عقد المركز المصرى للدراسات الاقتصادية، مساء اليوم الأحد، ندوة عبر تطبيق زووم على الإنترنت بعنوان: "معضلة الحديد والصلب حوار علمىموضوعى حول المشكلة"، وهو أول حوار من نوعه حول تصفية شركة الحديد والصلب، حيث هدفت الندوة إلى طرح حوار موضوعى متكامل يتناول كافة أبعاد وجوانب القضية بشكل علمى في إطار طبيعة الصناعة وظروف السوق واحتياجات الاستثمار.
وقال عمر مهنا رئيس مجلس إدارة المركز المصرى للدراسات الاقتصادية، أن الشركة مرت بعقود من عدم الشفافية أدى لتدهور أوضاعها، وهو ما يحتم علينا الوقوف على حقيقة أوضاع الشركة، وما آل إليه الأمر، بصورة موضوعية بعيدة عن التحيز، ومن خلال طرح كافة الجوانب في نقاش موضوعى متكامل يسعى لطرح كافة وجهات النظر.
واستعرضت الدكتورة عبلة عبد اللطيف المدير التنفيذي ومدير البحوث بالمركز، بعض الحقائق المتعلقة بالصناعة على المستوى العالمى، حيث بلغت القيمة السوقية لصناعة الحديد والصلب عالميا ما قيمته 2.5 تريليون دولار عام 2019، ويعمل بها 6 مليون شخص عمالة مباشرة، بخلاف 30 مليون عامل في سلسلة القيمة، حيث تخلق كل وظيفة مباشرة 13 وظيفة غير مباشرة، ويحقق كل دولار يتم استثماره في الصناعة قيمة مضافة 2.5 دولار.
وأوضحت عبد اللطيف أنه من المهم طرح القضية من أربعة جوانب هامة، الأول يتمثل في الجدوى الاقتصادية لاستمرار الشركة من عدمه، وهو مربط الفرس في أي قرار، يليه موقعها في السوق، ويتمثل البعد الثانى في طبيعة هيكل الصناعة بالسوق وطبيعة المنتجات، ووجود منتجين آخرين يصنعون هذا المنتج من عدمه وطبيعة التجارة هل يتم استيراد المنتج أم تصديره، أما البعد الثالث فيتمثل في طبيعة البديل إذا كان القرار هو التخلص من الشركة بسبب النزيف المستمر، وكيف يمكن تحسين سلسلة القيمة بالصناعة؟ وأخيرا البعد الرابع الذى يتمثل في منظومة الحلول المتكاملة التي يجب الاستفادة منها في إدارة محفظة استثمارات الدولة التي تديرها وزارة قطاع الأعمال، فلابد من تقييم الشركات كبداية ثم اتخاذ القرار المناسب لكل شركة على حدة ما إذا كان سيتم ضخ استثمارات جديدة وما الذى يجب تحسينه، وما الذى يمكن بيع بعض ممتلكاته لتطويره، وما الذى يجب تصفيته لعدم جدوى استمراره.
وعرض هشام توفيق وزير قطاع الأعمال توجه الوزارة نحو التعامل مع شركات القطاع العام، حيث يوجد نحو 120 شركة قطاع أعمال عام، منها 48 شركة كانت خاسرة، حيث تم مراجعة أوضاع الشركات الخاسرة وتبين أنها خسرت أكثر من رأس مالها عند الإنشاء البالغ 16 مليار جنيه، حيث خسرت الشركات 44 مليار جنيه على مدى عقود، وتم ضخ 60 مليار جنيه في هذه الشركات رغم خسارتها وكانت مستمرة.
وقال توفيق أنه تم العمل على 3 محاور للتطوير، الأول تطوير تشريعىحيث تم تعديل القانون لتمكين المساهم من مجالس الإدارات بدلا من الاعتماد على العضو المنتدب ورئيس مجلس الإدارة، وتم تخفيض عدد العاملين من الممثلين في مجالس الإدارة من نسبة 50% إلى نسبة 1% فقط ممن لهم حق التصويت، وتم منع الشركات الخاسرة من الاستمرار في الخسارة لأكثر من 3 سنوات وفق القانون، فإما يكون لدى الشركات خطة تطوير تعيدها للربحية من خلال ضخ استثمارات جديدة، وإما الإغلاق، فالشركة التي ليس أمامها مجال للتطوير يجب إغلاقها ولن يسمح بعد ذلك لشركات خاسرة بالاستمرار.
وأضاف الوزير أن المحور الثانى للتطوير تمثل في دراسة الشركات الخاسرة كل على حدة، حيث تم إغلاق شركة قطاع أعمال واحدة هي الشركة القومية للأسمنت لعدم وجود أي رؤية لاحتمالية التطوير، خاصة في ظل زيادة فائض المعروض من هذه السلعة، والشركة الثانية هي الشركة المصرية للملاحة وهى شركة مشاركة صغيرة الحجم، وجاء قرار إغلاقها لعدم وجود أمل في التطوير، لافتا إلا أنه في حالة الرغبة فىالاستثمار بمجال الملاحة سيتم ضخ هذه الاستثمارات في الشركة المالكة الأكبر وهى الوطنية للملاحة.
أما ما يتعلق بوضع شركة الحديد والصلب، أوضح توفيق إن الشركة شهدت عقودا من الخسارة الفعلية حيث وصلت خسارتها إلى 7.5 مليار جنيه في 23 عاما من سنة 1997/1998 إلى سنة 2019/2020، لافتا إلى أن الجهاز المركزى للمحاسبات يقدر الخسارة الحقيقية بنحو 15.6 مليار جنيه خلال هذه الفترة، تم تمويلها من مديونيات على جهات أغلبها حكومية بعضها من الشركة القابضة بقيمة 3.4 مليار جنيه، بالإضافة إلى مديونيات لشركة النصر للكوك، وشركة الغاز وشركة الكهرباء وغيرها، وبلغت قيمة المديونيات 9.5 مليار جنيها، تم سداد 1.2 مليار جنيها منها من خلال تسويات أراضى، ويتبقى مديونية بقيمة 8.2 مليار جنيه.
وتابع توفيق، أن وزير قطاع الأعمال الأسبق أشرف الشرقاوى استدعى الاستشارى العالمى "تاتا ستيل" لتقديم تصور لإصلاح الشركة، وتم عمل كراسة شروط كان يجب طرحها عام 2015، لكنها لم تطرح إلا في منتصف عام 2017 وتم طرح الكراسة الفنية في نوفمبر2017 وهذا يحسب على الوزارة – على حد تعبير الوزير – وبعد تأخر 4 سنوات عن طرح كراسة الشروط، كان هناك محاولة أخرى للوزير خالد بدوى لإصلاح الشركة، حيث تم استدعاء نفس الاستشاري "تاتا ستيل" في أغسطس 2018، والتي أكدت تدهور حالة المصنع نتيجة عدم التشغيل السوى للأفران، وطلبت تشغيل الفران الرابع بالطاقة القصوى لمدة 4 أشهر لتحديد الأضرار.
وأكد توفيق إن الشركة لم تتمكن من التشغيل المستمر لأكثر من 12 يوما. وتوجهت الوزارة للبديل الثانى وهو عمل مسابقة لمشغل "يشيل المصنع" لمدة 20 سنة مع تحمل الشركة القابضة لكافة المديونيات (بلغت 6.75 مليار جنيها وقتها) وتقليص عدد العاملين من 7.5 ألف إلى 4 آلاف عامل فقط، والالتزام الوحيد على المشغل هو تشغيل الشركة بالطاقة القصوى 1.2 مليون طن سنويا، ولكن لم يتم الوصول إلى مرحلة التفاوض على المشاركة حيث كان لدي الوزارة النية لقبول أي نسبة مشاركة في الأرباح حتى لو كانت صفر مقابل إعادة تشغيل المصنع – على حد قوله.
وأضاف توفيق: "شفت 5 – 6 مستثمرين ادعوا الاهتمام بالمصنع وكلهم تحدثوا عن مقاولة ولكن لم يكن لدى أي منهم الاستعداد لإعطاء ضمانة للتشغيل. الأجور تفوق 850 مليون جنيها سنويا، وبالتالي لا يمكن المخاطرة بالأجور على حاجة مش مضمونة".
وأشار وزير قطاع الأعمال إلى تشكيل لجنة لمناقشة الأمر على نطاق أوسع بتعليمات من الرئيس، بحضور الجهات الرقابية الثلاثة والدكتور شريف اسماعيل مساعد رئيس الجمهورية للمشروعات القومية والاستراتيجية، ولجنة فنية عسكرية وخبراء من الصناعة، واجتمعت اللجنة مرتين وتم تشكيل لجنة ثانية بعدها للتأكد من النتيجة التي كانت "حتمية إغلاق المصانع"، لافتا إلى فصل المناجم في شركة منقسمة لوجود أمل في استغلالها ورفع تركيز الحديد الخام بما يسمح ببيعه كمكورات حديد للمصانع المصرية المتكاملة كبديل عن الخام المستورد من البرازيل، لافتا إلى أن تقسيم الشركة كان سبب تأخر قرار التصفية لنحو 3 – 4 أشهر، بالإضافة إلى توجيه اللجنة بتوفير مصادر دفع تعويضات العاملين قبل الإعلان عن التصفية، ومن المقرر أن يتم توظيف نحو 150 – 200 من الكفاءات من العمال في شركات أخرى.
وحول إجراءات تصفية الشركة، قال وزير قطاع الأعمال، إن بدء إجراءات التصفية سيتم بعد تسجيل أسهم الشركة المنقسمة في البورصة والمقرر أن يتم خلال 3 أسابيع بعد انتهاء الإجراءات، ثم سيتم تعيين مصفى وبيع الأصول، والتي تنقسم إلى وحدات مختلفة، منها وحدات منتجة مازالت تعمل سيتم طرحها للبيع على حدة، وجزء آخر يتمثل في الأدوات والمعدات التي سيتم بيعها خردة، ثم الأصول الأخرى كالأراضى، مؤكدا على أن جميع الإجراءات ستتم بشفافية من خلال مزادات سيتم الإعلان عنها وستتم تحت رقابة الجهات الرقابية.
من جانبه قال الدكتور زياد بهاء الدين نائب رئيس الوزراء وزير التعاون الدولى الأسبق، إن فهم آليات التدهور هو أمر هام للغاية، هل هي مالية أم إدارية أم ترجع لطبيعة الصناعة نفسها وعدم جدوى استمرار الدولة بها، لافتا إلى أن ما قدمه وزير قطاع الأعمال حول أسباب إغلاق الشركة مقنع بصعوبة تدارك الحالة الراهنة لها، ولكن المهم هو أين منظور الصناعة؟ متسائلا حول موقف وزارة الصناعة بجانب وزارة قطاع الأعمال من الصناعة نفسها وما هي خطتها في هذا المجال حتى بعد تنفيذ قرار التصفية؟ وما مستقبل الصناعة نفسها؟.
وأشار الدكتور منير فخرى عبد النور وزير التجارة والصناعة الأسبق، إلى عدد من الحقائق التي لا تقبل المناقشة والتي تتمثل في تقادم تكنولوجيا الشركة وضعف أفرانها وضعف نسبة تركيز الحديد وارتفاع استخدام فحم الكوك، مما تسبب في ارتفاع تكلفة الإنتاج والعجز عن منافسة المصانع الحديثة وتراكم الخسائر، مؤكدا أن هذا ليس هو المصنع الوحيد المتكامل في مصر على عكس ما يشاع، لافتا إلى أن إنتاج المصنع الحالي هو 112 ألف طن سنويا تمثل أقل من 1% من الطاقة الإنتاجية لمصانع الحديد والصلب في مصر والتي تصل إلى 12 مليون طن، في حين أن حجم الاستهلاك يصل إلى 7 ملايين طن سنويا منهم 3 ملايين طن مستورد بسبب انخفاض الأسعار ، مما يعنى وجود فائض في الطاقة الإنتاجية للحديد والصلب في مصر، وبالتالي إذا تم الأخذ بالرأى المطالب ببيع بعض أصول الشركة وتطوير خطوط الإنتاج سيؤدى ذلك إلى زيادة المعروض من الحديد وتعرض الشركات المنتجة للإفلاس.
وأوضح عبد النور أن الأهمية النسبية لصناعة الحديد والصلب كأساس للنهضة الصناعية تراجعت كثيرا، وأفسحت المجال لصناعة البتروكيماويات التي تدخل في الكثير من الصناعات الكبرى مثل صناعة السيارات، داعيا إلى استخدام حصيلة تصفية شركة الحديد والصلب لصالح بناء مجمع بتروكيماويات، حيث يحتاج إلى استثمارات ضخمة لا يقدر عليها القطاع الخاص، في حين يمكن للدولة الاستثمار في هذا المجال الهام بتحسين استخدام الغاز الطبيعى بدلا من حرقه كمصدر للطاقة. وأكد عبد النور أنه يتم تصفية مصانع الحديد والصلب المتقادمة في عدد كبير من دول العالم، ويمكن النظر إلى التجربة الإنجليزية والتجربة الإنجليزية في هذا المجال، وهذا تطور طبيعى نتيجة للابتكار.
وأثار الدكتور أحمد جلال وزير المالية الأسبق، الحديث حول دور الدولة في الاقتصاد، لافتا إلى عدم وجود مبرر اقتصادى لتدخل الدولة في صناعات استهلاكية، لافتا إلى أن ما يحدث في قطاع الأعمال العام يجب أن يتسق مع توجهات الدولة. وأضاف أن الرأي العام كان في حاجة إلى نقاش لتقبل هذا القرار والقرارات الشبيهة له، وهو ما قد ينتج عنه أن يصبح الرأي المعارض مساندا لهذا القرار.
من جانبه طالب معتز محمود رئيس لجنة الصناعة بمجلس النواب، بضرورة محاسبة المتسببين فى انهيار الشركة نتيجة سوء الإدارة، وهو الدور الرقابى لمجلس النواب، داعيا لضرورة تنقية التشريعات والقوانين الحاكمة لمنظومة الاستثمار والصناعة وفك التشابك بين الوزارات في المنظومة الصناعية لتذليل العقبات أمام الصناعة.
وعقب الدكتور هشام توفيق على قوله بأهمية التحقيق في المسئولية التاريخية لانهيار الشركة، معلنا في الوقت نفسه العمل على زيادة تركيز خام الحديد في الشركة المنقسمة باستخدام تكنولوجيا أوكرانية بعد ثبوت جدواها، وتطوير شركة الدلتا للصلب لإنتاج 500 ألف طني بيليتسنويا بتكنولوجيا حديثة.
وردا على أسئلة الحضور، أشار وزير قطاع الأعمال إلى أن الخسارة الكبيرة التي تكبدتها شركة مصر للألومنيوم والتي بلغت العام الماضى1.6 مليار جنيه، ترجع بشكل رئيسى إلى تدهور أسعار الألومنيوم في السوق العالمى منذ نحو 8 شهور، ولكنها عاودت الارتفاع مرة أخرى في آخر 3 أشهر، لافتا إلى أن ارتفاع أسعار الكهرباء من 42 قرش إلى 11 قروش في آخر 4 سنوات كان سببا مساعدا في هذه الخسارة.
وقال الوزير: "مش هنسيب موضوع الكهرباء، هناك صناعات استراتيجية لها روابط أمامية وخلفية مثل الألومنيوم والمسبوكات والغزل، تستحق أن نفكر في استراتيجية لتسعير الطاقة بشقيها الكهرباء والغاز بصورة كبيرة وإلا ستخرج هذه الصناعات من السوق".
وأشار توفيق إلى أن استهلاك القطاع الصناعى للكهرباء في مصر يتراوح ما بين 27 - 28%، في حين أن الدول الراغبة في تحقيق نهضة صناعية يجب أن يرتفع فيها نسبة استهلاك القطاع الصناعى إلى 50% من استهلاك الكهرباء.