كارثة إنسانية وجريمة كبرى مكتملة الأركان تشهدها بمدينة "مضايا" السورية، التى يحاصرها نظام الرئيس بشار الأسد، وميليشيات "حزب الله" منذ أكثر من 7 شهور، حتى تحول سكانها لجثث وهياكل عظمية، وأطفالها مشردون يبحثون على كسرة خبر تسد رمق جوعهم الشديد.
كل هذا يحدث يوميًا فى ظل صمت تام من كافة دول العالم، فرغم انتشار الصور ومقاطع الفيديو على شبكات التواصل الاجتماعى ومواقع الإنترنت التى توثق الجريمة البشعة، والتى تؤكد بالطبع تراجع غير مسبوق فى الأوضاع الإنسانية التى تمر بها المدينة الواقعة بريف دمشق الغربى من ندرة المواد الغذائية والأدوية والمياه الصالحة للشرب جراء الحصار الذى يفرضه الحزب الشيعى اللبنانى والنظام السورى، فحتى كتابة تلك السطور لم تصدر الأمم المتحدة أو مجلس الأمن أى ردود فعل تجاه الجريمة الإنسانية لفك الحصار عنها، وتسهيل مرور مواد الإغاثة لها.
وفاة أكثر من 30 شخصًا جوعًا
عدد من المواقع الإخبارية السورية أشارت إلى أن عدد الوفيات فى "مضايا" خلال الأيام الأخيرة ارتفع لأكثر من 30 شخصًا بسبب الجوع الشديد، فى حين ينتظر عشرات الآلاف تحولوا إلى هياكل عظمية مصيرهم فى ظل انعدام المواد الغذائية والدوائية بفعل الحصار المفروض على المدينة.
الثلج والبرد يزيد معانات سكانها
معاناة سكان "مضايا" تتفاقم أكثر بسبب العواصف الثلجية التى هبت مؤخرًا، فى ظل انعدام وسائل التدفئة وغياب الكهرباء، حيث تم نقل عدد كبير من المسنين والأطفال إلى المراكز الطبية المحلية بسبب حالات إغماء وإعياء.
فيما حذر الائتلاف الوطنى لقوى الثورة التابع للمتمردين بالمعارضة السورية، من كارثة إنسانية تُهدد حياة المحاصرين جوعًا وبردًا فى "مضايا" بريف دمشق الغربى، ورأى أن صمت المنظمات الدولية يجعلها شريكة فى جريمة حصار المدنيين.
وطالب الائتلاف اليوم الخميس، الجامعة العربية والأمم المتحدة والمبعوث الأممى الخاص بسوريا بتحمل مسئولياتهم تجاه المدنيين المحاصرين، والتحرك الفورى والعاجل لإنقاذ أرواح المدنيين الأبرياء وفك الحصار عنهم والدخول الفورى لقوافل المساعدات.
صمت الأمم المتحدة
وكانت الأمم المتحدة أشرفت نهاية الشهر الماضى على تنفيذ هدنة "الزبدانى" و"الفوعة"، وكان من ضمن الاتفاق بند يطالب بفك الحصار عن "مضايا" التى تتبع إداريًا مدينة الزبدانى، وتابعت المنظمة الدولية عملية تبادل الجرحى بين المعارضة والنظام، لكن حسب التقارير فإن الأمم المتحدة لم تتابع مهامها بإتمام الاتفاق الذى كان من أبرز بنوده فك الحصار، وإمداد المناطق التى كانت محاصرة بالغذاء والدواء.
وكشف مدير المستشفى الميدانى فى الزبدانى وعضو هيئة الإغاثة الموحدة للزبدانى ومضايا عامر برهان، لمؤسسة إعلامية تتبع المعارضة السورية أن مكتب مسئول ملف الزبدانى فى الأمم المتحدة جيفرى فيلتمان رد على رسالة مكررة من المجلس المحلى فى البلدة يستغيث المؤسسة الدولية، من أجل إدخال المساعدات الغذائية إلى الأهالى المحاصرين، بأن كادر المكتب بأكمله فى إجازة من 24 ديسمبر حتى 5 يناير الجارى، وذلك برغم من أن مقر الأمم المتحدة فى ريف دمشق لا يبعد عن مضايا سوى مسافة أقل من عشر دقائق بالسيارة.
أهل المدينة اضطروا لأكل لحوم القطط والكلاب
وتقول تقارير، إن أهالى "مضايا" اضطروا مؤخرًا إلى أكل لحوم القطط والكلاب وأكل الحشائش والبحث فى النفايات، وذلك بسبب انعدام الطعام والأغذية فى البلدة التى يعيش بها حوالى 40 ألف سورى.
أوراق شجر الزيتون ما تبقى
وبلغ سوء الأوضاع بمضايا فى الأيام الأخيرة حدًا غير إنسانى، حيث يؤكد أطباء من المستشفى الميدانى فى مضايا تردى الأوضاع الصحية لأهالى المدينة، حيث وصلت للمستشفى 30 حالة تسمم نتيجة أكل أوراق شجر الزيتون، وهى المادة الخضراء المتبقية فى البلدة بعد تساقط الثلوج.
وتشير التقديرات، إلى أن "مضايا" تشهد نحو 200 حالة إغماء يوميًا بسبب سوء التغذية، كما لفت سكان المدينة إلى أن أسعار المواد الغذائية - التى يقوم منتفعون يتبعون النظام أو حزب الله بتوفير كميات محدودة منها - وصلت لمستويات كبيرة، حيث بلغ سعر كيلو جرام من حليب الأطفال 150 دولارًا أمريكيًا، وكيلو جرام من السكر أكثر من 153 دولارًا.
وخلال الأيام الأخيرة بث عدد من النشطاء صورًا وتسجيلات مروعة للسكان المدنيين الذين فتك بهم الجوع، خاصة بعد العاصفة الثلجية التى زادت من مأساتهم، ورغم استغاثات السكان والمسئولين المتكررة التى بثت على شبكات التواصل الاجتماعى وتناقلتها وسائل الإعلام، فإنه لا يوجد أى تحرك لإنهاء المأساة.
نظام الأسد يحاصر الزبدانى
ومنذ أشهر تحاصر قوات النظام السورى وحزب الله مدينة مضايا، كما تحاصر الزبدانى و"بقين" وبلدات أخرى فى مسعى لإجبار المعارضة المسلحة هناك على الاستسلام، وتواصل تلك القوات محاصرة المدينة فى خرق لهدنة "الزبدانى الفوعة" التى تقضى بإدخال مساعدات إلى المحاصرين.
الماء والملح غذاء أطفال "مضايا"
وأصبحت المدينة المحاصرة الواقعة على بعد أميال من الحدود اللبنانية السورية، يستخدم أهلها الماء والملح كى لا تتعفن أمعاؤهم وبطون أطفالهم من الجوع، بعد مرور أكثر من 7 أشهر على الحصار المفروض عليهم، من قبل النظام السورى الذى يمنع دخول المواد الغذائية والطبية والمنظمات الإنسانية، على الرغم من أن اتفاق الزبدانى والفوعة.
اتفاق الزبدانى والفوعة
ونص اتفاق الزبدانى والفوعة بشكل أساسى على فك الحصار، ونتيجة لذلك توفى أكثر من 25 مواطنًا من الجوع، بالإضافة إلى حدوث مئات حالات من الإغماء يوميًا، كما أن المواد الغذائية أصبحت شبه معدومة، والمتوفر منها يباع بأسعار باهظة.
توتير يهاجم حزب الله
وفى السياق نفسه، قالت شبكة "CNN" الإخبارية، إن مغردون على موقع التواصل الاجتماعى توتير هاجموا "حزب الله" اللبنانى، على خلفية مصرع العشرات بينهم أطفال وشيوخ من "مضايا" السورية المحاصرة، والتى تقع فى ريف دمشق.
وذكر المرصد السورى لحقوق الإنسان، اليوم الخميس، "إن حزب الله الذى يقاتل إلى جانب قوات النظام، شن هجومًا على الزبدانى وهى مدينة قرب مضايا، فى يوليو، وحاصر المقاتلون المعارضون فى وسطها، قبل أن يخرج قسمًا منهم أخيرًا بموجب اتفاق الهدنة".
فرنسا وبريطانيا يرفضان حصار مضايا
واكتفت كل من الحكومة الفرنسية والبريطانية بالتنديد بما وصفته بوضع "لا يطاق وغير مقبول" فى مضايا، بعد حدوث حالات الموت جوعًا، حيث طالبت باريس بـ"الرفع الفورى للحصار"، حسب المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية.
فيما حث المبعوث البريطانى الخاص إلى سوريا جاريث بايلى، نظام الأسد على رفع الحصار عن مضايا وغيرها، كخطوة نحو إنهاء الوضع المستمر منذ حوالى خمس سنوات.