، وأعتقد أن النائب حسنى لديه نسخة قائد القوات الجوية ويمكن الاعتماد عليها فى كتابة تاريخ هذه الفترة».
لم يقتنع «السادات» برد «فوزى»، فقال له: «لا، إحنا عاوزينك انت بصفتك شاهد معاصر وعلى مستوى الأركان العامة تجاوب على أسئلة تطرحها عليك اللجنة من أجل تسجيل التاريخ»، يضيف «فوزى»: «لم أوافق على هذا الأسلوب، وقلت للرئيس دى تبقى، سين وجيم، ده يبقى تحقيق مش كتابة تاريخ».
استدعى «فوزى» مخزونه من عدم الثقة فى نوايا «السادات» وتعامل على أساسه، وناور فى كلماته، قائلا: «بدأت أتشكك فى نوايا الرئيس وفى اتجاهاته، ثم أبديت استعدادى للتعاون مع لجنة تسجيل التاريخ ولكن بالأسلوب الذى أقرره»، وهنا طرح «فوزى» مناورته قائلا لـ«السادات»: «أنا عاوز وقت لكى أتذكر الأحداث وأرتبها وأدونها، وهذا يستغرق منى حوالى أسبوعين تقريبا»، يكشف رد فعل «السادات الذى قال بتهكم: «بقى فوزى عاوز يتذكر؟! اللى دلل على مكان وقطع غيار الصواريخ جو/ أرض الحديثة الضخمة، التى تزن كل رأس صاروخ منها واحد طن، وتركب فى الطائرة «ت ى 16 س» القاذفة الثقيلة طويلة المدى، وكانت موضع مناقشة ساخنة بين القادة السوفيت وعبدالناصر، والفريق فوزى قطع هذه المناقشة ودلل على مكانها وكمياتها وأنواعها، وسط دهشة الحاضرين فى لقاء القمة فى موسكو عاوز يتذكر أحداث معركة 1967».
كان «السادات» يتذكر وقائع اجتماع فى موسكو حضره «فوزى» مع «عبدالناصر» والقادة السوفيت يوم 29 يونيو عام 1968، وحصل فيه على صفقة أسلحة ومعدات متطورة تقدر بـ200 مليون دولار، وضم الوفد المرافق لعبد الناصر، السادات ومحمود رياض وزير الخارجية، والفريق عبدالمنعم رياض رئيس أركان الجيش المصرى، وفقا لـ«فوزى» فى كتابه «حرب الثلاث سنوات، 1967، 1970»، كاشفا، أن عبدالناصر اصطحب معه ياسر عرفات رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية باسم مستعار، وقدمه إلى القيادة السوفيتية لأول مرة، وتمكن من الحصول له على صفقة أسلحة صغيرة وهاونات قدرت بنصف مليون دولار.
نعود مع ذكريات فوزى عن اللقاء، يقول: «الرئيس السادات بشرحه الطويل عما حدث فى موسكو، كان يريد أن يدلل على دقة ذاكرتى فى موضوعات فرعية، ويتعجب من رغبتى أن أجمع وأتذكر موضوع معركة 1967».. واستمر الحوار وانتهى بلقاء «فوزى» مع اللجنة يوم 8 يناير 1976، فماذا جرى؟